جدل وغضب كبيران، انتشرا بشكل واسع في جنوب أفريقيا، عقب عرض أحد المزادات العلنية في البلاد؛ إعلانًا يوفر إمكانية المبيت في «الزنزانة» الأكثر شهرة واحترامًا في جنوب أفريقيا بأكملها، وهي زنزانة الزعيم الأفريقي «نيلسون مانديلا»، الذي كان من أشد المحاربين للعنصرية، والمطالبين بحقوق ذوي البشرة السمراء، ويعود هذا الغضب من الإعلان، إلى ما تم اعتباره «تدنيس واتجار برموز البلاد»، بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة جدًا التي تم عرضها مقابل المبيت لليلة واحد في زنزانة «مانديلا»، التي لا يزيد حجمها عن أربعة أمتار مربعة فقط.
وأشارت صحيفة «فاينينشال تايمز Financial Times» البريطانية، السبت 7 تموز/يوليو الجاري 2018، إلى أن المزايدات على قضاء ليلةٍ واحد فقط في زنزانة «مانديلا»، بدأت بمبلغ 250 ألف دولار أمريكي، وكان القصد من وراء هذا المزاد العلني، قيام جمعية خيرية باستهداف مديري الشركات الكبرى في جنوب أفريقيا، إلا أن الخطوة التي وصفتها الصحيفة البريطانية بـ«الخطوة الفاشلة»، أثارت غضب الكثيرين في البلاد، من الذين اعتبروا الأمر «تدنيسًا لذكرى أكثر مواطني البلاد تبجيلاً وأهمية».
ومن الجدير بالذكر، أن هذه الزنزانة الضيقة التي أمضى فيها «نيلسون مانديلا» طوال 18 سنة خلال اعتقاله كسجين رأي سياسي، خلال فترة «دولة الفصل العنصري»، من تاريخ جنوب أفريقيا، لا تتجاوز مساحتها أربعة الأمتار مربعة، كما أنها لا تحتوي سوى على مصباح واحد فقط للإضاءة، كما أنها موجودة على جزيرة «روبن» بمدينة «كيب تاون»، عاصمة مقاطعة «كيب» الغربية، الواقعة في الجنوب الغربي للبلاد.
وعقب الغضب الذي سببه هذا الحدث في البلاد، والذي أطلق عليه اسم «المبيت حيث كان إرث نيلسون مانديلا – نسخة جزيرة روبن»، وترويجهم للإعلان الذي جاء حينها تحت اسم «فرصة تأتي مرة في العمر»، قدم المنظمون اعتذارًا للمواطنين الذين اعتبروه اتجارًا بأحد أهم رموز البلاد، وبرروا ما قاموا به على أن الحدث كان قد جاء تخليدًا لمرور 100 عام على ميلاد الزعيم الأفريقي الأكثر شهرة، والذي وافته المنية خلال العام 2013.
والجهة المنظمة لهذا الحدث، والذي تم تأجيله إلى أجل غير مسمى بسبب ردود فعل المواطنين المناهضة له، هي مبادرة خيرية تحمل اسم «مبيت»، وهي – بحسب تصريحات مسئوليها - تنظم مناسباتٍ ينام فيها مديرون تنفيذيون لشركاتٍ كبرى في جنوب أفريقيا، في ظروفٍ صعبة لليلة شتوية واحدة، مقابل مبالغ مالية تدعم أعمال خيرية، وتدعي المبادرة أنها تمكنت من خلال فعالياتها، أن تجمع 38 مليون راند، أي ما يقارب 2.1 مليون دولار أمريكي، منذ عام 2015 لصالح جمعياتٍ تُعنَى بالمشرَّدين.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الضجَّة التي سبَّبها الحدث، أثارت جدلاً حول قضية انعدام المراعاة من جانب الشركات لتاريخ الصراع في مواجهة حُكم الأقلية بيضاء البشرة في البلاد، وكيف تتذكَّر جنوب أفريقيا أبطالها الآن في دولة ما بعد الفصل العنصري، بعد مرور 28 عامًا على إطلاق سراح مانديلا.
ومن الجدير بالذكر، أن الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا ومن معه من رفاق، كانوا يقاتلون لأجل الحرية وحقوق السود في البلاد، كانوا قد تحملوا خلال فترة سجنهم الكثير من المشاق والمعاملة المذلة، لكنهم تمكنوا من الانتصار بعد ذلك؛ لتعيش البلاد تحولاً تاريخيًا في قضايا الحريات والحقوق، وفي الوقت الحاضر، تحول هذا السجن إلى متحف يعرض تاريخ جنوب أفريقيا، ومعظم المرشدين السياحيين العاملين فيه، هم عبارة عن سجناء سابقين عاشوا فترة اعتقالهم في زنازينه.
وتابع المسئولون في مبادرة «المبيت»، التي نظمت هذا الحدث، إنَّه قد كان من المقرَّر للمال المتبرَّع به في المزاد العلني، أن يتم منحه لصالح جمعيةٍ خيرية تعنَى بإعادة دمج السجناء في المجتمع، وأضافوا، أن ممثّلي جزيرة «روبن»، وافقوا على إقامة المزاد في اجتماعٍ عُقِد معهم بوقت سابق خلال العالم الجاري 2018، وكذلك وافقوا على استخدام المتبرِّعين الأثرياء لزنازين أخرى بالإضافة إلى ساحة السجن مُشدَّدة الحراسة؛ حيث كان مانديلا وغيره من السجناء السياسيين يدقُّون الحجارة هناك، ومن جهته قال المتحدث باسم جزيرة «روبن»: «إنَّ المزاد العلني مستحيل الحدوث، إنَّ تراثنا ليس وسيلةَ ترغيبٍ لناسٍ، لا همَّ لهم سوى مصالحهم المادية الخاصة».