يبدو أن البيانات الإلكترونية، هي «مرض العصر الحديث»، أو ربما لن يكون وصفاً مُبالغاً فيه إن قلنا إنها «مؤامرة هذا العصر»، فحياتنا الجديدة، التي تشغل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي - وعلى وجه التحديد شبكة الـ«إنترنت» - حيزاً كبيراً للغاية منها، أصبحت مكشوفة للجميع، وتفاصيلها اليومية – حتى أصغرها - باتت هدفاً يُربح المال الكثير لكُبرى الشركات التكنولوجية وشركات البيانات، فلم يعد الأمر «تواصلاً اجتماعياً» أو قاعدة بيانات ومعلومات نحتاجها، وتحول إلى أن يكون «عملية تجسس» ربما هي الأكبر في التاريخ.
ويوماً بعد يوم، تخرج فضيحة جديدة لسرقة البيانات الشخصية لمستخدمي هذه المواقع الإلكترونية، فبعد ما حدث مع موقع «فيسبوك» ومؤسسه «مارك زوكيربيرغ» مؤخراً، فيما يخص تسريب معلومات وبيانات شخصية لعشرات الملايين من الأشخاص خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في العام 2016، تظهر الآن فضيحة جديدة، بطلها محرك البحث الأشهر على الشبكة العنكبوتية الـ«إنترنت»، وهو محرك البحث «جوجل»، الذي يواجه اتهامات بانتهاك خصوصية المُستخدمين و«التجسس» عليهم، فما هي قصة انتهاك «جوجل» لخصوصية المستخدمين.
هواتفنا المحمولة.. عيون للتجسس
وحظيت هذه القضية الجديدة باهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية الشهيرة، التي تتبعتها ونشرت الكثير من الأمور بشأنها، ومنها وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، التي كشفت من خلال تحقيق صحفي قامت به، أن شركة «جوجل» العملاقة، تُصرّ على تتبع حركات مستخدميها و«التجسس» عليهم، حتى على مستوى التنقلات الصغيرة منها، بغض النظر عن رفض هؤلاء المستخدمين لهذا التعقب، واستخدامهم لبرامج «حماية الخصوصية».
وكشف التحقيق الذي أجرته الـ«أسوشيتد برس»، الذي أعده عدد من الباحثين في مجال علوم الكمبيوتر للوكالة الأمريكية، أن العديد من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها «جوجل» للأجهزة المحمولة، سواء كانت تعمل بنظام تشغيل الـ«أندرويد»، أو نظام تشغيل الـ«آي أوه أس ios»، الذي يُشغّل أجهزة شركة «أبل»، تقوم بتخزين البيانات التي تختص بمكان وتنقلات المستخدمين، حتى وإن استخدموا إعدادات حماية الخصوصية بهدف منع عملية التعقب هذه.
«جوجل ماب» يراقبنا
وبحسب التحقيق نفسه، أكد الباحثون لـ«أسوشيتد برس» أن شركة «جوجل» تتمكن من معرفة أماكن تواجد وتنقلات المُستخدمين، من خلال عدد من التطبيقات والخدمات المختلفة، وأهمها على الإطلاق تطبيق «جوجل مابس» للخرائط، فهو يحتفظ بسجل يضم جميع الأماكن والمواقع التي يزورها الشخص خلال اليوم، وعلى جهة أخرى، تُساعد تحديثات تطبيقات الطقس اليومية التلقائية على هواتف الـ«أندرويد» على تحديد مكان التواجد بشكل تقريبي إلى حد كبير، وأضاف الباحثون أنه وعلى الرغم من أن «جوجل» تسأل مستخدميها دائماً إذا كانوا يريدون معرفة مواقع تحركاتهم، إلا أن الشركة لا تكترث كثيراً بجواب مستخدميها، الذين تعطيهم حرية اختيار مُزيفة بالإجابة بـ«نعم» أو «لا» على السؤال السابق.
«جوجل» ترد على هذه الاتهامات
بعد أن وصل التحقيق الذي أجرته وكالة «أسوشيتد برس»، إلى شركة «جوجل»، ردت الشركة العملاقة في مجال الإنترنت على الوكالة الأمريكية، وقال المتحدث الرسمي باسم الشركة أنه: «نحن نعتمد على عدد من الوسائل المختلفة لتحسين تجربة مستخدمينا، من بين هذه الوسائل، سجل المواقع وأنشطة اليوم، ونقدم عناصر تحكم قوية حتى يستطيع الأشخاص تشغيل هذه الوسائل أو إيقافها، الأمور واضحة وليست بهذا التعقيد».
وتابعت الشركة في ردها أنه: «من أجل إيقاف حفظ (جوجل) لأماكن تواجد المستخدم، يمكنه أن يغلق إعداداً آخر، لا علاقة له تحديداً بمعلومات المواقع، وهذا الإعداد هو (نشاط الويب والتطبيق web and app activity)، والذي يكون مُفعّلاً بشكل افتراضي، ويقوم بدوره بتخزين عدد من المعلومات المتنوعة من المواقع الإلكترونية وتطبيقات جوجل الأخرى في حساب المُستخدم الخاص».
مُفاجأة تُفجرها صحيفة الـ«جارديان»
بالرغم من ردّ شركة «جوجل» على هذه الاتهامات التي وُجهت لها بشأن «التجسس» على مستخدميها وتعقب تحركاتهم، عقب التحقيق الذي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، إلا أن صحيفة الـ«جارديان» البريطانية، قامت بتفجير مفاجأة مُدوية بهذا الشأن، وذلك حين نشرت مؤخراً تقريراً جاء فيه، أنه عندما نقوم بإيقاف إعداد «نشاط الويب والتطبيق»، سيمنع ذلك حفظ أي نشاط على الجهاز أو تخزينه على حساب المُستخدم الشخصي، لكن ترك الإعداد مفتوحاً بينما القيام بإغلاق خاصية تسجيل الموقع، فإن ذلك يمنع «جوجل» من إضافة تحركاتك اليومية للخط الزمني فحسب، إلا أن ذلك لن يوقف عملاق التكنولوجيا هذا عن جمع معلومات أخرى لمواقعك وأماكن تواجدك.
الأمر ليس جديداً على «جوجل»
وعلى الرغم من أن هذه الفضيحة الجديدة التي تلاحق شركة «جوجل» بما يخص التجسس على مستخدميها، ظهرت مؤخراً فقط، إلا أن عملاق التكنولوجيا والبيانات الأكبر والأقوى في هذا المجال، له سوابق قديمة في هذا المجال وفي انتهاك خصوصية المُستخدمين، حيث كانت وكالة «حماية البيانات» الهولندية، قد حذرت في منتصف شهر كانون الأول / ديسمبر من العام 2014، شركة «جوجل» من انتهاك خصوصية المُستخدمين في هولندا، وهددت الوكالة بأنها ستفرض غرامة تقدر بـ 15 مليون يورو على الشركة إن لم تتوقف عن ذلك، بالإضافة إلى ذلك، أمهلتها حتى شهر شباط / فبراير من العام 2015 حتى تغير أسلوب تعاملها مع البيانات التي تجمعها من الأفراد المستخدمين لشبكة الإنترنت في البلاد.