على الرغم من أننا لا نعرف عنهن تفاصيل كثيرة؛ إلا أن لديهن جمهوراً كبيراً يحضر حفلاتهن ويبحث عن أغنياتهن. هؤلاء هن فتيات فرق الـ Underground؛ حيث لم يعد هذا اللون الغنائي مقتصراً على الرجال فقط، فأصبح هناك فتيات يكوّنّ فرقاً غنائية مستقلة؛ ليعبرن من خلالها عن حقوقهن في الفن والغناء. وعلى الرغم من مواجهتهن للكثير من المشاكل والانتقادات والسخرية؛ إلا أنهن يصررن على السير في طريقهن ليتمردن على قيود المجتمع.
«سيدتي» التقت بعض هؤلاء الفتيات لنتعرف إلى حكايتهن مع الـ underground.
فرقة «تابو»
في البداية أرادت رانيا العدوي، تغيير نظرة المجتمع للفتاة من خلال أغنياتها، فقامت بتأسيس فرقة «تابو»، وتقول: هدفي من الغناء تحطيم «التابوهات» التي وضعها المجتمع وقرر حصارنا بها، وأنا أحب الغناء منذ صغري، وتخرجت في «الكونسرفتوار»، وعشقت الموسيقى، ولكني توقفت عن الغناء لفترة لانشغالي بالزواج وتربية أبنائي، ثم عدت للغناء مرة أخرى، وأردت تقديم أغانٍ تتحدث بلسان الفتاة وتعبر عن مشكلاتها ورؤيتها للمجتمع، ولذلك أسست فرقة «تابو» في 2015، وذلك لمناقشة جميع «التابوهات» أو المحظورات، وكانت الانطلاقة بأغنية «متبصليش من بره بس»، كما قدمت العديد من الأغاني التي تهدف إلى تغيير نظرة المجتمع للفتاة، مثل «جسد للفرح» و«ليلة حمرا»، كما أنني لم أجد من يغني لفئات نسائية عديدة مثل الفتاة التي تتعرض للتحرش أو المطلقات أو الغارمات، وهذا ما أهتم به في الفرقة، ومن ضمن كلمات الأغاني التي أقدمها «من قلب الاستبداد جاية آخد حقي، وأرفض قانون الظلم للراجل الشرقي»، وهناك كلمات أخرى تقول: «أنا هملا الكون بصوتي، مش هرضى بكونه موتي، مش عايزة أشوف بعينكم، هشوف بس بعيوني، فكيت منكم قيودي وعرفت خلاص حدودي، ولقيت طريق خلاصي، وهعيش عقلي وجنوني».
وتضيف قائلة: وجدت صعوبة في ضم فتيات للفرقة؛ حيث إن الأسر ترفض أن تصبح بناتهن عازفات في فرق أندرجراوند، ولذلك اضطررت للاستعانة بعازفين من الرجال من أجل إكمال الفريق، وتعرضت للعديد من الانتقادات، وخصوصاً من الرجال على الأغاني التي أقدمها، ولكن هذا طبيعي، وفي الوقت نفسه أجد أن الشباب أكثر جمهورنا، بالرغم من أني استهدف الفتيات في المقام الأول، وهذا شيء يسعدني ويجعلني أشعر بالنجاح من خلال الوصول إلى كل الفئات.
بنت المصاروة
أما إسراء صالح، عضو بفرقة «بنت المصاروة» فأرادت تقديم أغانٍ تعبر عن تجارب حياتية لفئات مهمشة في مصر، فأسست الفرقة مع أخريات، وتقول: قمت بتأسيس هذه الفرقة مع زميلاتي مارينا سمير وميام محمود، هذه الفرقة تأسست في 2014، وكانت نتاجاً لورشة كتابة للفتيات نظمتها مؤسسة «نظرة للدراسات النسوية»، ونتج عنها ألبوم يحمل اسم الفرقة بالتعاون مع أستوديو «بدروم» بالإسكندرية، من وحي قصصنا وتجاربنا، وكنا نريد المساهمة في حراك ثقافي يدعم التقبل المجتمعي للتفرد والاختيار الحر، والاهتمام بالفئات الأكثر فقراً وتهميشاً في مناطق عديدة بمصر، ونعمل من خلال الفرقة على توثيق التجارب الحياتية وطرحها في شكل فني كنوع من أنواع المقاومة للثقافة السائدة، التي تعيد إنتاج صور نمطية لتلك المجتمعات والفئات وترسخ للذكورية والأبوية وغيرها من منظومات القهر، وقدمنا العديد من الأغاني التي تعبر عن ذلك مثل «قولوا لأبوها» و«حريتي»، وغيرها من الأغاني التي تحمل كلماتها رفضاً أنثوياً لسيطرة الرجل على المرأة.
