لم تعد المهرجانات السينمائية في العالم تسعى فقط لعرض أحدث وأهم الأفلام وإنما صار لزاماً عليها أن توازن بين عروض أفلام أخرجها رجال وأخرى صنعتها نساء ، وأن تكون السينمائيات حاضرات ضمن لجان التحكيم ،حدث هذا في مهرجان كان العام الماضي ،وفي دبي السينمائي قبل توقفه ،بينما يستعد مهرجان برلين في دورته المقبلة "فبراير2019" لبرنامج خاص بسينما المخرجات الألمانيات.
واحتفى مهرجان القاهرة السينمائي خلال دورته الأربعين التي انقضت مؤخراً بصانعات الأفلام على نحو خاص ومميز بعنوان "تحية للمخرجات العربيات". وقد رأى محمد حفظي رئيس المهرجان في هذه الاحتفالية تدعيماً للمرأة العربية وترسيخاً لدورها الذي أفرز أفلاماً مهمة وأسوة بالمهرجانات الكبرى التى بدأت تلقى مزيداً من الاهتمام بأفلام صنعتها نساء، وقد تضمنت الاحتفالية عرض تسعة أفلام لمخرجات أثبتن نجاحهن بأعمال لاقت تجاوباً جماهيرياً وفرضت حضورها على المهرجانات العالمية الكبرى وحصدت جوائز مهمة ،وبرغم أن هذه الأفلام يعود إنتاج بعضها لسنوات مضت إلا أنها تمثل تجارب فريدة ، ينتمي أغلبها لسينما المؤلف حيث يقمن بكتابة السيناريو إلى جانب الإخراج ويطرحن قضايا المرأة بقوة بكل أزماتها في مجتمعات ذكورية تغتصب حقوقها التي كفلها الشرع فتناضل من أجل إثباتها.
بالصور: افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي بداية قوية ونهاية ...
جاء اختيار إدارة القاهرة السينمائى لفيلم "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور الذي وصل إلى ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام إنتاجه 2013 ،جسد الفيلم حلم طفلة صغيرة بامتلاك دراجة لكنها تصطدم بتقاليد المجتمع الذي يحرّم على الفتيات قيادة الدراجات ،ويكبر حلمها بهذه الدراجة لتسابق بها ابن الجيران التي تطالعه بحسرة وهو يقود دراجته ،وبرغم غياب هيفاء منصور عن الحضور لكن وجود فيلمها كان كفيلاً بتأكيد تميز تجربتها خاصة أنه من الأفلام الطويلة الرائدة التي جرى تصويرها في المملكة والتي لاقت اهتماماً عالمياً واسعاً.
آلات "نجوم" الحادة
بينما عرض للمخرجة الإماراتية نجوم الغانم أحدث أفلامها الوثائقية "آلات حادة" الذي تستعرض من خلاله رحلة الفنان التشكيلي حسن الشريف أحد رواد الفن التشكيلى في منطقة الخليج ، وهو الفيلم الذي عملت عليه نجوم الغانم طويلاً والتقت الفنان الراحل قبل وفاته لتقدم حياته ومشواره وأعماله الفنية الكبيرة كأحد رواد الفن التشكيلى.
ومن سوريا عرض فيلم "قماشتي المفضلة" من إخراج جايا جيجي الذي شارك في قسم "نظرة ما" بمهرجان كان فى دورته الـ71 ويتعرض لانعكاس أحداث الوضع فى سوريا على بطلته التي تتطلع إلى الحرية وتوافق على زواج تقليدي من سوري يقيم في الولايات المتحدة لكنه يصدمها برغبته في الزواج من شقيقتها الأصغر سناً.
هيفاء المنصور أول مخرجة سعودية تقتحم هوليوود
ومن السينما المصرية عرض فيلم "نوارة" للمخرجة هالة خليل وبطولة منة شلبي الذي يتعرض لبطلته نوارة الخادمة الفقيرة التي تعمل لدى وزير سابق وتحلم بإتمام زواجها وتتعلق بأمل "واهي" عن توزيع الثروات على الفقراء عقب ثورة يناير2011.
كما عرض فيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي الذى يجسد أزمة فتاة ترعى والدها المريض الغائب عن الوعي. بينما تتوارى أحلامها كفتاة في الحب والزواج بعدما قاربت على الثلاثين من عمرها. وقد حصد الفيلمان عشرات الجوائز من مهرجانات عربية ودولية.
