انتهت منذ أيام في مدينة «الجونة» الساحلية في مصر، الدورة الثانية من مهرجان «الجونة» السينمائي الدولي، والذي جرت فعالياته في الفترة من 20 وحتى 28 سبتمبر الماضي.
وقد حصدت دول عربية عدة جوائز هامة في المهرجان، من بينها تونس، التي فازت بجائزة «نجمة الجونة البرونزية» عن فيلم «بطيخ الشيخ» للمخرجة كوثر بن هنيَّة، وسوريا، التي حازت على جائزة «نجمة الجونة الفضية للأفلام الوثائقية» عن فيلم «آباء وأبناء» للمخرج طلال ديركي، بالإضافة إلى حصول كل من لبنان ومصر على جوائز.
حضور دولي وعربي لافت، قابله غياب خليجي تام عن مسابقات المهرجان، ما دفع «سيدتي» للبحث عن أسبابه، علّنا نخرج بإجابات ورؤى تنير الدرب للأفلام الخليجية في قادم المواعيد.
حاولنا استقطاب الأفلام الخليجية للمهرجان ولكن!
في البداية، توجهت «سيدتي» بالسؤال إلى مدير مهرجان «الجونة»، الفنان العراقي إنتشال التميمي الذي أجاب، قائلاً: «قبل كل شيء، أود أن أؤكد أن مهرجان «الجونة» يتشرف بوجود أفلام خليجية ضمن مسابقاته لهذا العام، ولكن برنامج المهرجان لا ينظر للأفلام على مستوى جغرافي، لأن سياسة المهرجان ليست انتقائية، ولا تتعامل بمبدأ أنه «يجب أن يكون هناك من كل بستان زهرة»، والدليل أنه ليس هناك أفلام من دول ليبيا أو السودان أو الأردن أو المغرب على سبيل المثال، وإنما ننظر إلى الأفلام وتنافسها بشكل يعتمد على قيمتها الفنية، وعلى جودة لغتها السينمائية، بخاصة أن برنامج المهرجان هو برنامج دولي، وليس برنامجاً عربياً فقط مثل مهرجان دبي أو مثل مهرجان أبو ظبي والذي يضمّ مسابقة للأفلام الخليجية فقط».
وأضاف: «وبالرغم من ذلك كله، فقد حاولنا أن نستقطب مجموعة من الأفلام من المنطقة، وأعلنّا عن فتح باب التقديم للمهرجان على مدار ثلاثة أشهر. وبالفعل تقدم عدد لا بأس به من الأفلام الخليجية للمهرجان، بل إن بعضها قد وصل إلى مرحلة التصفية شبه النهائية، لكن في النهاية لم يحالف أي منها الحظ، وربما ذلك يعود إلى قوة المنافسة مع الأفلام الأخرى التي تم قبولها إلى جانب واقع أن برنامجنا ليس بالبرنامج الواسع. على سبيل المثال، اخترنا في مسابقة الأفلام القصيرة سبعة أفلام عربية فقط، جميعها كانت تُقدم في عرضها العالمي الأول، وقد كان طموحنا أن يزيد هذا العدد على ذلك، لكننا كنا ملزمين بأن لا يفوق عدد الأفلام العربية الموجودة في كل مسابقة، ثلث العدد الإجمالي للأفلام حتى لا يفقد المهرجان صبغته الدولية».
وأوضح التميمي أنه التقى شخصياً الرئيس التنفيذي لمجلس الأفلام السعودي، فيصل بن عبد العزيز بالطيور، أثناء وجودهما في «مهرجان كان السينمائي» لهذا العام، وقد استعرضا الأفكار حول وجود شكل من أشكال التعاون في استقبال باقة من الأفلام السعودية خارج المسابقة على غرار ما حدث في «مهرجان كان»، انطلاقاً من الإحساس بالواجب تجاه التحول الفني والفكري الكبيرين اللّذين تشهدهما المملكة، واللّذين سينعكسان ليس فقط على واقع السينما السعودية فحسب، بل على واقع الحياة السعودية والعربية ككل.
