الزائر لمهرجان شتاء طنطورة في مدينة العلا، مدينة الجمال والآثار والحضارات المختلفة، ستلفته حتماً ألوان الجبال والصخور المحيطة بالبلدة؛ إذ يتساءل الرائي، ماذا يقبع خلف هذه الألوان من تكوينات مرت متعاقبة على هذه البقعة الجميلة من الأرض؟!
تستضيف «سيدتي نت» على هامش فعاليات مهرجان شتاء طنطورة، المهندس الجيولوجي ثامر سليمان الحربي، المتخصص في الجيولوجيا العامة والثروة المعدنية والصخور، وأحد أبناء مدينة العلا؛ للحديث عن أسباب تنوع ألوان جبال وصخور مدينة العلا، وماذا يقف خلفها من أحداث.
تنوع ألوان صخور وجبال العلا
يقول الحربي لـ«سيدتي» فيما يخص جيولوجية العلا: بدايةً، لا بد من تعريف أنواع الصخور في علم الجيولوجيا؛ إذ أن لها ثلاثة أنواع رئيسية، وهي:
- الصخور الأساسية أو الصخور النارية التي تشكلت منها الأرض، وهي عبارة عن عناصر عديدة كانت في حالة منصهرة، وبعد التبريد تصلبت وشكلت لنا هذه الصخور، ثم أتت مرحلة أخرى وهي عوامل التجوية والتعرية التي فككت هذه الصخور وكونت لنا بما يسمى بالصخور الرسوبية التي شكلت العلا؛ لذلك نجد اختلافاً رائعاً في صخورها وألوانها ومسمياتها؛ إذ يقول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ« سورة فاطر الآية 27؛ لذلك نجد الصخور الرسوبية ذات اللون الأحمر والأبيض، قد تشكلت على هيئة بناء متتابع من الأسفل إلى الأعلى، في حوض ترسيبي مائي غمر هذه المنطقة قديماً قبل ٥٥٠ مليون سنة؛ فكل طبقة لها عمر مختلف عن الطبقة التي تعلوها؛ حيث توجد بين طبقاتها أحافير حيوانية ونباتية مختلفة.
- أما عن لون الصخور السوداء في العلا؛ فإنه يرجع إلى حدث جيولوجي آخر، وهو انفتاح البحر الأحمر، وذلك بانفصال القارة الأفريقية عن الجزيرة العربية، وتشكل البحر الأحمر قبل ٢١ مليون سنة تقريباً؛ مما أدى إلى عملية رفع الجزيرة العربية من الجهة الغربية وظهور الطفح البازلتي الأسود في الأعلى غرب العلا، وهبوط في صخور العلا بعد أن كانت العلا مرتفعة على مستوى واحد؛ مما أدى لانخفاض وسط العلا بفعل هذه الحركة البنائية، وأصبح وسطها ممراً لمياه الأمطار المتتابعة التي نحتت صخورها الهشة؛ فأصبحت العلا على ما هي عليه، وادياً تحيط به الجبال من الشرق والغرب.
- وأخيراً، يوجد بها الصخور المتحولة، وهي عبارة عن صخور ذات أساس ناري أو رسوبي تعرضت للضغط والحرارة بفعل الحركات التكتونية الأرضية، بعد انفتاح البحر الأحمر السابق ذكره، وهذا ما ميز العلا بتواجد الأحجار الكريمة غربها؛ خاصة مثل الزمرد الأخضر الشفاف الجميل، والكوارتز الشفاف النقي، والزافير من أنواع الياقوت والعناصر الأرضية النفيسة من الذهب والفضة والرصاص وغيرها.
وفرة مياهها
تتميز العلا بوفرة مياهها وكثرة عيونها قديماً، والتي قارب عددها أكثر من ٩٠ عيناً؛ حيث ذكر الله هذه المنطقة في كتابه الكريم: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) سورة الشعراء 146-151. إذ أنه من طبيعة هذه الصخور الرسوبية حفظ مياه الأمطار عبر الزمن، والذي استغرق حوالي ٢٨ ألف سنة، ومن أشهر هذه العيون: عين (تدعل)، التي كانت تتوسط البلدة القديمة وتتفجر مياهها بشدة وهي قادمة من الحرة؛ حيث توقفت من عام ١٤٠٢ تقريباً لأسباب عدة، قد يكون أبرزها انهيار مصدر نبعها واختفاؤها تحت كومة الرمال فوقها، وتحتاج الآن إلى دراسة لرؤية إمكانية عودتها بحول الله.