أخيراً وبعد أكثر من 30 عاماً، تمكن المحققون الفرنسيون، من حلّ لغز جريمة كانت قد هزت البلاد حينها، وكان ضحيتها طفلة مغربية قدّر المحققون عمرها في ذلك الحين بين 3 إلى 5 أعوام فقط، إذ أخيراً وخلال الأيام القليلة الماضية، استطاعوا معرفة هويتها، بالإضافة إلى هوية القتلة الذين اقترفوا جريمتهم البشعة، والتي كانت هويتهم مفاجأة صادمة.
الجريمة قبل 31 عاماً..
بدأت تفاصيل هذه الجريمة، بعد أن تم العثور على جثة طفة صغيرة على جانب الطريق السريع "A10" بالقرب من مدينة "بلوا" وسط فرنسا، وكان ذلك في 11 آب / أغسطس من العام 1987، ولم يتمكن المحققون الفرنسيون وقتها من تحديد هويتها أو معرفة عائلة هذه الطفلة، لكنهم قدّروا أن عمرها يتراوح بين الـ 3 و الـ 5 أعوام فقط، وكان ظاهراً على جثة الطفلة، تعرضها للكثير من التعذيب والضرب والحرق على أيدي الفاعلين، ولكن ظلت هذه الجريمة لغزاً طوال أكثر من 3 عقود، دون التمكن من حلّ أي من خيوطه المتشابكة والمعقدة.
الإمساك بطرف الخيط..
وصرح المدعي العام الجمهوري بمدينة بلوا "فريديريك شوفاليي"، خلال ندوة صحفية أقامها مؤخراً، أن أول خيوط الكشف عن هذه الجريمة، كان بعد وقوع شجار بسيط بين عدد من الشبّان خلال العام 2016، كان قد استدعى حينها إجراء فحص للحمض النووي لأحدهم، والذي تبين أنه كان شقيق تلك الطفلة المجهولة التي قُتلت قبل 31 عاماً، والتي كانت الجهات المعنية قد احتفظت بحمضها النووي عقب تشريح جثتها، بالإضافة إلى الإحتفاظ بآثار الحمض النووي الذي وجده المحققون على ملابسها والغطاء الذي تم لفّ جثتها فيه.
بعد البحث والتحريات، تمكن المحققون من الوصول إلى البصمة الجينية لوالدي الطفلة المقتولة، واللذين كان من الغريب جداً عندما وقعت الجريمة، أنهما لم يقوما بإثارة أي ضجة أو البحث عن ابنتهما، أو حتى التمكن من معرفة هويتهما حينها، الأمر الذي خلق الكثير من الشكوك حولهما عند المحققين، حيث تم دفن الطفلة، التي عُرفت لدى المحققين ووسائل الإعلام الفرنسية في ذلك الوقت بـ"الشهيدة الصغيرة"، بعد أن كشف التشريح الطبي أنها كانت ترتدي ملابس للنوم باللونين الأبيض والزهري، وكانت أيضاً ملفوفة ببطانية وموضوعة داخل خندق، كما أظهر التشريح أنها قد تعرضت للتعذيب والعنف الشديد.
وفق ما أوردته مصادر الصحيفة الفرنسية "لو فيغارو"، مكَّنت عيِّنات من الحمض النووي التي تم أخذها من شقيق الطفلة التي كانت الكدَمات تغطي وجهها وأنحاء مختلفة من جسدها، بالإضافة إلى تلك التي تم الإحتفاظ بها خلال التشريح، والتي عثر عليها على البطانية والملابس التي وجدت بهما، مكَّنت المحققين الفرنسيين من تحديد هويتها والوصول إلى والديها، اللذين تم إلقاء القبض عليهما فوراً بتهمة "القتل والتخلص من جثة"، وأيضاً "العنف المتكرر الممارَس ضد طفل دون سن 15 سنة".
الكشف عن هوية الطفلة المغدورة..
وبعد كل هذا الجهد، والمصادفات التي ساعدت بالكشف عن خيوط هذه الجريمة خيطاً بعد الآخر، تم اكتشاف هوية الطفلة المقتولة، والتي كانت طفلة مغربية تدعى "إيناس تولوب"، كانت قد ولدت في 3 تموز/ يوليو من العام 1983 في مدينة "الدار البيضاء" في المغرب، قبل قدومها بعام واحد فقط من هجرة عائلتها إلى فرنسا، وكان ترتيبها الإبنة الثالثة بين أشقائها الـ 7، وتكبرها شقيقتان وُلدتا في العامين 1978 و1981، بالإضافة إلى 4 أشقاء ذكور آخرين وُلدوا ما بين 1984 و1991.
تقرير الطب الشرعي..
وكان تقرير الطب الشرعي، قد كشف بأن الطفلة المغربية "إيناس"، كانت قد تعرضت لتعذيب شديد، إذ أن جسدها كان يحمل آثار ضربات وكدمات متفرقة، بالإضافة إلى عدد من الحُروق التي تبين أن سببها أداة مصنوعة من الحديد، حيث يُرجَّح أنها لـ"مكواة"، وإلى عدة ندوب وجروح ناجمة عن عضَّات إنسان يحمل فكّاّ صغيراً، حيث رجّح المحققون فرضية أن تكون "عضات امرأة"، زيادة على كسور على مستوى الأضلاع، وختم التقرير الطبي أن: "الجسم في حالة لا تطاق، مجروح من الرأس إلى القدمين".
القبض على القاتل.. وهويته الصادمة
وبيّنت التحقيقات بأن هوية القاتل الصادمة كانت تعود لوالدي الطفلة "إيناس"، حيث تم القبض على والدها البالغ من العمر 66 عاماً، والذي ادعى بحسب المدعي العام "فريديريك شوفاليي"، أنه كان يعيش هو وأبناؤه حياة بائسة مع والدتهم العنيفة، وأنه في يوم من الأيام عاد من العمل، ليكتشف أن ابنته "إيناس" كانت قد فارقت الحياة في تاريخ 10 آب / أغسطس من العام 1987، حيث قام حينها بلف جثمانها ببطانية ووضعها إلى جانب طريق بعد قيادته للسيارة إلى المكان الذي عُثر فيه على الجثة، ثم تابع طريقه إلى المغرب لقضاء العطلة الصيفية.
أما عن ادعاءات والدة الطفلة "إيناس"، البالغة من العمر 64 عاماً، والتي كانت قد انفصلت عن زوجها خلال العام 2010 وتعيش حالياً في المغرب، فقد أشارت إلى أنها هي ضحية زوجها، حيث قالت أنها وعلى الرغم من أنها كانت عنيفة في التعامل مع ابنتها إيناس، إلا أنها ليست متورطة بمقتلها.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود ظلت خلالها هذه الجريمة غامضة إلى حد كبير، تم حلّها أخيراً، وتفكيك حيثياتها الغريبة والبشعة، والتي كانت إيناس ضحية لعنف والديها، وفي الغالب، إيناس الآن قد تكون ارتاحت في مكان رقدتها الأخيرة ببلدة "سويفر" الفرنسية، وتم أخيراً التعرف على هوية صاحبة شاهدة القبر الذي نُقش عليه ذات يوم "هنا يرقد الملاك".