أثارت المحاكمة التي افتُتحت هذا الأسبوع في مدينة "تول"، بمقاطعة "كوريز" الفرنسية، ضجة وصدمة كبيرة في أوساط الرأي العام ووسائل الإعلام في فرنسا، والمتعلقة بأم قامت بإخفاء ابنتها الوليدة طوال عامين في العلبة الخلفية لسيارتها، في ظروف مزرية تفتقد لأبسط قواعد النظافة ومقومات الكرامة الإنسانية.
إنكار الحمل
هذه الأم، واسمها روزا ماريا دا كروز، مصابة بمرض نفسي يطلق عليه الأطباء اسم "متلازمة إنكار الحمل"، حيث لا تنتبه النساء المصابات به لكونهن حوامل سوى حين تداهمهن أعراض المخاض، قبل ساعات قليلة من موعد الإنجاب. الشيء الذي يتسبب لهن في ربكة محرجة، نظراً لكون محيطهن العائلي الأقرب كان يجهل، مثلهن، أنهن حوامل طوال الأشهر السابقة للإنجاب. وبالتالي يحجمن عن إخبار أقرب الناس إليهن، بمن في ذلك أزواجهن، بأنهن أنجبن!
هذه المتلازمة تصيب ما بين 800 و2000 امرأة سنوياً في فرنسا، حيث لا تنتبه هؤلاء النساء لكونهم حوامل، بسبب انعاكسات هذا المرض النفسي التي تؤدي لاختفاء كل أعراض الحمل لديهن، حيث لا ينقطع عنهن الحيض خلال أشهر الحمل، كما أنهن لا يشعر بأعراض الغثيان المعتادة، والأغرب من ذلك أن بطونهن لا تنتفخ طوال فترة الحمل. وفي غالبية الحالات، تكتشف هؤلاء النساء أنهن حوامل قبل نهاية الشهر الثالث من الحمل، خلال مراجعتهن للأطباء، لإجراء فحوص روتينية لا علاقة لها بأعراض الحمل.
لكن هناك نحو 10 بالمائة من الحالات القصوى التي يستمر فيها "إنكار الحمل" حتى اللحظة الاخيرة، حيث لا تكتشف المصابات بهذه الحالات أنهن حوامل سوى في الساعات الاخيرة مع بداية آلام المخاض. هنا تجد الأمهات مشكلة نفسية كبيرة في استيعاب ما يحدث لهن، ولا يتجرأن على مكاشفة أزواجهن بالأمر. وعادة ما تكون النهاية مأساوية، حيث تلجأ هؤلاء الأمهات، تحت وقع الصدمة، إلى الإنجاب في بيوتهن بشكل سري، من دون أي يعرف أزواجهن وأقرب الناس إليهن بذلك، ثم تقدم غالبيتهن على قتل المولود والتخلص من جثته.
سبق للرأي العام الفرنسي أن صُدم بقضية شهيرة من هذا النوع، وهي القضية التي اشتهرت باسم "قضية الرضع المجمّدين". وقد أدينت الأم المتورطة في هذه القضية، وهي فيرونيك كورجو، بالسجن ثمان سنوات، في يونيو 2009، بسبب قيامها بقتل ثلاث مواليد أنجبتهم أعوام 1999 و2002 و2003، وإخفاء جثثهم في ثلاجة تجميد الأغذية في بيتها، إلى أن اكتُشف ذلك من قبل زوجها بالصدفة عام 2006.
رُهاب نفسي
لكن حالة روزا ماريا دا كروز، التي تجري محاكمتها حالياً، تختلف عن غالبية الحالات الأخرى. فبالرغم من أنها تندرج في خانة الحالات القصوى للنساء المصابات بمتلازمة "إنكار الحمل"، إلا أن عاطفة الأمومة لديها تغلبت على الرُهاب النفسي، ولم تقدر روزا ماريا على قتل ابنتها، التي أسمتها "سيرينا"، لكنها لم تجرؤ على كشف الأمر لزوجها ولأبنائها الثلاثة الآخرين، بل قامت بإخفاء ابنتها طوال عامين كاملين في العلبة الخلفية لسيارتها، حيث كانت تطعمها وتعتني بها خفية عن الجميع. ومع مرور الأشهر تفاقمت المشاكل الصحية لسيرينا، بسبب افتقاد علبة السيارة لأبسط مقومات النظافة، لكن والدتها لم تجرؤ على إخبار عائلتها وزوجها. إلى أن افتضح الأمر بالأصدقاء، حين تم اكتشاف "سيرينا" من قبل عمال إحدى كاراجات تصليح السيارات، حيث كانت روزا ماريا تحاول إصلاح سيارتها من عطب أصابها. وقام هؤلاء العمال بإخراج البنت، لأول مرة منذ ولادتها، من العلب الخلفية للسيارة، وسارعوا بإبلاغ رجال الشرطة الذين ألقوا بالقبض على الأم، وأودعوا ابنتها لدى مصالح رعاية الطفولة.