من يعرف منتخب الأوراغوي لكرة القدم، يعرف تماماً صلابة وقوة وصعوبة هذا المنتخب على خصومه، وعلى الرغم من أن إنجازاته الدولية في الفترة الأخيرة، ليست كبيرة جداً، إلا أن تاريخه في ملاعب الساحرة المستديرة يستحق الاحترام، فهو حاصل على البطولة الأغلى في تاريخ كرة القدم، مونديال كأس العالم، لمرتين في مسيرته، فهو أول فائز في البطولة، التي كان هو مستضيفها أيضاً في العام 1930، كما أنه نال اللقب للمرة الثانية في العام 1950 الذي استضافته البرازيل آنذاك، ولكن لروحه القتالية العالية، قصة مثيرة لا تخطر على البال.
البطل الذي يبعث هذه الروح القتالية في المنتخب، هو لاعب رياضة الـ"رغبي" الأوروغوياني الشهير "غوستافو زربينو"، الذي بدأت قصته في العام 1972، العام الذي شهد وقوع أكثر الكوارث الرياضية بشاعة، وهي عندما سقطت الطائرة التي تقل فريقه "أولد كريستيان Old Christians" خلال توجهها إلى دولة التشيلي فوق جبال الأنديز، الممتدة على طول الساحل الغربي لقارة أمريكا الجنوبية، فلم يكن أمام "زربينو" إلا أن يأكل لحم رفاقه القتلى في الفريق حتى يتمكن من النجاة.
زربينو ومونديال روسيا 2018..
"غوستافو زربينو" الآن هو المتحدث التحفيزي لمنتخب بلاده المشارك في مونديال روسيا لكرة القدم في روسيا 2018، وكان قد عمل مع الفريق الوطني منذ أكثر من 12 عاماً، وكان له دور أساسي ومهم في فوز المنتخب بكأس أميركا في العام 2009، بالإضافة إلى مساهمته في الوصول إلى الدور قبل النهائي لكأس العالم خلال العام 2010، حيث أصبحت قصة نجاته هي عامود الأساس في روح المنتخب الأوروغوياني للوصول وتحقيق الحلم للمرة الثالثة في البطولة العالمية، وكان "زربينو" قد قام بإجراء محادثة تحفيزية مع نجم المنتخب ولاعب فريق برشلونة الإسباني "لويس سواريز"، ذكر خلالها تفاصيل حكايته، وكيف نجح بالنجاة مما واجهه من محنة.
وفي تصريح لـ"زربينو" لوسائل الإعلام حول حديثه للاعبي المنتخب: "قلتُ للاعبين إنهم إذا ما أرادوا تحقيق نتائج خارقة للعادة، فما عليهم سوى أن يقوموا كذلك بأشياء خارقة للعادة، أولاً، يجب أن ترغبوا في تحقيق الهدف وتؤمنوا به، بعد ذلك، عليكم أن تقوموا بكل ما في استطاعتكم لتحقيق ذلك الهدف"، وأضاف "زربينو" قائلاً: "تمنيتُ للفريق الكثير من النجاح، كما أخبرتُ اللاعبين أن بلادهم فخورة بهم، فالشعب الأوروغوياني يؤمن بهم".
مات رفاقه ليعيش هو..
أما عن قصة نجاته الشهيرة التي حدثت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1972، أي قبل 46 عاماً، فقد كان "غوستافو زربينو" أحد طلبة الطب في ذلك الوقت، وكان مرافقاً لفريقه "أولد كريستيان Old Christians" لرياضة الـ"رغبي"، وحينها كان الفريق متجهاً إلى التشيلي على متن الطائرة التي أقلعت من مطار "مونتيفيديو" في الأراغويه، وفي الطريق وقعت الطائرة التي كانت تحمل 54 شخصاً فوق جبال الأنديز، حيث لقيَ 12 راكباً -بين مسافرين وطاقم الطائرة- حتفهم جرَّاء الاصطدام، وتوفي 5 أشخاص آخرين بعد ذلك بوقت قصير.
بعد أن مضى وقت على عمليات البحث عن الطائرة وركابها، افترضت السلطات حينها عدم التمكن من العثور عليها أو إيجاد أي من الناجين من هذه الحادث، وقامت بإيقاف عمليات البحث، وظلّ الأشخاص الذين تمكنوا من النجاة يقتاتون على مخزون الطعام الموجود في الطائرة، ولكن بعد نفاذه اضطروا إلى تناول لحوم جثث المسافرين الذين لقوا حتفهم للبقاء على قيد الحياة، وبعد شهرين تمكن 3 ناجين من السفر مسافة أميال عبر الثلوج والجليد بحثاً عن المساعدة، إلى أن تمكَّن 16 شخصاً فقط من أصل 54 شخصاً من النجاة في هذه الحادثة والخروج من المنطقة الجليدية، وكان من بينهم "غوستافو زربينو"، ومن الجدير بالذكر أنه تم تحويل هذه القصة إلى فيلم سينمائي في العام 1993 حمل اسم "ألايف Alive".
وقارن "غوستافو زربينو" قصة نجاته من جبال الأنديز -التي كان وصفها بالمعجزة-، بالآلام التي سيتحملها اللاعبون في كأس العالم، حيث قال: "قارنت اللحظات التي مرَّ بها المنتخب، عندما شارف فيها على الخروج من التأهيل، باللحظة التي كنا فيها في الجبال وتوقفت السلطات عن عملية البحث عنا، لقد كان أمامنا إما أن نعيش أو نموت، لكن الأمر الوحيد المؤكد هو أنه لم يكن أمامنا خيار سوى الاعتماد على أنفسنا".