السينما الخليجية بخير
على جانب آخر، تحدثت الكاتبة والمخرجة السعودية هناء العمير لـ«سيدتي»، قائلة إنها لا ترى مطلقاً أن سبب غياب الأفلام الخليجية عن المهرجان عائد إلى ضعف في المستوى الفني، بل على العكس فإن هناك أفلاماً خليجية بشكل عام، وسعودية بشكل خاص قد وصلت هذا العام إلى مهرجانات كبرى في دول مثل الهند وفرنسا وغيرها، وإنما السبب قد يعود في المقام الأول ـ حسب رأيها ـ إلى عدم وصول إعلان المهرجان عن فتح باب التقديم إليه بشكل واضح إلى قطاع واسع من صناع السينما في الخليج، وربما يرجع السبب في ذلك لعدم وجود منصات إلكترونية عربية يستطيع منها منتجو ومخرجو الأفلام الخليجية معرفة الشروط اللازمة، إلى جانب موعد فتح وغلق باب التقديم لكل المهرجانات العربية على مدار العام، أسوة بالمنصات الإلكترونية الموجودة للمهرجانات العالمية، والتي تشهد مشاركة لافتة للأفلام الخليجية فيها، خصوصاً في مجال الأفلام القصيرة. وأضافت قائلة إن مهرجان «الجونة»، وبالرغم من حداثة عمره، فقد فرض نفسه على الساحة السينمائية بشكل سريع، لكنه ـ في رأيها ـ ما زال يعاني من عدم وصوله إلى نطاق عريض من صناع السينما في الخليج، بعكس «مهرجان القاهرة السينمائي» مثلاً، والذي يرسل منذ فترة طويلة دعوات عبر «البريد الإلكتروني» للفنانين الراغبين في المشاركة سواء في الورش أو الدورات أو المسابقات التي ينظمها». واعتبرت المخرجة الحاصلة على جائزة «النخلة الذهبية» عن فيلمها «شكوى» من «مهرجان السينما السعودية» الثاني عام 2015، أنه «مع توقف مهرجان دبي السينمائي، وما سيخلفه ذلك من فراغ كبير سينعكس سلباً على صناع السينما العرب بشكل عام، نحن في حاجة إلى مهرجانات كمهرجان «الجونة»، وغيرها تحافظ على حالة الحراك الفني الموجودة في وطننا العربي، وتشجع أصحاب التجارب الشابة في الخليج تحديداً على تقديم أفضل ما لديهم لمناطحة الأفلام العالمية التي يتم استقطابها في مهرجانات كهذه».
توقعات لمشاركة خليجية أكبر
من جانبه، صرح المخرج أمير رمسيس المدير الفني لمهرجان «الجونة» لـ«سيدتي» أنه «مع فتح باب التقديم للمهرجان، كان هناك مجموعة من البيانات الصحفية الخاصة به في العديد من الصحف العربية، والدليل على ذلك هو وصول عدد لا بأس به من طلبات التقديم لأفلام خليجية، سواء في فئة الأفلام الروائية الطويلة أو القصيرة، ولكن لجنة البرمجة في المهرجان لا تنظر للأمور من منطق الكوتة الجغرافية بخلاف بعض المهرجانات الأخرى التي قد تنتهج فكرة الانتقاء الجغرافي عند اختيار أفلامها».
وأردف رمسيس: «كنا نتمنى كـلجنة برمجة في المهرجان، وجود العديد من الأفلام العربية عامة، والخليجية خاصة، في مختلف مسابقات المهرجان، ولكن وجود أفلام أقوى فنياً ـ من وجهة نظر اللجنة ـ هو ما حال بالطبع دون ذلك»، مضيفاً أنه ربما يكون للأمر علاقة بمستوى الإنتاج السينمائي الخليجي لهذا العام ككل، ولكنه في الوقت ذاته توقع أن تشهد الأعوام المقبلة مشاركة أكبر للأفلام الخليجية في المهرجان، في ظل ما أسماه بـ«الثورة الفنية» التي تحدث في المملكة العربية السعودية، والتي سينعكس أثرها في صناعة السينما في الخليج ككل.
لم نرَ مبادرة حقيقية من المهرجان
تحدثنا أيضاً إلى الفنان العماني قاسم السليمي الأمين العام لـ«الجمعية العمانية للسينما» ومدير العلاقات العامة في «مهرجان مسقط السينمائي الدولي» وهو من تنظيم الجمعية، فقال: «تُعتبر الجمعية العمانية للسينما الأولى في الخليج العربي وما زالت، وأنهى مهرجان مسقط السينمائي الدولي، الذي يُعقد كل سنتين، دورته العاشرة هذا العام. وتشارك الجمعية في العديد من المهرجانات الدولية، سواء كان ذلك عن طريق الحضور كضيوف شرف أو من خلال المشاركة في لجان التحكيم المختلفة أو عن طريق إرسال عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة للمشاركة في المهرجانات». وأضاف قائلاً: «لم يكن هناك تواصل حقيقي، ولم توجه دعوة من جانب مهرجان «الجونة»، إلى الجمعية العمانية للسينما بغية مشاركة أفلام عمانية في مسابقاته المختلفة».
