مرت سنة ولا زالت أحزان الوسط الفني باقية على "صوت مصر" المطربة شادية، التي وافتها المنيّة في مثل هذا اليوم 28 نوفمبر من العام الماضي، لتسدل الستار على رحلة فنية حافلة، امتدت لأكثر من 30 عامًا، ورحلة إنسانية عامرة بكل أشكال الحب، استمرت 86 عامًا، تموت فاطمة شاكر .. ولكن تظل "شادية" باقية في وجدان الشعب المصري والعربي، وحاضرة بلقبها الأثير "صوت مصر".. "سيدتي نت" يحيي الذكرى الأولى لرحيلها، بسرد موجز عن الحقائق الموثقة في حياتها الفنية والعائلية.
اسمها الحقيقي بالكامل، فاطمة ابنة المهندس الزراعي بالخاصة الملكية المصرية أحمد كمال الدين شاكر، ووالدتها خديجة هانم طاهر، ولدت في 8 فبراير 1934، بمنطقة الحلمية الجديدة في حي عابدين، وترجع أصولها المصرية إلى محافظة الشرقية، ولكنّ عائلتها تعود جذورها إلى الأصول الشركسية.
عُرفت في السينما باسم شادية، وقد اختلفت الآراء في سبب تسميتها، فهنالك رأي يقول إنّ المنتج والمخرج حلمي رفلة، هو من اختار لها اسم شادية كاسم فنيّ، وذلك بعدما قدّمت معه بطولة فيلم "العقل في إجازة"، وهنالك من يقول إنّ الممثل يوسف وهبي هو من اطلق عليها اسمها عندما رآها، وكان يصور في ذلك الوقت فيلمه "شادية الوادي"، وهنالك قول يرجح أنّ الفنان عبد الوارث عسر هو من أسماها شادية، لأنه عندما سمع صوتها لأول مره قال: إنها شادية الكلمات.
والدها كان أول من اكتشف موهبتها، وأسند إلى الفنان فريد غصن تعليم ابنته الغناء، كما أسند إلى الفنان عبد الوارث عسر تلقين ابنته أصول مخارج الألفاظ، وتدريبها على الإلقاء والتعبير الصوتي، واستطاعت فاطمة خلال فترة قصيرة معرفة المقامات الرئيسية في الموسيقى العربية، كما تدربت على استخدام جهازها الصوتي في أداء الأغاني.
بدأت حياتها الفنية صدفة، عندما وقع تحت يد والدها إعلان عن مسابقة تنظمها شركة "اتحاد الفنانين"، التي كوّنها حلمي رفلة والمصور عبد الحليم نصر في عام(1947)، وذلك لاختيار عدد من الوجوه الجديدة للقيام ببطولة الأفلام السينمائية التي ستقوم بإنتاجها الشركة، فاصطحبها والدها ولم يكن يتعدى عمرها حينذاك 16 عامًا، لتقديمها إلى لجنة المسابقة، وضمت المخرج علي بدرخان وأحمد كامل مرسي، وعندما وقفت للتمثيل والغناء أمامهما، سخر منها المخرج أحمد كامل مرسي، وأخبرها أنها لا تصلح للفن، وطلب منها الذهاب إلى طبيب لإجراء عملية "اللِوز"، إلا أنّ المخرج أحمد بدرخان كان على النقيض من زميله، وتحمّس لها ووافق على ضمها لفريق فيلم "أزهار وأشواك"، مع الوجه الجديد وقتها هند رستم، ومن بطولة مديحة يسري، وقدّمها في ما بعد للمخرج حلمي رفلة لتقدم أول بطولة مطلقة أمام المطرب محمد فوزي.
خاضت أول بطولة سينمائية من خلال فيلم "العقل في إجازة"، أمام الفنان محمد فوزي، ما جعله بعد ذلك يستعين بها في أفلام عدة، منها "صحاب الملاليم، وبنات حواء، والروح والجسد، وحققت نجاحًا وإيرادات عالية للمنتج أنور وجدي في أفلام عدة، منها "ليلة العيد" العام 1949 و"ليلة الحنّة" العام 1951، ولكنّ وفاته المفاجئة أنهت الثنائي الناجح مبكّرًا.
شهد عام 1947 لقاء شادية بكمال الشناوي، الذي قدّمت معه عددًا كبيرًا من الأفلام بلغت 25 فيلمًا سينمائيًّا، وأشيع وقتها الكثير عن وجود علاقة حب تجمع بينهما، إلا أنّ كمال تزوج من شقيقتها عفاف، وتوالى نجاحها في أدوارها الخفيفة مع كمال الشناوي، منها "حمامة السلام" بعام 1947، و"عدل السماء"، و"الروح والجسد"، و"ساعة لقلبك" بعام 1948، و"ظلموني الناس" بعام 1950.
