يزخر الأدب الروسي بالعديد من الكتّاب والأدباء الذين أثروا المكتبة الروائية والشعرية بمؤلفات استحقت أن تترجم لأكثر من لغة، وتجسد كأعمال فنية.
وتعد رواية "آنا كارنينا" من أشهر الأعمال الأدبية الروسية، والتي أعيدت طباعتها مئات المرات، وكيف لا تكون كذلك ومؤلفها هو "الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي"، والذي يعتبر من عمالقة الروائيين الروس؛ إضافةً لكونه مصلحًا اجتماعيًا، وداعية سلام، ومفكرًا أخلاقيًا، كما يعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق.
ورغم كثرة مؤلفات "تولستوي"، إلا أنّ روايتي (الحرب والسلام) و(آنا كارنينا)، تعدان من أشهر أعماله، وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي؛ حيث إنهما تعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.
الرواية في سطور:
"آنا كارنينا" هي أثر أدبي عالمي وإنساني خالد، يفتتحها "تولستوي" بالجملة المشهورة: "كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة".
استغرقت كتابة الرواية من مؤلفها، نحو خمس سنوات، بدأها في ربيع 1873م، وأتمها في أكتوبر 1877م، والطريف أنّ أصل القصة كان لفتاة حقيقية لجار حقيقي للمؤلف، وكانت زوجة "تولستوي" قد روت ظروف تأليفها، والملابسات التي أوحت ببعض مواقفها، والحادث الذي أوحى "لتولستوي" بفكرة نهايتها؛ حيث ذكرت أنّ جارهم ذا الخمسين عامًا، لم يكن على قدر من الثراء أو التعليم، توفيت زوجته فاستدعى قريبة له غير متزوجة لترعى شؤون منزله، وتشرف على تربية ابنه، ولم يلبث أن اتخذها خليلة له. وذات يوم أحضر فتاة ألمانية حسناء لتكون معلمة لابنه وابنة أخته؛ فلم يلبث إلا أن أحبها، وعرض عليها الزواج، ولما اقترب موعد زواجهما خرجت خليلته وكان اسمها "آنا ستيبانوفنا" من المنزل بحجة زيارة أمها في بلدة "تولا"؛ فتوجهت إلى محطة سكة حديد "ياسنكي"، وهناك ألقت بنفسها تحت عجلات القطار، ولقد أتيح لـ"تولستوي" أن يراها عقب الحادث برأسها المهشم، وجسدها المبتور في مشرحة "ياسنكي"؛ فهزه الحادث هزة عنيفة؛ إذ كان يعرف "آنا ستيبانوفنا" من قبل، ورغم أنها لم تكن بارعة الجمال، إلا أنها كانت على قدر كبير من الجاذبية.
ملخص الرواية:
تحدثت الرواية عن السيدة الجميلة "آنا"، إحدى سيدات المجتمع في سان بطرسبرج، المتزوجة من الوزير "أليكسي كارنين"، الذي يكبرها بأعوام كثيرة تقارب العشرين عامًا، ولها منه ولد واحد، إلا أنّ عدم رغبتها في المال والوجاهة الاجتماعية، تجعلها لا توفق بهذا الزواج ولا تستمر فيه.
تلتقي "آنا" في إحدى المرات بالضابط "فرونسكي"؛ لتنشأ بينهما علاقة حب، وتستمر في علاقتها به رغم ما لزوجها من قوة وعلاقات تمكنه من الانتقام منها إن عرف بعلاقتها اغير الشرعية، لكن ما حدث كان غير ذلك؛ حيث وصل إلى الزوج خبر تلك العلاقة، وصرح لزوجته بأنه لن يقف أمامها؛ شريطة ألا يعلم بها مجتمع النبلاء ويظل الأمر سرًا؛ لأنّ من شأن هذا أن يؤثر في علاقاته ووضعه الاجتماعي ومستقبله في تولي المناصب والدرجات.
إلا أنه وكعادة العلاقات من هذا النوع التي طالما تنكشف للمجتمع بطريقة أو بأخرى، أصبحت "آنا" حديث المجالس المخملية، وأضر بسمعتها ضررًا شديدًا؛ مما جعلها تهجر ابنها وزوجها، وتتجه مع حبيبها إلى منطقة أخرى وتعيش معه وتنجب منه طفلة.
وعلى غير المتوقع، تتغير دفة تلك العلاقة بعد دخول "آنا" في حالة اكتئاب بسبب ما آل إليه وضعها وافتقادها لابنها؛ فتتحول للفتور والجفاء؛ ليتعرف حبيبها فيما بعد على فتاة أخرى يحبها وتنشأ بينهما علاقة، وتعرف بها "آنا" فتزداد حالتها سوءًا؛ مما يدفعها للانتحار من خلال رمي نفسها تحت عجلات أحد القطارات.
وفي الحقيقة، لم يكن هناك أحد ليفهم مدى حزن "آنا"؛ حيث كانت قابعة في زاوية تحاول انتشال نفسها منها؛ لتكون في مكانٍ ما، تحيا الحياة التي تستحقها، لكنها عجزت عن ذلك؛ لذا فانتحارها لم يكن فجأة؛ بل كان نتيجة تراكمات غرقت بها، في الوقت الذي لم يكن هناك من يستوعبها ويُخفف عنها، "آنا" في لحظة وجدت نفسها قد خسرت تلك المرأة الجميلة القوية، والسيدة المرموقة، فقدت بيتها، حياتها، مالها، ابنها، ومكانتها الاجتماعية؛ فكيف ستظل واقفة ومتماسكة دون وجود أحد إلى جانبها!
إذن فهي ضحية نفسها، ظروفها، جمالها الفاتن، زوجها، حبيبها، صدقها، ميول انتحارية أصيلة في نفسها؛ لذا فالقطار ليس هو المدان فقط في حادثة قتل "آنا".
13 فيلمًا يجسد رواية "آنا كارنينا"
بلغ عدد الأفلام التي جسدت رواية "آنا كارنينا" 13 فيلمًا، أول هذه الأفلام كان من إنتاج ألمانيا عام 1910، وفي 1915 أنتجت أمريكا فيلمها؛ لتتبعها إيطاليا عام 1917؛ لتعود ألمانيا إلى الساحة مرة أخرى عام 1919؛ فالمجر في سنة 1920؛ فأمريكا مرة ثانية في 1927؛ فثالثة في 1935، ثم أنتجت بريطانيا فيلمًا ثامنًا في عام 1948، وفي عام 1952 أنتجت الهند فيلمًا تاسعًا، ثم تلاها الاتحاد السوفيتي بفيلم عاشر في عام 1953، ثم الأرجنتين عام 1956، وفي عام 1961 أخرجت مصر قصة الرواية بفيلم حمل اسم "نهر الحب"، وأخيرًا أنتج الاتحاد السوفيتي الفيلم الثالث عشر عام 1967. ورغم كل هذه الأفلام، أبت "آنا كارنينا" أن تهجر دور السينما لتكتب لها الحياة مرة أخرى بفيلم درامي أُصدر في المملكة المتحدة سنة 2012 للمخرج "جو رايت" ليحمل الرقم 14.