وبسؤاله حول ما إذا كان يرى أن هناك أفلاماً عمانية من إنتاج العام كانت تستحق المشاركة في المهرجان، أكد السليمي: «بالطبع، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، فيلم من نوعية الـدوكيو دراما ـ وثائقي روائي يحمل اسم أرض التراب، قامت الجمعية بالتعاون مع مهرجان الصحراء في زاغورا في المملكة المغربية بإنتاجه وتصويره ما بين المغرب وسلطنة عمان عام 2018، وكتجربة جديدة بين البلدين، وقد كان في الإمكان عرضه في مهرجان «الجونة» كعرض أول. كما هناك العديد من الأفلام الروائية القصيرة من إنتاج مخرجين عمانيين شاركت في عدد من المهرجانات المختلفة ولاقت استحسان النقاد». ورداً على سؤال حول آلية اختيار الأفلام المشاركة في «مهرجان مسقط»، أوضح: «نحن كإدارة مهرجان نقوم بإنشاء موقع إلكتروني خاص بالمهرجان، وذلك لاستقبال الأفلام الراغبة في المشاركة من جميع دول العالم، وبالإضافة إلى ذلك، نتواصل مع بقية مهرجانات وجمعيات السينما لإرسال الأفلام المختلفة، ودعوة رؤساء ومدراء المهرجانات لحضور فعاليات المهرجان».
أفلامنا وصلت للعالمية
الممثل والمنتج والمخرج السعودي إبراهيم الحساوي من جانبه علّق على الموضوع، قائلاً: «بالنسبة لنا كصنّاع سينما في المملكة ـ وعلى حسب علمي ـ لم تصلنا طلبات للمشاركة في المهرجان، علماً أنه من حق إدارة المهرجان أن تضع شروطها الخاصة بها وبمهرجانها بكل تأكيد، ولكن هناك أفلاماً سعودية حققت جوائز في مهرجانات كبرى كمهرجان دبي السينمائي، وشاركنا في أفلامنا في باريس ولوس أنجلوس وفي روسيا، وكذلك في أكثر من محفل ومهرجان عالميَّيْن».
وذكر أمثلة لأفلام سعودية حققت نجاحات كبيرة ـ في رأيه ـ ومنها: فيلم «أيقظني» للمخرجة ريم البيات وفيلم «فضيلة أن تكون لا أحد» للمخرج بدر الحمود وفيلم «لسان» للمخرج محمد السلمان، وغيرها.
المسؤولية مشتركة
من جهته، رأى الكاتب والممثل البحريني خالد الرويعي أن السبب قد يعود إلى الغياب الحقيقي لمفهوم المنتج في شتى أنواع الأفلام السينمائية الخليجية، وهي ظاهرة ثقافية تُعنَى بالدرجة الأولى بأهمية الوعي تجاه ضرورة مشاركة الأفلام الخليجية في مثل هذه المهرجانات. وأضاف قائلاً: «للأسف، إن معظم الأفلام يغلب عليها طابع الإنتاج الشخصي، وهذا يحيلنا إلى النسبة المتفاوتة في الإنتاج بين الأفلام القصيرة، وبين الأفلام الروائية الطويلة، والتي هي بالمناسبة نادرة خليجياً، ما إذا نظرنا إلى الأفلام التي تنبع من وعي سينمائي أكثر منه تجاري، فالتجاري لا يعنيه المهرجان بقدر ما يعنيه شباك التذاكر. أما الأفلام الجادة، فهي بطبيعة الحال تفتقد للآلة الإعلامية وتنقصها الإنتاجية كي يكون صوتها مسموعاً في مختلف المهرجانات». وتابع: «أعلم أن مهرجان «الجونة» بطبيعة الحال لا يحاكي النزعة المناطقية، وإن غلبت عليه بعض الملاحظات في نوعية الأفلام المقدمة، لكن ذلك بطبيعة الحال، لا يعفي المسؤولية المشتركة للمخرجين والمنتجين في الخليج، على حد السواء».
خلاصة: وجهات النظر تباينت بقدر ما اتفقت، لكنها كلها صبت في اتجاه واحد، وهو ضرورة إيجاد حوار فعال بين القائمين على المهرجانات من جهة، وبين صنّاع السينما العرب من جهة أخرى، بخاصة في ظل أفول نجم «مهرجان دبي السينمائي» الذي توقف فجأة، تاركاً وراءه إرثاً، ربما لن يقوى صناع السينما في وطننا العربي على حمله، إلا إذا قرروا جميعاً أن يتكاتفوا وأن ينظروا جميعاً منذ هذه اللحظة نحو هدف واحد، هو عودة «الفن العربي» إلى الريادة وإلى المكانة التي يستحقها وطننا العربي الكبير.
تابعوا الأفلام الفائزة وكواليس مهرجان «الجونة» على موقع «سيدتي نت» www.sayidaty.net