بعض النّاس في الغرب يقرّرون فجأة ترك وظائفهم المرموقة بعد أن يتجاوزوا الأربعين من العمر ويهجرون المدن وصخبها ويختارون العيش وسط الطبيعة في الرّيف أو في الغابات أو الجبال وفي أماكن نائية يربّون الأغنام والماعز ويعيشون حياة الفلاحين والمزارعين البسطاء، يأكلون ممّا يزرعون ويجدون في ذلك متعة وراحة وسعادة.
من المحاماة إلى المطبخ
وهناك آخرون يقرّرون لسبب أو لآخر تغيير مهنهم بعد أن مارسوها أعوامًا طويلة، وهذا ما قرّرته اليابانيّة «ماكو هيراياما»، فعندما بلغت الخامسة والأربعين من العمر تركت مهنتها الأصليّة وهي المحاماة التّي نجحت في ممارستها في «نيويورك» و«لندن»، والتّي كانت تدرّ عليها دخلاً ماليًّا محترمًا وتمنحها مكانة اجتماعيّة مرموقة لتختار ممارسة حرفة أخرى لا علاقة لها بالأولى إطلاقا هي الطّبخ وإعداد الحلويّات، فقد دفعت كلّ مدّخراتها من أجل فتح مطعم صغير بباريس تعدّ فيه بنفسها الحلويّات والأطباق المختلفة والمتنوّعة. وهكذا غيّرت وجهة عملها تغييرًا كليًّا من المحاماة والدّفاع عن الأرملة واليتيم كما يقال إلى طبّاخة تقضي كامل وقتها في إعداد ما لذّ وطاب للزّبائن وهي سعيدة بهذا التحوّل سعادة قصوى.
شهرة
اكتسب مطعمها الصّغير الواقع في الدّائرة 11 بباريس شهرة كبيرة وبسرعة، فباريس تعجّ بعدد كبير جدًا من المطاعم ذات الاختصاصات المختلفة، وهذه الشهرة الكبيرة جاءت بفضل براعتها في إعداد حلويّات لا تشبه ما هو موجود ومعتاد، فهي تبتكر أشكالاً ومذاقات جديدة فيها عبق الشّرق ونكهته وروائحه، وأصبحت الجرائد والمجلات الفرنسيّة تمتدح في مقالات مطوّلة هذا المطعم الصّغير لما يوفّره من خدمات وما يقدّمه من أطباق شهيّة..
من العلوم السياسيّة إلى الفرن
أمّا زوجها اللبناني عمر قريطم، وهو دارس للعلوم السياسيّة في الولايات المتّحدة الأمركيّة فقد ترك هو الآخر، على غرار زوجته، عمله الأصلي في بلدية «نيويورك» لينتقل مع زوجته إلى لندن ثمّ باريس ليساعدها في إدارة المطعم الصّغير. وكان قد هاجر رضيعًا مع أسرته منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان وكبر في باريس، وفي سن 18عامًا غادر إلى مدينة «نيويورك» واستقرّ بها وتعرّف على «ماكو» وتزوّجها عام 2000 وأنجب منها علي وعمره اليوم 4 أعوام و«مايا» وعمرها ستّ سنوات. ويتولى عمر جلب التوابل والأعشاب من لبنان وهو يعد «سندويتشات» لذيذة ويساهم مع زوجته في إعداد الأطباق والحلويات. واللافت أنّ عشبة «الزعتر» التّي يجلبها عمر من لبنان والتّي يقع استعمالها في بعض الأطباق قد استحسنها الباريسيون ووجدت فيها الباريسيات نكهة خاصّة ومذاقًا لذيذًا.