كثيرة هي القيود التي تفرضها علينا الحياة المدنية الحديثة، أن نلتزم بالعيش في منزل واحد مستقر، والعمل في وظيفة ثابتة تؤمن لنا استقراراً مادياً إلى حد ما، دون أن نضطر إلى أن نجازف بأي من هذه الأمور التي نعتبرها "وسائل عيشنا المريحة"، ولكن، وحتى نتمكن من فعل ذلك، والوصول إلى هذه الحياة، فإنه يترتب على ذلك الكثير من التكاليف المرتفعة، فليس جميعنا يتملك منزلاً وتتوفر له أسباب الرفاهية.
معظمنا نحن الذين نعيش في المدن، وفقاً لقواعد الحياة الحضرية الحديثة، نسكن في بيوت وشقق مستأجرة، علينا أن ندفع شهرياً أو أسبوعياً مبلغاً معيناً لهذا المكان الذي سننام فيه، الذي يُضاف إليه العديد من التكاليف الأخرى، مثل الماء والكهرباء والوقود وغيرها، ومن الممكن أن نعتبر كل هذه التكاليف، أغلالاً وقيوداً تتحكم بالإنسان الحديث في شتى تفاصيل حياته.
قصتنا اليوم، التي تنقلها لكم "سيدتي"، عن صحيفة الـ"ديلي ميل" البريطانية، من استراليا، وتحكي قصة زوجين أستراليين، قررا التمرد على هذه الأغلال، ورفضا حياة المدينة الحديثة، التي تُكلفهما الكثير من المال، وتجبرهما على العيش تحت ضغوط كثيرة، وتتحكم بهما، إنهما "كاثرين كومانز" وزوجها "توم"، اللذان تركا منزلهما المُستأجر وباعا جميع ما يملكان، واشتريا حافلة صغيرة ليعيشا فيها، وتجولا بواسطتها في كل أرجاء أستراليا.
اللحظة الحاسمة وبداية الرحلة..
قبل قرابة العام والنصف، فكر كل من "كاثرين" و"توم" كثيراً في حياتهما، وبدأت تكاليف الحياة التي يعيشونها تتسبب لهم العديد من المتاعب، خصوصاً أجرة منزلهما التي كانت بشكل خاص تكلفهما الكثير كل أسبوع، ولذلك بعد أن قرر مالك الشقة أن يزيد أجرتها الأسبوعية، وأيضاً لأن أسعار العقارات في مدينة "سيدني" الأسترالية، باتت مرتفعة للغاية خلال الفترات الماضية، فقررا أن يأخذا إجراءات حاسمة لإدخار بعض المال، والتخفيف من أعباء الحياة.
وهنا، خرج الزوجان بفكرة جنونية، مغامرة مجهولة المصير، إلا أنها تستحق المخاطرة، فتركا منزلهما المُستأجر، وباعا جميع أثاثهما وممتلكاتهما، واشتريا حافلة صغيرة من نوع "تويوتا كوستر" طراز العام 1997، وعاشا فيها يتنقلان في جميع أرجاء البلاد، وبالوقت نفسه، لم يكونا قبل ذلك يعتقدان على الإطلاق أن حلمهما بالعيش والعمل على الطريق، من الممكن أن يصير أمراً حقيقياً في يوم من الأيام.
تقول "كاثرين" التي تبلغ من العمر الآن 28 عاماً: "عندما قابلت توم أول مرة، أخبرني عم حلم حياته، وهو شراء حافلة صغيرة، والسفر متنقلاً على الطرقات، ولكن الكثير من الأسباب الظروف أرجأت تحقيق هذا الحلم، وعندما قام مالك المنزل الذي نستأجره في سيدني بزيادة الإيجار، ولأننا كنا على وشك إطلاق مشروعنا بالمتجر الإلكتروني، قررنا أن الآن هو الوقت المناسب لتحقيق حلمنا القديم".
الزوجان الأستراليان الشابان، "كاثرين" و"توم"، اللذان يديران متجراً إلكترونياً على الإنترنت يدعى "كارغو Kargow"، أصبحا الآن وبعد 18 شهراً من التجوال في أرجاء أستراليا، يملكان المال الكافي ليضعاه كدفعة أولى لامتلاك منزلهما الخاص في منطقة "بلو ماونتنز" في ولاية "نيو ساوث ويلز" غرب مدينة سيدني، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فهما لم يأخذا قرارهما بعد بالإستقرار والعيش في منزلهما الجديد.
نمط حياة جديد وتكاليف أقل..
بعد عام واحد من التنقل على طرقات أستراليا، تمكن الزوجان المغامران، من زيارة جميع مناطق ومدن بلدهما، وخلال هذه الفترة وهذه الرحلات، تمكنا من جمع عدد أكبر من الزبائن لعملهما، وادخار النقود التي يحتاجونها، وكان عليهم لتحقيق ذلك الأمر، أن يغيروا نمط حياتهم بالكامل، إذ يقول "توم" البالغ من العمر 30 عاماً، أنه لم يكن لديهما خطوط هاتف، ولا فواتير ماء أو كهرباء، كان كل ما لديهما فاتورة إنترنت شهرية بقيمة 60 دولاراً فقط، بالإضافة إلى 17 دولاراً ثمناً لوقود الحافلة يدفعانها كل 6 أسابيع، وكانا يعملان يومياً 8 ساعات متواصلة على الأٌقل، ويضيف "توم"، أنه كان تحدياً كبيراً الإبتعاد عن العائلة والأصدقاء.
على جانب آخر، حاول الزوجان قدر الإمكان أن يبقيا نفقاتهما منخفضة، ولتحقيق ذلك امتنعا عن تناول الطعام في المطاعم أو زيارة المقاهي، وكانا يصنعان قهوتهما بنفسهما، ويختاران أماكن مجانية التخييم، والأهم أنهما لم يكن يدفعان أجرة منزل يقيمان فيه كما في السابق. وتقول "كاثرين" في هذا الأمر: "إنها الإشياء الصغيرة التي تجعل النفقات تتراكم. لقد انخفضت نفقاتنا كثيراً بدون إيجار الشقة وخدمات المرافق التابعة لها، لقد تمكنا من توفير 500 دولار شهرياً كانت إيجار المنزل".
على الرغم من أنهما تمكنا من جمع الأموال اللازمة لمنزلهما المستقبلي، لكن وعلى ما يبدو، فإن الزوجين الأستراليين، عشقا حياة السفر أكثر، إذ اعترفت "كاثرين" للصحيفة البريطانية بذلك من خلال قولها: "نأمل بشراء المنزل، لكننا يبدو بأننا سنقوم بتأجيره حتى نستمر في السفر لفترة أخرى، نحن نريد أن نشاهد مدينة (تاسمانيا) والمزيد من المناطق في الشاطيء الشرقي".
كما تحدث الزوجان بأنهما حالياً يفكران بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى كندا إذا سمح لهما عملهما بذلك، وتقول "كاثرين" في هذا الأمر: "العيش في مساحة أصغر وأرخص، إلى جانب السفر المستمر، جلب لنا سعادة بالغة، وعلى الرغم من أنها ليست حياة براقة ومعاصرة إلا أن الضغوطات والتوترات أقل، والأكل أفضل، وأصبحنا نمارس الرياضة والتمارين البدنية أكثر".