مأساة السجينات الفلسطينيات
ومن فلسطين عرض فيلمان الأول "3000 ليلة" للمخرجة مي المصري ورغم أنه من إنتاج 2015 إلا أنه لا يزال يحرز نجاحات مبهرة وتطلبه مختلف المهرجانات حتى أنه شارك في أكثر من 80 مهرجاناً دولياً وعربياً، يتعرض الفيلم لقضية تطرح بقوة عن السجينات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية حيث يتم الزج بمدرسة شابة تدعى "ليال" بعد اعتقالها بتهمة لم ترتكبها ويتخلى عنها زوجها وتضع مولودها في السجن وتتعرض لضغوط عديدة لكنها تتصدى لها بقوة فى مواجهة السلطات الإسرائيلية ،كما عرض خلال المهرجان الفيلم الفلسطيني "واجب" إخراج آن ماري جاسر والذي يتعرض لعلاقة أب فلسطيني من الناصرة وابنه المقيم في إيطاليا ، يعود الابن لحضور زفاف شقيقته ويقوم الاثنان بتسليم دعوات الحفل للأقارب والأصدقاء في منازلهم وفقاً للتقاليد الفلسطينية وخلال رحلتهما في مدينة الناصرة تتكشف جوانب الحياة فيها وتباين وجهة نظر جيلين مختلفين تجاه ما يجرى بها.
الفيلم السوري "طابة أمل" يحقق الجائزة الثانية في مهرجان ...
على كف عفريت
ومن المغرب العربي شارك الفيلم التونسي "على كف عفريت " للمخرجة كوثر بن هنية الذي عرض للمرة الأولى خلال تظاهرة "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي 2017 . وتدور أحداثه من خلال طالبة جامعية تتعرض للاغتصاب على أيدي اثنين من رجال الشرطة وبرغم مآساتها فإنه كان عليها أن تحارب لانتزاع حقها ممن اغتصبوها، كما عرض الفيلم الجزائري "السعداء" للمخرجة صوفيا جاما وتدور أحداثه من خلال زوجين يحتفلان بعيد زواجهما العشرين بعد سنوات من انقضاء الحرب الأهلية ويتذكر كل منهما الجزائر التي شهدت أحلامهما بينما يحاول الزوج أن يتعايش مع الواقع الجديد يبدو الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للزوجة والابن الشاب.
صانعات الأفلام فى لحظة بوح
وبعيداً عن عروض الأفلام حفل اللقاء الذي ضم خمساً من مبدعات السينما العربية بحكايات مثيرة حول فرص النساء العربيات في السينما والمشاكل اللاتي يواجهنها، إنها لحظة بوح بما يعرقل مسيرتهن ،ومثلما تبوح بطلات أفلامهن تحدثت المخرجات العربيات بصراحة وهن هالة خليل - مصر، كوثر بن هنية- تونس، صوفيا جاما – الجزائر،والمخرجتان الفلسطينيتان مي المصري وآن ماري جاسر بالاضافة إلى المخرجة السعودية الشابة هاجر نيم.
أحلام مخرجة شابة
الفيلم الفلسطيني "أحلام لم تراودني" يحصد 5 جوائز في أمريكا
هاجر نيم مخرجة سعودية شابة درست السينما بالولايات المتحدة الأمريكية وأخرجت فيلمها الروائي الأول "احتجاز" الذي شارك في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي ،لفتت هاجر الأنظار خلال حضورها مهرجان القاهرة السينمائي وتحدثت لـ"سيدتي" قائلة : جئت لأتابع المهرجان على نفقتي الشخصية حيث أعمل حالياً في المركز السعودي للأفلام الذي يقوم بتدريب صناع السينما الشباب فى المملكة. وقد أعطاني المهرجان الفرصة أن ألتقي وصناع الأفلام لأتعرف عليهم عن قرب وأستلهم تجاربهم الناجحة فى ظل إشرافي على ورش التدريب بالمركز السعودي للأفلام ،كما أتيح لي مشاهدة عدة أفلام هامة من أحدث إنتاجات السينما العالمية وسوف تفيدني بالتأكيد في صناعة فيلمي القادم الذي أسعى ليكون معبراً عن مجتمعي. فالسينما هي الحل الذي يجعلنا نتقبل بعضنا البعض. ولاشك أن السينما السعودية تخطو خطوات واسعة نحو المستقبل.
صوفيا جاما لا تتوانى عن تقديم نصائحها للمخرجات الشابات قائلة : "حاولي أن تجدي حلولاً لكل مشكلة تواجهينها ليخرج فيلمك للنور، فحينما قال لي منتج فيلمي إن الميزانية فاقت ما توقعته كنت على استعداد لأكتب الفيلم من جديد بحثاً عن حلول أقل تكلفة ،وكل أصدقائي شاركوا في الفيلم وتركت لى صديقة شقتها لأصور فيها لمدة أسبوعين ، إنني كمخرجة أبحث عن العدل الاجتماعي في بلادي. لذا أدافع عن النسوية التي هي ليست ضد الرجل بل ضد الظلم بكل أشكاله ،نحن لا نتتج أكثر من خمسة أفلام سنوياً في الجزائر وهذه مشكلة كبيرة تخلق صراعاً.
