نظَّمت السعودية في العام الفائت كثيراً من الفعاليات والمناسبات الفنية، التي ساهمت في تعزيز المشهد الفني في عديدٍ من المدن والمناطق، في مقدمتها الرياض وجدة والدمام وتبوك وحائل والقصيم، منها الأوبريتات الوطنية، وآخرها "أوبريت الجنادرية" الذي حمل عنوان "تدلل يا وطن"، بينما شهدت محافظة العلا، شمال غربي المدينة المنورة، "مهرجان شتاء طنطورة" السياحي الأول ليشكِّل مع "أوبريت الجنادرية" مسك الختام للمشهد الفني السعودي في 2018..
أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا تنظيم «مهرجان شتاء طنطورة» السياحي، كاشفةً أنه يتضمن فعاليات تراثية وثقافية وفنية مستوحاة من تراث العلا ومكانتها بوصفها ملتقى الحضارات على مر العصور.
وتحتفي العلا هذه الأيـام بفعاليات المهرجان الأول على أرضها الذي يتضمن ثماني حفلات غنائية وموسيقية، يحييها نجوم من العالمين العربي والعالمي، في مقدمتهم «فنان العرب» محمد عبده و ماجدة الرومي والموسيقار عمر خيرت والموسيقار ياني وعازف الكمان رينو كابوسون والعازف لانغ لانغ، والمغني أندريا بوتشلي، كما يتضمن رحلةً إلى الماضي عبر عرض «هولوغرامي» لكوكب الشرق أم كلثوم.
وفي كل عام، تشهد السعودية الحدث الأكبر، المتمثل في «المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية»، وقبل أيام افتُتِحَ المهرجان برعاية كريمة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، عبر الأوبريت الوطني الذي حمل عنوان «تدلل يا وطن» من أشعار ورؤية الشاعر فهد عافت وألحان الموسيقار الدكتور طلال وغناء النجمين محمد عبده وراشد الماجد.
ويجسِّد «مهرجان الجنادرية»، الذي يستمر ثلاثة أسابيع، الموروث الثقافي والتراثي للأجداد، وقد ساهم تزامنه مع «مهرجان شتاء طنطورة» السياحي في تنشيط الحركة السياحية في السعودية بحضور مئات الآلاف من الزوار لمشاهدة فعالياتهما الشيقة.
وتشارك في «الجنادرية» المدن والمناطق السعودية عبر أجنحةٍ، تعرض فيها عادات أهلها وتقاليدهم، مع رصد بعض الأحداث التاريخية فيها، واستعراض الموروث الشعبي للأجيال الجديدة من خلال عروض الأزياء والفرق الشعبية، كما تشارك الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة لإبراز خدماتها وإنجازاتها لزوارها.
أما «مهرجان شتاء طنطورة» السياحي، فيحتضن للمرة الأولى حفلات فنية وموسيقية بمشاركة نجوم عالميين في «قاعة المرايا» التي صُمِّمت خصيصاً للحفلات الغنائية، وتحتوي على 500 مقعد، وتتميز بديكورها الرائع، ومنصتها المذهلة التي تُعد بحق تحفة فريدة من نوعها، تصميماً وهندسةً. ويستمر المهرجان سبعة أسابيع، ويهدف إلى جذب الزوار والسائحين إلى المنطقة، ويقيم حفلة في نهاية كل أســبوع، ويتضمن رحلات تاريخية وفعاليات ثقافية متنوعة. وكان «فنان العرب» محمد عبده أول فنان يصدح في أرجاء العلا.
سبب إطلاق تسمية «شتاء طنطورة» على المهرجان
الطنطورة بشكلها الهرمي، «مزولة» شمسية مهمة، يعتمد عليها أهالي المنطقة لمعرفة وقت دخول موسم الزراعة، وتغيُّر فصول السنة، بخاصة «مربعانية» الشتاء، أي أقصر يوم وأطول ليلة في السنة. ترتفع الطنطورة على سطح أحد الأبنية وسط بلدة العلا الأثرية، وتُعد جزءاً أصيلاً من البناء. وكان أهالي المدينة يعتمدون عليها كذلك قبل مئات السنين، للتعرُّف على الوقت خلال اليوم.
