نهر النيل... ليس مجرد نهر عادي، أو مجرى مائي يعبر أكثر من دولة، فهو تعدى حالته كتكوين جغرافي، ليصل إلى أن يكون تاريخاً وثقافة، وأن يصنع حضارةً لها اسمها في تاريخ الحضارات الإنسانية، فمنذ فجر الخليقة، كان نهر النيل، عصب الحياة في القارة الإفريقية، خاصة لعدد من الدول المهمة في القارة السمراء، مثل مصر والسودان، بالإضافة إلى كل من «بوروندي، رواندا، أوغندا، تنزانيا، كينيا، جنوب السودان، جمهورية الكونغو الديمقراطية»، وأخيراً «إثيوبيا»، فكان النيل هو المكون الأساسي للحياة بكل هذه الدول، إن كان للبشر وحضارتهم، أو للحيوانات البرية وحياتها.
ولكن على الرغم من الشهرة الواسعة لنهر النيل، إلا أننا قد لا نعرف كل شيء عنه، وفي هذا التحقيق سنعرض عدة حقائق لم تكن تعرفها عن نهر النيل، أولها أنه النهر الأطول في العالم كله، لكنها بكل تأكيد ليست المعلومة الوحيدة ولا الأخيرة.
أطول نهر في العالم
على الرغم من أن هذه المعلومة قد يعرفها مُعظم الأشخاص، إلا أنهم حتمّاً قد لا يعرفونها بالتفاصيل، إذ أنه يُغطي ما نسبته «10%» من مساحة اليابسة في القارة الإفريقية كاملة، ويبلغ طول نهر النيل قرابة الـ 6650 كيلومتراً، أي ما يعادل بالأميال 4132 ميلاً، وهي المسافة ذاتها تقريباً التي نحتاجها للسفر عبر الطائرة من جزيرة «تاهيتي» الفرنسية إلى مدينة «سان فرانسيسكو» بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن مساحة حوض نهر النيل الإجمالية، تصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين كيلومتراً مربعاً، ويأتي نهر «الأمازون» في قارة أميركا الجنوبية، بالمرتبة الثانية من حيث أكثر الأنهار طولاً في العالم.
أصل التسمية لنهر النيل..
جاءت تسمية «النيل» للنهر الأطول في العالم، من مُصطلح يوناني قديم منذ آلاف السنوات، وهو «نيلوس Neilos»، والذي يعني باليونانية القديمة «الوادي»، وكان الأوروبيون قديماً، يسمونه بـ«إيجبتوس Aigyptos»، نسبة إلى مصر - Egypt بالإنجليزية-، و«إيجبتوس Aigyptos» هو الاسم الذي كانوا يطلقونه على حضارة «مصر القديمة».
ليس فقط مصر.. يمرّ بعدة دول أخرى
ارتبط نهر النيل منذ القِدم بدولة مصر، وقليلاً ربما السودان، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون بكل تأكيد، بأن نهر النيل يمرُّ بـ 10 دول مختلفة، فإلى جانب مروره بمصر والسودان، يمر أيضاً بـ«جنوب السودان وبوروندي ورواندا، بالإضافة إلى كل من أوغندا، تنزانيا، كينيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية»، وأخيراً دولة «إثيوبيا»، حيث يُشكل بكل دولة يعبر منها، مُكوناً رئيسياً للاقتصاد والزراعة والثقافة هناك أيضاً.
هكذا يحصل نهر النيل على مياهه..
المصدر الرئيسي لنهر النيل هو «بحيرة فيكتوريا»، التي تقع على الحدود بين «أوغندا وتنزانيا وكينيا»، وإلى جانب تلك البحيرة، هناك أربعة مصادر مختلفة، يحصل نهر النيل على مياهه منها، تبدأ بما يُسمى «النيل الأزرق»، حيث تزود مياهه نهر النيل بنسبة تصل إلى 59%، ثم نهر «السوباط»، الذي يزود النيل بنسبة 14%، ونهر «عطبرة» بنسبة 13%، وأخيراً بحر «الجبل» الذي يزوده بما نسبته 14% من المياه، وتختلف هذه النسب بكل تأكيد من نهر إلى آخر في حالات الفيضان لكل منها.
موطن لـ 160 مليون إنسان..
كما ذكرنا سابقاً، أن نهر النيل يغطي ما يقارب 10% من مساحة اليابسة في القارة الإفريقية السمراء، فهو – وبحسب تقرير لمنظمة الأنهار الدولية - يعد موطناً لقرابة الـ160 مليون إنسان يعيشون على ضفافه في البلدان العشرة التي يمر منها، إذ أن أهميته تعود إلى عمق التاريخ لتصل حتى حضارة مصر القديمة، إذ أنه السبب الأساسي لازدهار الزراعة الخصبة على ضفتيه منذ تلك الحقبة، إلى جانب دوره الكبير في بناء أهرامات الجيزة.
السفر عبر نهر النيل.. الأمر الأقرب إلى المستحيل
ومن الحقائق عن نهر النيل والتي تعتبر غاية في الغرابة، بأنه وبحسب تقرير منظمة الأنهار الدولية، فإنه منذ اكتشاف نهر النيل لأول مرة في التاريخ، لم يستطع أي أحد على الإطلاق، بأن يسافر عبره بشكل كامل، أي أن يقطعه من منبعه إلى نهايته طولاً، وذلك جراء ما يحتويه نهر النيل من منحدرات صعبة، وشلالات قوية، وغابات، ووديان، وصحاري، ومرتفعات رملية ضخمة، وبالإضافة إلى الحيوانات البرية المُفترسة مثل أفراس النهر، والتماسيح وغيرها من الحيوانات التي تعيش فيه، وظل الأمر على حاله، ولم يستطع أي مغامر أو مُستكشف القيام بذلك حتى العام 2004، عندما تمكن اثنان من المُستكشفين من النجاح في ذلك عبر رحلة استغرقت قرابة الـ 4 أشهر.
نهر النيل في التاريخ..
ساعد نهر نيل على ظهور العديد من الحضارات الإنسانية القديمة، إذ أن الحياة على ضفتيه، تُعتبر عنصراً رئيسياً في قيام أي حضارة قديمة، وذلك أن الزراعة تعتبر الأساس في ازدهار الأمم والحضارات، وبالإضافة إلى دوره البارز في مساعدة المصريين على بناء أهرامات الجيزة التي تعد من عجائب الدُنيا، فقد تم العثور على «حجر رشيد» في مدينة دلتا النيل خلال العام 1787.
و«حجر رشيد» هو نصب تاريخي من حجر الـ«جرانودايوريت»، نُقش عليه مرسوم صدر في مدينة «ممفيس»، خلال العام 196 قبل الميلاد نيابة عن الملك «بطليموس الخامس»، و«ممفيس» هي إحدى المدن المصرية القديمة، والتي تأسست خلال العام 3200 قبل الميلاد على يد «نارمر» وهو أحد ملوك الفراعنة. ويُظهر المرسوم المنقوش على «حجر رشيد» ثلاثة نصوص مكتوبة بلغات قديمة مختلفة، وكان قد ساعد علماء الأنثروبولوجيا كثيراً على فك رموز اللغة الـ«هيروغليفية» المصرية.