ضحايا النجاح
بينما قالت مي المصري :أعتقد أننا صرنا ضحايا نجاحنا لوجود عدد كبير من صانعات الأفلام العربيات ،ففي فلسطين 50 بالمائة من صانعي الأفلام من النساء ،وأشارت إلى نجاح فيلمها في كل المهرجانات بدءًا من تورنتو ثم لندن وستوكهولم ودبي وقرطاج والقاهرة ،لكن الأهم الذي كان يشغلها هو مدى استقبال الجمهور الفلسطيني للفيلم لأنه هو الذى سيشعر به أكثر.
بينما أكدت آن مارى جاسر أن المهرجانات تتشابه كثيراً مؤكدة : "لقد تعلمت كثيراً من المهرجانات بالاطلاع على أفلام لا يتاح لنا مشاهدتها إضافة إلى تنوع الجمهور والتعرف على آراء متباينة ووجهات نظر مختلفة لكن عرض الأفلام في مهرجانات ليس مقياساً لنجاح الفيلم .
وطرحت المخرجة المصرية هالة خليل أزمة تعليم وتنشئة في المقام الأول فلكي تستمر مسيرة السينمائيات العربيات فلابد من تعاقب الأجيال في عمل يتطلب شخصية قيادية كالإخراج ،وأعتقد أن الوظائف التي تحتاج شخصية قيادية لا تتفق مع طريقة تعليم الفتيات عندنا فنحن نعلمهن لتكن زوجات وأمهات ولا نعلمهن لتكن شخصيات قيادية .
وهو ما أكدته المخرجة التونسية كوثر بن هنية قائلة : يتم تربيتنا في العالم العربي لنكون جميلات لإرضاء الآخرين ، وعن نفسى أرى تشابهاً بين صناعة الفيلم والأمومة فصانعة الأفلام مثل الأم عليها أن ترعى الجميع وعينها دائماً على فريق العمل بأكمله.
الفيلم التونسي "زينب تكره الثلج".. قطعة من الحياة ...
بينما تطرقت آن ماري جاسر لجزئية مهمة وهي عدم تكافؤ الفرص فعدد المخرجات تفوق على عدد المخرجين عكس ما هو في أمريكا وأوروبا، وبعض الممولين لا يتحمسون بقدر كاف لتمويل أفلام النساء بدعوى أن أفلامهم لا تحقق نجاحاً جماهيرياً ،ليس فى بلادنا فقط بل هناك في الهند مخرجة قدمت عشرين فيلما ناجحاً ومع كل فيلم جديد تواجه مشكلة في تمويل فيلمها.
وما بين سينما الرجل وسينما المرأة أشارت مي المصري إلى أن السينما المصرية باعتبارها الرائدة في السينما العربية قامت على أكتاف النساء وهذا أمر يدعو للفخر بدءًا من عزيزة أمير وبهيجة حافظ ثم آسيا داغر وحينما بدأت السينما تأخذ طابعاً استثمارياً استحوذ عليها الرجال.
اعترافات خاصة جداً
لا تخفي مي المصري سعادتها بنجاح فيلم "3000 ليلة" ومشاركته في 80 مهرجاناً لطرحه قضية مهمة للشعب الفلسطيني التى لاقت تجاوباً كبيراً من الجمهور واهتماماً عالمياً وهي قضية الأسرى الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية.
تتوقع مي الانتهاء من مرحلة الكتابة لفيلمها الجديد الذي لم تستقر على عنوانه بعد مؤكدة أن الكتابة فعل شاق والاستقرار على الاسكريبت مرحلة مهمة وتضرب مثالاً لذلك بفيلم "3000 ليلة" الذي كتبته 20 مرة قبل بدء التصوير واستمرت في التعديل عليه خلال التصوير مؤكدة "أن هذه مرحلة لتكثيف الأحداث وإلغاء مشاهد وهي تقلل من التكاليف وتحد من صعوبة المونتاج".
تضيف مي : السينما مجال صعب على الجميع سواء رجال أم نساء ويرجع ذلك لعدم وجود صناعة سينما بالشكل المتعارف عليه فى هوليوود ومصر.
المرأة تعاني أكثر من الرجل
ترشيح الفيلم الجزائري "أعداء داخليون" لجائزة الأوسكار
بينما قالت الجزائرية صوفيا جاما : مشكلتنا في العالم العربي عدم وجود سياسة دعم واضحة ليست المسألة مرتبطة برجل أو امرأة وإن كانت المرأة تعاني أكثر من الرجل ،لذا يجب أن نعمل على عدة أصعدة ليس فقط التمويل لكن نشتغل على الجمهور والأجيال الجديدة من المشاهدين وإنشاء صالات سينما فهذه الصناعة تتطلب وعياً كبيراً من المسؤولين فهي ذات تأثير لا يمكن إنكاره ولذا يتم دعمها حتى فى أوروبا.
بينما تتوقع هالة خليل أن تبدأ تصوير فيلمها خلال الشهور الأولى من العام الجديد وهو الفيلم الذي كتبته أيضاً وحصلت به على تمويل جزئي وتعكف على اختيار أبطاله بعدما انشغلت العام الماضي بالمسلسل الدرامي "بالحجم العائلي" للنجم يحيى الفخراني.