الجنادرية.. المهرجان التراثي والثقافي الأبرز
يُعتبر «الجنادرية» من أهم المهرجانات الوطنية للتراث والثقافة، وينظمه الحرس الوطني كل عام، إذ إنه مناسبةٌ تاريخية في مجال الثقافة والتراث والحضارة والإبداع، وأيضاً مناسبةٌ وطنية، يمتزج في نشاطاتها عبق تاريخ الماضي بنتاج الحاضر الزاهر. ومن أسمى أهدافه، التأكيد على الهوية العربية الإسلامية وتأصيل الموروث الوطني بشتى جوانبه ومحاولة المحافظة عليه ليبقى ماثلاً للأجيال القادمة.
آراء النقاد
«الجنادرية» و«شتاء طنطورة»
يقول الكاتب والناقد الفني عبدالرحمن الناصر: «أولاً علينا معرفة الهدف من ختام السنة بالمهرجانين، وفي رأيي أن الهدف منهما ثقافي وسياحي، خصوصاً أن السعودية تستهدف استقطاب السياح من الخارج عبر إصدار التأشيرات الإلكترونية لزيارة البلاد خلال المهرجانين، كما حدث في سباق فورمولا إي»، كما رأى أن:
| السعودية عندما تختتم 2018 بـ«فورمولا إي» و«مهرجان الجنادرية» و«مهرجان شتاء طنطورة»، فهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على حراك عظيم، يستهدف الجذب السياحي للتعريف بالحضارة السعودية، وثقافات أهلها عبر تقديم الفعاليات التراثية المتنوعة، وعروض الأزياء، والحرف اليدوية، مستندةً في ذلك إلى رؤيتها المباركة التي أطلقتها القيادة الرشيدة.
| على رمال العلا قامت مدائن صالح وحضارات عديدة، لذا من الجيد إبراز ذلك للزائرين من الخارج لمعرفة ما تتمتع به بلادنا من حضارات عريقة، وهذا ما تنتهجه القيادة السعودية الحكيمة، وقد لمست سعادةً كبيرة لدى السعوديين بتحول بلادهم إلى مقصد مهم للسياح في العالم وإلى هدف استثماري وفني.
| اشتراك محمد عبده في «مهرجان شتاء طنطورة» مهم للغاية، لما يتميز به من مكانة عالية فنياً على المستوى السعودي والخليجي والعربي، وكذلك الحال مع الفنانة ماجدة الرومي، بالإضافة إلى عدد من الفنانين العالميين، كل هذا سيساهم في تنشيط الجذب السياحي في المنطقة. أما الأوبريت الغنائي في «الجنادرية»، فأراه مهرجاناً ثقافياً بحد ذاته، يستفيد من خبرة طويلة تمتد 33 عاماً، وهو مهرجان ثقافي وتراثي، ينقل جزءاً من الحياة التي كان يعيشها آباؤنا وأجدادنا، والعمل الذي قُدِّم هذا العام كان جيداً جداً، بخاصة أن السعودية اختارت توقيتاً مناسباً لإقامة المهرجان، وعرضت في الأوبريت جوانب مهمة ستبقى راسخة في ذاكرة الأجيال.
| ختام 2018 شهد سباق «فورمولا إي» العالمي، بالترافق مع حفلات غنائية وفعاليات متنوعة، أبرزت القيمة التاريخية للدولة السعودية عامةً، والدرعية بشكل خاص، وافتتاح «مهرجان الجنادرية 33» من جانب الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي عرَّف بتراثنا وحضارتنا، ثم إطلاق «مهرجان شتاء طنطورة» السياحي، الذي أعتبره تكريماً لــ«فنان العرب» محمد عبده، وأفضل طريقة لإبراز آثارنا.