وتقول زميلتها ميام محمود: نحن في العشرينيات من عمرنا، ومن طبقات اجتماعية وثقافية متباينة، ووجدنا صعوبة في إقناع أسرنا بتجربتنا في الفريق، وبعضنا وجد رفضاً قاطعاً من الأسرة؛ لخوفهم علينا من التعرض لأي مضايقات، ولكننا استطعنا إقناعهم بأننا سنستطيع أن نصمد أمام كل ذلك، وبالرغم من بعض الانتقادات إلا أني أرى أن الاستقبال وردود الفعل كانت جيدة ومشجعة لاستمرارنا، ولكننا نعلم أن الجمهور حتى الآن هو من المهتمين والمهتمات بقضايا النساء والنوع الاجتماعي، لذلك نأمل في المستقبل الوصول لشرائح أوسع من الناس ممن يختلفون فكرياً عنا، وقدمنا ألبوماً يناقش تجارب شخصية ولكنها تمثل كل فتاة مصرية، والحمد لله حقق ردود فعل جيدةً.
مشروع هيب هوب
استطاعت المطربة داليا عمر، أن تجد لنفسها مكاناً في فرق الأندرجراوند، وحققت انتشاراً كبيراً بموسيقى الهيب هوب، وتقول: اشتركت في فريق «مشروع هيب هوب»، والفكرة بدأت منذ عامين، وكان الهدف تأسيس فريق خاص بفن البيت بوكس، ولكنه تطور بضمه لفناني الراب، وكانوا يحتاجون لمغنية تضيف صوتها المختلف لفريق العمل، وقدمت، ووقع الاختيار عليّ، وكانت مفاجأة بالنسبة لي، وبدأت حكايتي مع الغناء، وكانت أول أغنية اسمها «الضحكة عملة نادرة»، وفيها جرعة تفاؤل كبيرة، وسعادة، وحققت نجاحاً كبيراً مع الجمهور، مما أعطاني دفعة كبيرة للاستمرار في المشروع، والصعوبات التي نواجهها هي أننا نصرف على أنفسنا في تكاليف البروفات وتأجير المعدات وتنظيم الحفلات، فكل شيء تمويل ذاتي، وهذه مشكلة فرق الأندرجراوند بشكل عام، ولكننا مستمرون، وأنا أعشق هذا الفن، وأقدم دائماً أغانيَ تعطي دفعات من الأمل في الحياة، ونحاول أن نلخص الجانب المشرق لحياتنا في كلمات سهلة وبسيطة، وعميقة في معانيها.
عازفة الأكورديون
يسرا الهواري، عازفة أكورديون، ومؤلفة موسيقى، وكاتبة أغانٍ ومغنية، بدأت حياتها الموسيقية بالعزف فقط على آلة الأكورديون، وهي تغني عن كل شيء، وأغانيها التي كتبت بعضها بنفسها، تحكي قصصاً مختلفة، وفي بعضها تسخر من الأوضاع الاجتماعية، وقد ساعدها حضورها على المسرح وموسيقاها التي تستلهمها من أنواع مختلفة من الموسيقى على جذب انتباه الجمهور بسرعة، وبعدها قامت بتأسيس فرقة موسيقية، وبمشاركة أفراد الفرقة، قاموا بترتيب الأغاني وتطوير الموسيقى، وقد شاركت الفرقة في العديد من الحفلات الموسيقية والمهرجانات في مصر وخارجها، وطرحت ألبومها الأول وهو بعنوان «نقوم ناسيين»، وقد طرحته بطريقة التمويل الاجتماعي، أو بمساهمة الجمهور، والتي تؤكد أنها فكرة منتشرة خارج مصر، وقررت خوض المغامرة، وأطلقت حملة عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي اسمها «أنت المنتج»، فبدلاً من الاعتماد على منتج كبير أكدت أنها اعتمدت على كل شخص يستطيع أن يساهم ولو بمبلغ قليل.
وتغني يسرا وتعبر عن الأوضاع الاجتماعية السلبية، وتقول: بالطبع لا يوجد مجتمع خالٍ من المشكلات ولا الهموم، ولكنني أشعر بالإحباط وأتضايق من كثرة المشاهدات والسلوكيات المنبوذة في المجتمع، ومنها أننا أناس نحمل الكثير من ازدواجية المظاهر، والاعتناء بالقشور لمجرد تصديقنا للعناوين، من دون التفكر في ما وراء المشكلة ومسببات الموقف، وآثاره السلبية علينا في المستقبل، وتستوقفني عادات غريبة في المجتمع، وتصرفات لم يعد لها معنى ولا فائدة ويستمر الكثيرون في الالتزام بها، وأمام هذا لا أجد نفسي إلا وأنا أصيغ الصور والمعاني والكلمات بشكل تلقائي يعبر عن الفكرة، وأغنيها بكل إحساس وطاقة.