الإنسانية، ومشاهدها المنتشرة هنا وهناك، في هذه المدينة أو تلك، هي وحدها – حتى ولو كانت قليلة – ما تعطينا القدرة على الاحتمال والصبر واستيعاب هذا العالم المليء بالحروب حتى آخره، هذا العالم الذي ينتشر فيه الفقر والظلم والدماء في كل زاوية منه، وحدها هذه المواقف الإنسانية التي تصدر صادقة من أصحابها، تعطينا تلك القوة والإيمان بأن الخير لا بدّ سينتصر ذات يوم، وربما ما فعلته الشرطية الأرجنتينية «سيليستي أيالا»، ستجعلنا نشعر أكثر بقوة الخير، ونقترب خطوة أخرى، صوب إنسانيتنا التي تضيع في خِضمّ كل هذه الحروب.
«أيالا» الأمّ والشرطية الإنسانة..
بدأت هذه الحكاية، عندما كانت الشرطية الأرجنتينية «سيليستي أيالا»، متواجدة برفقة أحد زملائها من رجال الشرطة، في مستشفى يُدعى «سور ماريا لودوفيكا»، الذي يقع بإحدى المناطق القريبة من العاصمة الأرجنتينية «بوينس آيرس»، خلال الأيام القليلة الماضية، وحينها وجدت «أيالا» طفلاً رضيعاً أبكاه الجوع والعوز، فما كان منها، إلا أن تحركت غريزة وعاطفة الأمومة لديها على الفور، وبعد أن أخذت الإذن من الممرضات المتواجدات في المُستشفى، حملت هذا الرضيع الجائع واحتضنته، ثم بدأت بإرضاعه حتى هدأ وكفّ عن البكاء.
في تلك الأثناء، شاهد «ماركوس هريديا» زميل «أيالا» ما حدث، وأثر موقف زميلته الإنساني فيه إلى حدٍّ كبير، ومباشرة أخرج هاتفه الجوّال، والتقط عدة صور لزميلته الشرطية، وهي تقوم بإرضاع الطفل الصغير، الذي لم تكن تعرفه من قبل، ولا تعرف عنه أي تفاصيل، ولم يكن يهمها هذا إطلاقاً، ثم رفع الصور على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وعلق كاتباً عليها ومخاطباً زميلته «أيالا»: «أريد أن أكشف عن خطوة الحب العظيمة التي كانت لديك اليوم اتجاه هذا الطفل، فمن دون أن تكوني على معرفة فيه من قبل، ومن دون اهتمامك بأي تفاصيل أخرى تتعلق به، تعاملت معه كأنك أمّه الحقيقية، نحن لا نرى مثل هذه الأشياء كل يوم».
رواد التواصل الاجتماعي يتفاعلون من قصة «أيالا»..
ما هي إلا لحظات قليلة فقط، حتى انتشرت الصور وتعليق زميل الشرطية «أيالا»، كانتشار النار في الهشيم، وعلى نطاق واسع، شاهد مئات الآلاف من الأشخاص، صور الشرطية الأرجنتينية «سيليستي أيالا»، وهي تقوم بإرضاع الطفل، وعرف الجميع قصتها وموقفها الإنساني في المستشفى، وما كان من نشطاء ورواد منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن أغدقوا الثناء والمديح على ما فعلته «أيالا»، معبرين عن إعجابهم الشديد بموقفها الإنساني هذا، الذي يعكس حقيقتها الطيبة.
«أيالا».. أمّ لطفلة بعمر الـ 16 شهراً..
بعد الانتشار الكبير لقصة «أيالا»، تناقلت وسائل الإعلام المحلية في الأرجنتين، قصتها على نطاق واسع، وفي تصريح للشرطية الأرجنتينية، أدلت به لوسائل الإعلام، كشفت أن هذا الطفل التي قامت بإرضاعه في المستشفى، كان قد فُصل هو وإخوته عن والديهما منذ فترة من الزمن، وهم يعيشون بحالة فقر مُعدمة، تسببت لهم بسوء تغذية شديد.
وتابع «أيالا»، أنها عندما شاهدت الطفل الرضيع وهو يبكي بشدة في المستشفى، أدركت على الفور أنه جائع، ولم تتردد إطلاقاً ولو قليلاً عن القيام بما فعلته، فطلبت الإذن لحظتها من الممرضات، وحضنته وبدأت بإرضاعه، حتى شبع وبدأ يهدأ ويتوقف عن البكاء، وأضافت الشرطية الأرجنتينية، أنها أمّ لطفلة تبلغ من العمر 16 شهراً فقط، وهو الأمر الذي جعلها تتخذ قراراها هذا بإرضاع الطفل دون تردد، فلا يوجد أي أم تستطيع احتمال بكاء طفل جائع.
عندما علمت السلطات المحلية في «بيونس آيريس» بقصة «أيالا»، وما فعلته مع الطفل الرضيع، استدعتها بشكل رسمي، وكرمتها على هذا الموقف الإنساني الذي قامت به، كما أن السلطات، عملت على ترقية «أيالا» في وظيفتها مؤخراً.