عبَّر الكاتب والناقد مشعل العنزي عن سعادته بافتتاح المهرجانين بـ «الفن»، قائلاً: «تعوَّدنا كل عام على افتتاح «الجنادرية» بالأوبريت الغنائي، وتسخير كل الطاقات الإبداعية، من ملحنين وشعراء وفنيين، ليخرج بأفضل شكل، ونبحر معه في بحرٍ من المعاني السامية، ونتعرَّف على أبرز إنجازات الوطن، وقد لاحظنا أن هذا الحدث الفني المهم أصبح من أهم العناصر الأساسية في المهرجان». وتابع مشعل:
| «مهرجان شتاء طنطورة»، الذي يُقام للمرة الأولى في العلا، يرتبط بشكل كبير بالمنطقة التاريخية في المحافظة، إذ تقام فيه حفلات غنائية وسط المنطقة الأثرية بين آثار القصر الفريد وجبل الفيل. وهذه المعالم الأثرية تشهد على العمق الحضاري والتاريخي للسعودية، وأرى أنه يجب تطوير المنطقة التاريخية في العلا، وإقامة أنشطة مستمرة فيها، خصوصاً الحفلات الغنائية المتنوعة، ما سيساهم في تعزيز الجذب السياحي إلى المنطقة للتعرُّف على تاريخها وآثارها، نظراً إلى أن الفن الغنائي عنصر جاذب في أي نشاط ثقافي، وهناك ارتباط وثيق بين الفنون والموسيقى والتاريخ، مثلاً «مهرجان جرش» في الأردن يقام في منطقة أثرية على المدرج الروماني الذي يذكِّر بالتاريخ العريق للمنطقة، وكذلك الحال مع «مهرجان سوسة» في تونس، و«بعلبك» في لبنان، ما يؤكد أن هناك ارتباطاً بين الفنون والجذب السياحي، إذ تعد من أفضل الوسائل لدفع السياح إلى زيارة المكان المستهدف. ونلاحظ أيضاً أن هناك ضعفاً ملحوظاً في زيارة السعوديين الأماكن الأثرية والتاريخية في بلادهم على حساب السفر إلى الخارج، لذا ستساهم هذه المهرجانات في دفعهم إلى العدول عن السفر والتنقل ضمن وطنهم للاستجمام والسياحة، وسط توفر الحفلات الغنائية ذات المستوى العالي.
| في «الجنادرية»، تحرص المناطق السعودية كافة على المشاركة في المهرجان، وتقدم كل منطقة ثقافاتها، وصناعاتها الحرفية، وأسلوب أهلها المعيشي، وعند زيارة أي جناح من أجنحة المناطق في المهرجان، سنجد إبرازها الفنون الشعبية فيها، مثل فن المزمار في المنطقة الغربية، والأهازيج الفلكلورية في منطقة الجنوب، بالإضافة إلى صناعاتها الحرفية. هذا الأمر يستهوي السياح كثيراً، ويجعلهم يترددون على المهرجان كل عام.
| تنظيم «مهرجان الجنادرية» في نهاية العام بمحتواه الكبير والمهم على الصعيدين الثقافي والفني، يؤكد أهمية الموروث الثقافي وجهود الدولة لإطلاع المواطنين والمقيمين والسياح على ثقافات المدن السعودية، ولا ننسى جناح الدولة ضيف شرف المهرجان، الذي يساهم في توثيق العلاقة بين السعودية ودول العالم. وفي هذا العام، استضاف جناح جمهورية إندونيسيا للتعرُّف أكثر إلى ثقافة هذا البلد الذي يُعد من أكبر البلدان الإسلامية.