تزوجت عماد حمدي الذي كان يكبرها بنحو 23 سنة، إثناء تصوير فيلم "أقوى من الحب"، وكان متزوجًا وقتها من الفنانة فتحية شريف، وأنجب منها ابنه نادر، الذي انتقل للإقامة مع زوجة أبيه شادية، وصارت أمّه الحقيقية حتى بعد انفصالها عن والده في هدوء عام 1956، وفي العام ذاته ارتبطت شادية بقصة حب مع الفنان فريد الأطرش، واعترف كلاهما بها، إلا أنّ زواجًا لم يربطهما، بعدما تهوّر فريد وأطلق تصريحًا صحافيًّا قال فيه إنه أمير ولن يتزوج من فنانة، لتنتهي قصة الحب وتنتهي علاقة فنية طويلة، قدّمت أروع الأفلام والألحان للفن العربي.
يعدّ صلاح ذو الفقار أفضل أزواجها بحسب تصريحاتها، ومع هذا طلبت الطلاق منه حتى يعود لزوجته أم أولاده، وقالت وقتها إنّ أطفاله في حاجة إليه أكثر منها ، وخلال فترة الزواج شكلت ثنائيًّا لا يُنسى مع ذو الفقار، قدّم أفلامًا عدة ناجحة، منها: "مراتي مدير عام، وكرامة زوجتي، وعفريت مراتي"، وقدّما أيضًا فيلم "أغلى من حياتي" في عام 1965، وهو أحد روائع الفنان محمود ذو الفقار الرومانسية، وقدّما من خلاله شخصيتي "أحمد ومنى" كأشهر عاشقين في السينما المصرية.
عاشت شادية أول تجربة حب في حياتها، عندما كانت في الـ 17 من عمرها، عندما تقدّم شاب أسمر للزواج منها، ولكن لم تكتمل قصة الحب بينهما، بسبب مشاركته في حرب فلسطين عام 1948 واستشهد هناك، وقدّمت له الأغنية الشهيرة "قولوا لعين الشمس"، وتمت خطبتها لمدرّس، وعُقد القران ولكنها طلبت الطلاق قبل ليلة الدخلة لعدم شعورها بالحب تجاهه.
شادية حملت مرتين، في الحمل الأول من المهندس عزيز فتحي اعتذرت عن دورها في فيلم "القاهرة 30"، والذي قامت به بعد ذلك سعاد حسني، لكن لم يكتمل الحمل وقيل وقتها إنّ زوجها ضربها وحدث الإجهاض ومن بعده الطلاق، الحمل الثاني كان أثناء زواجها من الفنان عماد حمدي ولم يكتمل أيضًا.
قدمت الفنانة شادية على مدار تاريخ فني يمتد إلى ما يقارب أربعين عامًا، نحو 112 فيلمًا، و10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة هي "ريا وسكينة".
حظيت شادية بتكريم عالمي بعدما ذاع صيتها، عندما عُرض فيلمها "المرأة المجهولة" في الاتحاد السوفياتي، كما وصلت شهرتها لليابان عندما قدّمت فيلمًا من إنتاج مشترك بين اليابان ومصر اسمه على "ضفاف النيل"، شاركها فيه نجم السينما اليابانية يوجيروا ايشيتارا، ونجح الفيلم عندما عُرض في اليابان مثلما نجح فيلمها "شيء من الخوف" عندما طلبته السينما اليابانية، ليتم عرضه مدبلجًا هناك.
فور بلوغها سنّ الخمسين، فاجأت الجمهور بقرار اعتزالها وارتداء الحجاب، وكان آخر ظهور فني لها هو غناء "خد بإيدي" في حفل "الليلة المحمدية"، وقالت: لأنني في عزّ مجدي أفكر في الاعتزال، لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء، بعد أن تنحسر عني رويدًا رويدًا... لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل، بعد أن تعوّد الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي، ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها.
بعد اعتزالها في عام 1986، تفرغت للأعمال الخيرية، وقدمت للفقراء دارًا للأيتام، ومسجدًا ودارًا لتحفيظ القرآن، تم بناؤهما في شارع الهرم، وأيضًا شقة كانت تمتلكها في منطقة المهندسين قامت بالتبرع بها لصالح جامع مصطفى محمود، كانت تساوي وقتها ربع مليون جنيه.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي