هم ليسوا مجرد قصص أسطورية، أو شخصيات خيالية اخترعها صنّاع السينما، هم أناس حقيقيون، عاشوا مغامرات لا تخطر على بال أحد، كانت البحار طريقهم المُعَبّد الوحيد، وحياتهم نادرًا ما عرفت اليابسة، إنهم القراصنة، قطاع طرق البحار، الذين كانت أعمالهم تصل إلى كل العالم، حتى أصبح عدد منهم مشاهير يتناقل الناس قصص مغامراتهم، وفي هذا التحقيق، سنعرض عليكم عددًا من القراصنة الحقيقيين الذين صالوا وجالوا في بحار العالم ذات يوم.
آن بوني: القرصانة الشرسة
«آن بوني».. القرصانة الأيرلندية الأشهر في عالم البحار، بدأت حياتها زوجة لقرصان ضعيف يدعى «جايمس بوني»، ورغم أنها لم تكن سعيدة في زواجها، لكنها كانت تملك روحًا متمردة، وأفكارًا أخرى أكبر من حياتها مع جايمس، ما دفعها إلى أن تهجره وترحل مع قرصان شهير وقتها كان معروفًا باسم «كاليكو جاك».
حياتها الجديدة مع «كاليكو جاك»، كانت مغامرة عاصفة، حتى أنها كانت غريبة الأطوار أيضًا، حيث انضمت إليهما قرصانة ثالثة اسمها «ماري ريد»، وهي بالأساس كانت صديقة مقربة لـ«بوني»، وربطت ثلاثتهم علاقة قوية للغاية، جعلت لأسمائهم شهرة واسعة لما قاموا به من عمليات احتجاز وسرقة سفن وبضائع، وجرائم قتل، استمرت حتى تمكنت القوات الإنجليزية من اعتقالهم، إلا أن «بوني» استطاعت تفادي حكم الإعدام بادعائها بأنها كانت حاملاً، وقبعت في زنزانة انفرادية إلى آخر أيام حياتها.
إدوارد تيتش: «بلاك بيرد» المتوحش
القرصان «إدوارد تيتش»، الذي كان يلقب بـ«بلاك بيرد» أو«اللحية السوداء»، بدأ عمله في القرصنة من خلال خدمته للمملكة البريطانية، كقرصان تفوضه السلطات للسطو على السفن المعادية، لكنه وبعد فترة من الزمن، رفض الاعتراف بأي سلطة عليه، واتجه إلى أعمال القرصنة الخارجة عن القانون، وعلى وجه الخصوص، بعد انتهاء حرب الملكة «آن»، ولكن هذه ليست سبب شهرة «بلاك بيرد» الحقيقية في هذا العالم المُظلم.
عُرف عن «إدوارد بيتش»، أنه كان غايةً في الهمجية والعنف والوحشية الشديدة، فقد اشتهر بالقيام بإشعال فتائل نارية في لحيته لإخافة أعدائه، بالإضافة إلى تزيين صدره بعدد كبير من السكاكين والمسدسات، كما أنه كان يقتل بدم بارد، وظلت شهرته كذلك، حتى لفت انتباه حاكم ولاية فيرجينيا «أليكسندر سبوتسوود»، الذي تمكن من تحديد موقع هذا القرصان الشهير، ونصب له كمينًا بحريًا مُحكمًا استطاع الإيقاع به، ويذكر المؤرخون بأن الحاكم «سبوتسوود»، عذب «بيتش» لعدة أيام قبل أن يقوم بقطع رأسه وتعليقه على مقدمة سفينته.
كاليكو جاك: عصابة الثلاثة
اسمه الحقيقي هو «جون راكيم»، إلا أنه اشتهر بلقب «كاليكو جاك»، بسبب ارتدائه الدائم للبدلات المصنوعة من قماش الـ«كاليكو»، وكان مجرد ذكر اسمه في أي مكان، كفيلاً لبثّ الرعب في نفس جميع الجالسين فيه، وربما يكون «كاليكو جاك»، من بين الأشهر والأخطر بين القراصنة، إن لم يكن أخطرهم حقًا.
على الرغم من كل هذه الوحشية التي عرف بها «كاليكو»، إلا أن ذلك ليس هو السبب الوحيد الذي جعله شهيرًا إلى هذا الحد، بل ما جعله كذلك أمران مهمان، الأول أنه هو من قام بتصميم وصنع علم القراصنة المعروف «الجمجمة البشرية والعظمتان المتقاطعتان»، كما أنه هو الطرف الثالث بالعلاقة الغريبة التي جمعته مع القرصانتين «آن بوني» و«ماري ريد»، وتكوين عصابتهم الثلاثة، وكانت نهايته أن تم إعدامه شنقًا بعد التمكن من اعتقاله في العام 1720.