أما الكاتب والمهتم بالشأن الثقافي ياسر الجنيد، فسجّل الملاحظات التالية:
| «الجنادرية» و«شتاء طنطورة» في العلا يرسمان المشهد الفني في السعودية في نهاية العام 2018.
| السعودية ثرية بتراثها التاريخي وموروثها الاجتماعي، وهذا ما يجعل منها أرضاً خصبة للمهرجانات الثقافية، وما شاهدناه في العام الجاري من حراك ثقافي كان غير مسبوقٍ ومميزاً، سواء الفعاليات الجديدة أو التي اعتدنا إقامتها كل عام، إذ نُفّذت بشكل أكثر إتقاناً. هذا الحراك يأتي ضمن أهداف الرؤية السعودية 2030، التي تركز على الاعتزاز بهويتنا الوطنية، وإرثنا الثقافي والتاريخي، السعودي والعربي والإسلامي، وأهمية المحافظة عليه وتعزيزه، خصوصاً أن أرضنا عُرفت على مر التاريخ بحضاراتها العريقة، وطرقها التجارية التي ربطت دول العالم بعضها ببعض، ما أكسبها تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً، لذا سنسعى إلى الحفاظ على هويتنا الوطنية، وإبرازها، والتعريف بها، ونقلها إلى أجيالنا القادمة عبر غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية، وإقامة المتاحف والفعاليات وتنظيم الأنشطة المعززة لهذا الجانب.
| قبل أن يسدل الستار على عام 2018، شهدنا حدثين بارزين، الأول المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي لم يخلُ من لمسات التجديد والتطوير حتى بات وجهة عربية لطابعه العالمي، وتميُّز أنشطته وتعددها. أما الحدث الثاني، فهو «مهرجان شتاء طنطورة» في محافظة العلا التي تُعد تحفة فريدة من نوعها في التصميم والهندسة، لينضم إلى روزنامة الفعاليات الثقافية، مثل سوق عكاظ والجنادرية، وإن اختلفت التفاصيل والفعاليات، إذ إن الإطار الثقافي يجمعها، كما أن العلا موطن الآثار في شمال شبه الجزيرة العربية.
| سنستمر في العمل على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي والقديم، وتسجيلها دولياً، وتمكين الجميع من الوصول إليها بوصفها شاهداً حياً على إرثنا العريق ودورنا الفاعل وموقعنا البارز على خريطة الحضارات الإنسانية.
| مَن يعمل سيحصد ثمار عمله، ومَن يمتلك أهدافاً واضحة ومحددة ويجتهد لإنجازها، سيحقق النجاح بإذن الله وتوفيقه، ولا شك أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، يقود السعودية إلى مستقبل حيوي، ما يجعل بلادنا في حراك دائم ومستمر، وأعمال تتبعها أعمال في شتى المجالات، منها المشهد الثقافي، الذي سيحقق الطموحات كافة إذا ما استمر العمل بهذه الوتيرة.
| العلا ستصبح أحد أهم أماكن الجذب السياحي في ظل الدعم والاهتمام والعمل الدؤوب في مجال الثقافة والسياحة والترفيه.
كبير المذيعين في التلفزيون السعودي عبدالعزيز العيد قال:
| هذان الحدثان يمثلان خير ختام للعام الفائت 2018، فـ«مهرجان الجنادرية» صار جزءاً من حياتنا ولا نتصور أنفسنا دون إقامته كل عام أبداً، وشهراً من شهور العام باسم شهر «الجنادرية».
| حين يأتي موعد المهرجان، تستنفر الأسر السعودية والمقيمة لحضور فعالياته المتنوعة، التراثية والثقافية، ويطلع الجيل الجديد على واقع حياة الأجداد وتراث وطنه العريق.
| أما «شتاء طنطورة» في العلا، فحدث فني وثقافي جديد، ينقلنا إلى فترة زاهية، ويستهدف دعم السياحة في بلادنا، وأن تأخذ كل منطقة حقها في عرض موروثها والتعريف بآثارها، خصوصاً أن ولي العهد أولى محافظة العلا اهتماماً كبيراً بتشكيل مجلس الإدارة وزيارتها بشكل متكرر..
ماذا قال رامي مالك بعد فوزه بجائزة "الغولدن غلوب"؟
موهبة سعودية تحت العشرين وعد محمد: بكيت في «وجدة» فعلاً..
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستقرام سيدتي