ينفرد المسلمون في أعيادهم عن غيرهم من الديانات الأخرى، ببدء عيدهم سواء أكان عيد الفطر أو عيد الأضحى بصلاة العيد وخطبتها، حيث يصلي المسلمون بداية صلاة العيد ومن ثم تأتي بعدها خطبة قصيرة شبيهة بخطبة الجمعة تعرف باسم خطبة العيد، ولقد اخترنا لكم هذه الصيغة الجميلة لخطبة عيد الأضحى المبارك.
" الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ عِيدَاً فَرْدِيَّاً، يَفْرَحُ بِهِ فَرْدٌ دُونَ فَرْدٍ، بَلْ هُوَ عِيدُ الأُمَّةِ، بَلْ هُوَ فَرَحُ الأُمَّةِ بِأَكْمَلِهَا، العِيدُ فَرَحٌ للجَمِيعِ، يَبْدَأُ بِأَحَقِّ النَّاسِ وَهُمَا الوَالِدَانِ، ثُمَّ بِالرَّحِمِ، ثُمَّ بِالأَصْحَابِ وَالأَصْدِقَاءِ، ثُمَّ بِالأُمَّةِ كُلِّهَا.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا صَدَقَةُ الفِطْرِ في عِيدِ الفِطْرِ، وَالأُضْحِيَةُ في عِيدِ الأَضْحَى، وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ أَدْرَكَ الفُطَنَاءُ وَالعُقَلَاءُ أَنَّ سَدَّ حَاجَاتِ النَّاسِ، وَدَفْعَ الفَاقَاتِ عَنْهُمْ قَرِينُ كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، فَالعِيدُ الحَقِيقِيُّ فَرْحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَمَوَدَّةٌ وَتَوَاصُلٌ.
العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَأْتِي مُتَوِّجَاً لِشَعَائِرَ عَظِيمَةٍ جَلِيلَةٍ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَأْتِي بَعْدَ طَاعَةِ الصِّيَامِ، وَيَأْتِي بَعْدَ أَدَاءِ الرُّكْنِ العَظِيمِ رُكْنِ الحَجِّ، يَأْتِي بَعْدَ طَاعَاتٍ تُغَذِّي الرُّوحَ وَالجَسَدَ، العِيدُ فَرَحٌ بِفَضْلِ اللهِ -تعالى-، وَتَوْفِيقٌ لِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
يَا عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ نَفْرَحُ بِالعِيدِ، وَنَسْتَعِدُّ لَهُ مِنْ لِبَاسٍ وَطَعَامٍ وَشَرَابٍ وَضِيَافَةٍ، لِنُضِفْ إلى ذَلِكَ اسْتِعْدَادَاً لِأَعْمَالٍ نُشْكَرُ عَلَيْهَا عِنْدَ رَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-، وَتَزِيدُ صَحَائِفَنَا يَوْمَ القِيَامَة نُورَاً وَحَسَنَاتٍ.
لِنُضِفْ لاسْتِعْدَادِنَا للعِيدِ اسْتِعْدَادَ تَفرِيجِ كُرْبَةٍ عَنْ مَكْرُوبٍ، وَتَنْفِيسِ هَمٍّ عَنْ مَهْمُومٍ، وَإِدْخَالِ الـسُّرُورِ إلى قُلُوبٍ امْتَلَأَتْ هَمَّاً وَغَمَّاً وَحُزْنَاً وَكَرْبَاً، بِشَيْءٍ مِنَ المَالِ، وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَابْتِسَامَةٍ حَانِيَةٍ، وَدَعْوَةٍ صَادِقَةٍ.
تَذَكَّرُوا -يَا عِبَادَ اللهِ- وَأَنْتُمْ تُقْبِلُونَ عَلَى آبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ، وَتَأْنَسُونَ بِأَزْوَاجِكُمْ، وَأَبْنَائِكُمْ، وَإِخْوَانِكُمْ، وَأَصْدِقَائِكُمْ، وَتَجْتَمِعُونَ عَلَى مَوَائِدِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، تَذَكَّرُوا اليَتَامَى الذينَ لَا يَجِدُونَ حَنَانَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، تَذَكَّرُوا الأَيَامَى الذينَ لَا يَجِدُونَ ابْتِسَامَةَ الأَزْوَاجِ، تَذَكَّرُوا الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ الذينَ فَقَدُوا أَبْنَاءَهُمْ، تَذَكَّرُوا الكَوَارِثَ التي حَلَّتْ بِالأُمَّةِ مِنْ إِجْرامِ المُجْرِمِينَ، وَعَبَثِ العَابِثِينَ، وَطُغْيَانِ الطَّاغِينَ، وَظُلْمِ الظَّالِمِينَ، تَذَكَّرُوا هَؤُلَاءِ وَوَاسُوهُمْ، تَذَكّرُوا مَنْ فَقَدَ طَعْمَ الرَّاحَةِ وَالاسْتِقْرَارِ، وَاكْتَوَى بِالنَّارِ.
يَا عِبَادَ اللهِ: اسْتَحْضِرُوا أَنَّكُمْ عِنْدَمَا تَسُدُّونَ حَوَائِجَ المُحْتَاجِينَ أَنَّكُمْ تَسُدُّونَ حَوَائِجَكُمْ، وَاسْـتَحْضِرُوا قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) [الإسراء:7]، وَقَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرَاً وَأَعْظَمَ أَجْرَاً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل:20]، وَقَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً) [آل عمران:30]، وَقَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:272]، وَقَوْلَهُ -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِنَفْسِهِ) [فصلت:46].
تَذَكَّرُوا -يَا عِبَادَ اللهِ- وَأَنْتُمْ تَمْسَحُونَ دُمُوعَ اليَتَامَى وَالأَيَامَى قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَـسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
يَا عِبَادَ اللهِ: العِيدُ الحَقِيقِيُّ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الدِّينِ، وَشَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِهِ المُعَظَّمَةِ التي تَنْطَوِي عَلَى حِكَمٍ عَظِيمَةٍ، وَمَعَانٍ جَلِيلَةٍ، وَأَسْرَارٍ بَدِيعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا وَاللهِ لَا شَرْقٌ وَلَا غَرْبٌ.
فَأَعْطُوا الصُّورَةَ الحَسَنَةَ عَنْ إِسْلَامِكُمْ في أَيَّامِ عِيدِكُمْ، فَأَيَّامُ العِيدِ أَيَّامُ شُكْرٍ للهِ -تعالى- عَلَى نِعَمِهِ، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا العِيدَ عِيدَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا عَامَّةً يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
المزيد:
في عيد الأضحى.. كيف تشجعين طفلك على الذهاب لصلاة العيد
تاريخ عيد الأضحى وسبب تسميته!