ليس هناك أي عاطفة في العالم قد تصل إلى عاطفة الأمومة، بقوتها وشدتها وحنوها وقلبها الواسع الذي بإمكانه استيعاب وتحمل أي شيء، فالمرأة مهما اختلفت ثقافتها وعلمها أو نجاحها في الحياة، فإنها لا يمكن أن لا تفكر بهذه العاطفة الهائلة، التي هي أساس كل الخلق، وبغض النظر عن الظروف والتحديات التي تقف بين المرأة وحلمها بالأمومة، فإن العلم دائماً ما يُقدم الحلول.
بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تمكن الأطباء والعلماء مؤخراً، من إحداث ثورة حقيقية فيما يخص الإنجاب والأمومة، ثورة كانت قد طالت كثيراً، وشهدت العديد من التجارب الفاشلة، أو التي اقتربت نوعاً ما من النجاح، ومؤخراً أعلنوا رسمياً عن نجاح تجربة جديدة ستقلب عالم الطب في مجال الإنجاب رأساً على عقب، وذلك بولادة أول طفل في التاريخ، من رحم قد تم التبرع به من امرأة متوفاة.
هذا النجاح العلمي الباهر، حدث في البرازيل، بعد أن تمكنت سيدة تدعى «فابيانا» من إنجاب أول مولودة لها عقب خضوعها لعملية زرع رحم من متبرعة متوفاة في أول حالة ناجحة من نوعها في التاريخ. حيث جاءت هذه الولادة الناجحة، بعد 10 محاولات سابقة لنساء أخريات، تم نقل أرحام لهن من متبرعات متوفيات، وكانت هذه الحالات في بلدان مختلفة من الولايات المتحدة وجمهورية التشيك وتركيا، ولكن جميع هذه الحالات الـ10 باءت بالفشل بإنجاب مولود حيّ وبصحة جيدة كما حدث مع هذه السيدة البرازيلية.
وأوضح الأطباء الذين أشرفوا على هذا الإنجاز الطبي، أن هذه الحالة التي نشرتها مجلة «لانسيت» الطبية الشهيرة، كانت قد تم خلالها توصيل أوردة من رحم المتبرعة، بأوردة المرأة الحيّة التي نُقل لها الرحم، وتم كذلك توصيل الشرايين والأربطة والقنوات المهبلية ببعضها البعض.
وأشار الأطباء، إلى إن ولادة الطفلة البرازيلية التي سُميت بـ«لويزا سانتوس»، والتي كان قد تم زرع رحم المتبرعة المتوفاة لوالدتها «فابيانا» خلال العام 2016، جاءت من خلال عملية قيصرية بعد 35 أسبوعاً وثلاثة أيام من الحمل، وإن وزن الطفلة حالياً يُقدر بـ2550 جراماً، وهو وزن جيد بالنسبة لطفلة مولودة حديثاً، ومؤشر بأن صحتها جيدة.
وفي تصريح للطبيبة «داني إيزنبرج»، وهي الطبيبة التي قادت هذا البحث العلمي منذ البداية، والتي تعمل في مستشفى جامعة «ساو باولو« بالبرازيل، أن عملية زراعة الرحم من المتبرعة المتوفاة، والتي تم إجراؤها خلال شهر أيلول / سبتمبر من العام 2016، تؤكد على أهمية وجدوى هذه العملية وهذا الإنجاز العلمي، وأضافت «إيزنبرج»، أنه وبعد الإعلان عن نجاح العملية، تقدمت العديد من النساء اللاتي يعانين من «العقم الرحمي»، لإمكانية الحصول على مجموعة أكبر من المتبرعات المحتملات.
ومن الجدير بالذكر، أن الأم «فابيانا» التي تلقت الرحم المُتبرع به، والتي تبلغ من العمر الآن 34 عاماً، كانت قد وُلدت في الأساس من دون رحم، وذلك جراء إصابتها بما يُسمى متلازمة «ماير - روكيتانسكي – كوستر – هاوزر»، وأنها كانت قد تلقت الرحم الجديد من متبرعة متوفاة كانت أمـاً لثلاثة أطفال، وتوفيت وهي في منتصف الأربعينات من عمرها جراء إصابتها بنزيف في المخ، ويُشار أيضاً إلى أن عملية زرع الرحم هذه كانت قد ظلت مستمرة طوال 10 ساعات بين يدي الأطباء.
تاريخ العملية الأولى من نوعها..
وقبل نجاح هذه الولادة التاريخية، كان الأطباء والمختصون قد أجروا هذه العملية لـ10 مرات سابقة باءت كلها بالفشل كما سبق وذكرنا، بالإضافة إلى أنه كان من المعتاد، أن تتم زراعة الأرحام من خلال نقل رحم إحدى المتبرعات من العائلة نفسها، والتي تكون على قيد الحياة وتبدي استعدادها للتبرع بالرحم، وفي هذا الشأن صرحت الطبيبة «إيزنبرج» في بيان رسمي: «عدد النساء اللائي على استعداد وتعهدن بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة أكبر بكثير من اللائي يتبرعن به وهن على قيد الحياة، وهو الأمر الذي يتيح إمكانية أكبر لزيادة عدد المتبرعات بالمستقبل القريب».
وأضافت الطبيبة «إيزنبرج»، أن نتائج وتأثيرات تبرعات الأرحام من مانحات على قيد الحياة والمتوفيات، لم يتم مقارنتها بعد حتى هذه اللحظة، مُضيفة أن الأمر لا يزال بحاجة إلى تعديل وتحسين بكل تأكيد. ومن الجدير بالذكر، وبحسب العلماء فإنه حتى الآن يبلغ إجمالي حالات التبرع بالأرحام من أخريات على قيد الحياة 39 حالة، أسفرت عن ولادة 11 طفلاً من بينها جميعها.