رغم كل ما نعيشه في العالم من أحداث مأساوية وكارثية، إلا أن ما قد نشاهده هنا أو هناك من مواقف فردية من بعض الأشخاص، تعطينا القليل من الأمل، بأن الإنسانية أصيلة في دواخلنا، وأنها لا بدّ لها من أن تسود في العالم كله، فالخير ليس عابراً أو صدفة، بل هو أساس الخلق، ومعجون في روحنا التي خلقها الله منذ الأزل.
قد يرى البعض منّا بأن هذه المواقف صغيرة وغير كافية حتى يعمّ الخير في الأرض، لكنها بالتأكيد عندما تنتشر هنا أو هناك، سوف نصل إلى إنسانيتنا التي نبتغيها، ولكن يكفي أن نغير حياة شخص واحد فقط، حتى نتلمس هذا الأمر بكامل جماله حبه، وربما تكون الأمريكية «نتالي بارنز»، التي تعمل سائقة حافلة عمومية في مقاطعة «ميلووكي» في ولاية «ويسكنسن» الأمريكية، قد فهمت هذا الأمر جيداً.
ومؤخراً، تم تداول قصة «بارنز» بشكل واسع عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي العالمية، وذلك بعد أن قدمت «بارنز» المسكن الدافئ وبعض الطعام لـ«ريتشارد»، الذي أًجبرته الظروف أن يكون مُشرداً وبلا مأوى، حيث أنها تنبهت في بادئ الأمر، إلى أنه يطيل الركوب في حافلتها، وأنه لا يملك وجهة محددة للذهاب إليها، حتى اكتشفت أن «ريتشارد» ومنذ فترة قليلة لا يملك أي مكان يأويه من البرد القارص. حيث قامت حينها بمساعدته بأن قدمت له بعض الطعام، وأمنته بمكان يبيت فيه هرباً من البرد في حافلتها.
بدأ الأمر عندما أخبرها «ريتشارد»، بأنه أصبح بلا مأوى منذ بضعة أسابيع خلال شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي 2018، عندما قال لها: «أنا الآن مشرد رسمياً»، موضحاً لها خلال حديثه أن السلطات الأمريكية في الولاية، كانت قد أصدرت حكماً بأن المنزل الذي كان يعيش فيه لم يعد صالحاً للإقامة، ولم يجد أي مكان آخر حتى يقيم فيه، ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش ويبيت في شوارع المدينة.
لم يكن بمقدور «نتالي بارنز» في أول الأمر، إلا أن تقدم له ما تستطيعه من بعض الطعام، وأن يبيت في الحافلة لليلة أو ليلتين، لكنها لم ترد للأمر أن ينتهي على هذا النحو وكفى، فقامت بالاتصال بأحد أصدقائها، وأخبرته عمّا يحدث وعن قصة «ريتشارد»، والذي بدوره تمكن من تأمين ملجأ مؤقت له، إلى حين تأمين مسكن دائم يعيش فيه.
بعد أن انتشرت قصة «بارنز» و«ريتشارد»، أجرت العديد من وسائل الإعلام الإمريكية عدة مقابلات معها، وكانت «بارنز» قد صرحت قائلة: «في لحظة ما من حياتنا كل واحد منا سوف يحتاج إلى المساعدة، وأنا أردت القيام بما في وسعي لمساعدة ريتشارد بطريقة ما». وأضافت بأنه: «دائماً ما يتصل بي ويطمئن على أحوالي، ويشكرني في كل مرة يتحدث فيها إليّ لأنني ساعدته. ويقول إنني ملاكه الحارس الصغير. وأنا سعيدة لأن أموره تسير بشكل جيد».
ويظهر في مقطع الفيديو المصور الذي تم تسجيله من خلال كاميرا المراقبة في الحافلة، «ريتشارد» وهو يخبر «بارنز» عن قصته، وأنه أصبح مشرداً منذ قرابة الأسبوع قبل أن تساعده «نتالي»، كما يُظهرها المقطع المصور وهي تحاول أن تُطمئنه ونقول له أن لا يقلق لأنها تريد مساعدته، ومن ثم بعد انتهاء مناوبتها في العمل تجلس معه في الحافلة بعد أن قدمت له وجبة طعام.
«نتالي بارنز» تحظى بالتكريم
بعد ما حدث وما قامت به «بارنز»، قامت إدارة النقل العام في مقاطعة ميلووكي، بتكريمها على موقفها الإنساني هذا، وقال «كريس آبيل»، وهو المسؤول التنفيذي للمقاطعة، إن لطف وعطف السائقة هو الذي يمثل ما يعنيه برنامج «التميز الخاص بنظام النقل لمقاطعة ميلووكي».
وأضاف «آبيل» قائلاً: «عبر مقاطعة ميلووكي، يركز الموظفون على تمكين الناس وتقوية المجتمع، ونحن نستثمر الموارد في شتى أرجاء المقاطعة لتقليل نسبة المشردين. وقد أثبتت نتالي أن كل ما نحتاج إليه لمحاربة التشرد هو العناية ببعضنا البعض، وأن نهتم لبعضنا البعض وأن نعمل معاً. وأنا ممتن للغاية لما تفعله نتالي».