تشونغ بو تساي: من القرصنة إلى نفوذ حكومي
من ابن صياد بسيط وفقير، إلى أحد أغنى القراصنة وأكثرهم نفوذًا في آسيا، هذه هي قصة حياة القرصان الصيني «تشونغ بو تساي»، الذي اختطفه زوجان من القراصنة حينها، وقررا تبنيه وتربيته، وتعليمه أسرار البحر وغزوات القراصنة، وتحويله من مزارع بسيط إلى قرصان شرس.
بعد وفاة والده بالتبني القرصان «تشينغ الأول»، تزوج «تشونغ بو تساي» زوجة أبيه وأمه بالتبني، واستمر «بو تساي» يعتني بأعمال العائلة الإجرامية واللصوصية في عرض البحر، ناشرًا موجات من الرعب في كل مكان، وفي نهاية الأمر تمكن من الانضمام إلى حكومة سلالة «كينغ» الصينية، وأصبح مسؤولاً نافذًا فيها.
تشينغ تشي: التي تملك الكثير
كانت «تشينغ تشي» تعمل في بداية حياتها «بائعة هوى» على أحد القوارب المائية الصغيرة العائمة في منطقة «كانتون» في الصين خلال العام 1775، وظلت كذلك حتى التقت بالقرصان الثري «زانغ ييه»، الذي أعجب بها وطلب منها أن تكون إلى جانبه، ووافقت «تشي» على ذلك، وتزوجته ضمن شروط معينة تضمنت أن يكون لها نصيب من الغنائم، ومع مرور السنوات بدأت تتعلم منه ما يتطلبه هذا العمل الخطير.
بعد ستة أعوام من الزواج توفي «زانغ ييه»، وتمكنت «تشي» من كسر تقاليد الزواج والسلطة التي كان يتبعها القراصنة لعقود طويلة، والتي تُحتم على «تشي» أن تتنحى عن مكانها ونفوذها لصالح أحد أبنائها أو سلالتها، لكنها تحدت هذه القوانين، وأصرت على أن تتسلم هي بنفسها مقاليد القيادة على الأسطول الأكبر في عالم القراصنة وهو أسطول «الراية الحمراء»، الذي تُقدر عدد سفنه حينها بما يزيد على الـ80 ألف سفينة، لتصبح «تشينغ تشي» أول قرصانة قائدة في التاريخ، بالإضافة إلى كونها واحدةً من أقوى القراصنة على الإطلاق.
ماري ريد: الطرف الأخير من عصابة الثلاثة
«ماري ريد» هي الجزء الثالث والأخير من عقد عصابة الثلاثة التي تكونت من «آن بوني» و«كاليكو جاك»، وأكثر ما اشتهرت به «ريد» أنها كانت ترتدي دومًا ملابس الرجال، حتى أنها كانت قد نجحت في خداع المسؤولين في الجيش البريطاني، ونجحت بالانضمام إلى صفوف الجيش، من خلال تنكرها بملابس خاصة للرجال، وتحت اسم مستعار كان «مارك ريد».
بعد سنوات طويلة من المغامرات الخطيرة في عرض البحر، وقرصنة عشرات بل ومئات السفن، تم القبض أخيرًا على «ماري ريد»، إلى جانب كل من «آن بوني» و«كاليكو جاك»، وتمكنت «بوني» كما ذكرنا سابقًا من تفادي حكم الإعدام بعد أن ادعت أنها حامل، إلا أن «ريد» و«كاليكو» تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا فيهما بتهمة الخيانة العظمى والقرصنة.
أويلدا: الأميرة الهاربة
أخيرًا وليس آخرًا في عالم مشاهير البحار ولصوصه وقراصنته، هناك القصة التي ربما قد تكون الأغرب على الإطلاق بين كل قصص هؤلاء القراصنة، وهي قصة «أويلدا»، التي يظن الكثير من الناس بأنها مجرد أسطورة من صنع خيال الرواة، لكنها في حقيقة الأمر، شخصية واقعية، عاشت واحدة من أكثر القصص درامية في التاريخ.
بدأت قصة «أويلدا»، وهي ابنة أحد الملوك الإسكندنافيين، عندما أراد والدها تزويجها رغمًا عنها، وكونها لا تملك رفض طلب الملك وتغيير المصير المحتوم الذي رسمه لها والدها، قامت «أويلدا» بالهروب من القصر، لتصبح بعد فترة بشكل أو بآخر، واحدة من القراصنة الخطيرين وذوي السمعة السيئة في البحار، وظلت على حالها هذا لعدة أعوام.
بعد ذلك طلب والدها من ملك الدنمرك أن يعيد له ابنته «أويلدا»، واستجاب الأخير فعلاً، وأرسل سفينة حربية بقيادة ابنه الأمير وولي عهد الدنمرك لإعادتها، وبعد قتال ضارٍ بينهما انتصر الأمير، وقبلت «أويلدا» شروط الاستسلام التي فرضها عليها وعادت معه، وهنا حدث منعطف كبير في حياتها، إذ تزوجت من ولي العهد الدنمركي، لتصبح فيما بعد ملكة البلاد.