أعترف لست من عشاق اليسا ولا من المتابعين لأعمالها الغنائية ومسيرتها الفنية، ولكن فور مشاهدتي لأغنيتها المصورة الجديدة" الى كل اللي بيحبوني "واعترافها بإصابتها بمرض سرطان الثدي لامست الأغنية – الاعتراف أعماق أحاسيسي وتسللت إلى الأمكنة التي نقفلها عادة في متاهات انشغالاتنا اليومية . لست بوارد إبداء الرأي في الأغنية بحد ذاتها بل بجرأة اليسا في مشاركتها الجمهور والناس عامة مشكلة شخصية حساسة هي بالنسبة إلى نساء كثيرات من المحرمات التي لا تخرج إلى العلن، فكيف بالحري أن تشكل عنوان وموضوع أغنية مصورة يشاهدها ويسمعها الملايين ؟ هي قمة الجرأة وربما الشفافية في مشاطرة الناس الأوجاع والآلام النفسية والجسدية التي قد تشعر بها كل امرأة مصابة بهذا المرض . هذه الأغنية أحدثت صدمة لدى الناس لما حملته من اعتراف واضح وصريح بإصابة اليسا بالمرض ومعاناتها ورغبتها في الاستمرار بحياتها العادية بين الحفلات وتصوير البرامج وكأنها مصابة بمجرد حالة برد و ليس بمرض السرطان .
تكشف اليسا في هذا الكليب قصة مرضها وتتوجه من خلاله إلى كل محبيها في رسالة إنسانية وعاطفية تقربنا من عالم النجمة البعيد المنال وتنزلها من أبراج الشهرة والنجومية لتقترب أكثر وأكثر من صور وسيَر نساء يعشن في فلكنا ، يصبن بالمرض ، يتألمن ، يعانين بصمت ، وقد يكنّ شجاعات ولكن من دون أن نعرفهن حق معرفة . اليسا في اعترافها هذا تقترب من منزلة هؤلاء النساء، لا بل تقف معهن وقفة مؤازرة وتضامن ودعم في رسالة واضحة قد نخرج في إثرها بعبرة وهي أن هموم ومشاكل الحياة لا تفرق بين مشهور ومغمور وأن النجوم الذين نراهم من حولنا يملأون الدنيا غناء وإبداعًا ونخال أنهم في قمة السعادة والنجاح هم معرضون لانتكاسات صحية ونفسية، وأنهم ليسوا محصنين ضد مصائب الدهر ولا ضربات القدر .
لقد خطت اليسا خطوة في منتهى الذكاء حين ربطت عنوان ألبومها الجديد وأغنيتها المصورة باعتراف خطيروجريء من هذا النوع ، وبذا تكون قد ضربت عصفورين بحجر ، لتضمن أوسع انتشار وتداول لعملها الجديد بأغنية مؤثرة وجميلة أجادت فيها اليسا اللعب بصدق على أحاسيس المشاهدين والمستمعين الذين أبدوا على الفور تضامنهم وتعاطفهم الشديد معها بعد سردها قصة مرضها وسماع صوتها مختنقًا وباكيًا للحظات أثناء اعترافها المفاجىء،وأيضًا من خلال دعمها لكل المصابات بالمرض في رسالة أمل ملهمة.
منذ اللحظات الأولى لإصدار الكليب تحولت اليسا ومرضها إلى حديث الناس ووسائل التواصل الاجتماعي وضجت المواقع بالخبر الصادم. صحيح أنه ليس غريبًا أن يصاب أحد الفنانين بالمرض، وقد يصرح بذلك إلى وسيلة إعلامية أو يقوم مصدر مقرب بتسريب الخبر كما درجت عليه العادة في عالمنا العربي، وقد يعمد إلى إخفاء الأمر تمامًا كي لا يتأثر عمله بالمرض وتتراجع بالتالي أسهمه .ولكن، لم يحدث أن اعترفت فنانة أو نجمة بمرضها في عمل غنائي جديد وصدمت جمهورها بهذا الشكل دون أي تمهيد أو إشاعة أو إشارات عابرة.
اعتراف اليسا يحمل في طياته أبعادًا إضافية ورسالة يمكن توجيهها اليوم إلى معظم النجوم والنجمات في عالمنا العربي : انزلوا من أبراجكم العاجية ،أسقطوا الأقنعة ، اقتربوا من الناس بشفافية وصدق بعيدًا من التواضع الكاذب ... لأنه عندما تسقطون أو تتألمون أو تعانون لن تجدوا أكفًّا تصفق لكم ولا آذانًا تصغي إليكم ، فقط الصادقون والشفافون الذين يعيشون مع الناس ويدركون أن الشهرة والنجومية مجد باطل وزائف يستحقون نِعَم الحياة .... والبقاء.