تذكرة سفر من سامي كليب إلى القارئ العربي

تذكرة سفر من سامي كليب إلى القارئ العربي في "الرحّالة... هكذا رأيت العالم"
سامي كليب في دارفور بالسودان
غلاف كتاب سامي كليب "الرحّالة... هكذا رأيت العالم" الصادر عن دار "هاشيت أنطوان/ نوفل" أخيرًا
الصحافي اللبناني المخضرم سامي كليب
لقطة لكليب في روسيا
امرأة من نساء القبائل الأفريقية
سامي كليب مسافر توَّاق إلى التعرُّف إلى حكايا الشعوب، وكنوز العرب المخبأة
لقطة لمدينة فاس المغربية
8 صور

يمنح الصحافي اللبناني المخضرم سامي كليب القارئ العربي تذكرة سفر بالمجَّان إلى نحو ستِّين دولة، من خلال كتابه «الرحّالة... هكذا رأيت العالم» الصادر عن دار "هاشيت أنطوان/ نوفل" أخيرًا.
"سيدتي. نت" قابل كليب، المسافر التوَّاق إلى التعرُّف إلى حكايا الشعوب، وكنوز العرب المخبأة، وسأله عن الكتاب وأسفاره، في الحوار الآتي نصّه.

تذكرة سفر من سامي كليب إلى القارئ العربي

*إذا قرَّرت السفر قريبًا، ما هي الأسباب التي تدفعك إلى اختيار وجهة ما، خصوصًا وأنك مسافر غير تقليدي؟
ثمة دول زرت عواصمها، بيد أنِّي لم أستطع أن أبحث كثيرًا فيها. مثلًا: أرغب في الذهاب إلى المناطق النائية في الصين، صحيحٌ أنِّي زرت بكين مرارًا، ولكنِّي لا أستطع القول إنِّي أعرف الصين حقَّ المعرفة. كما أتوق إلى إعادة اكتشاف تاريخ اليابان عبر المدن. في الواقع، نحن في الوطن العربي لا نعرف الكثير عن مدن آسيا.
من جهةٍ ثانيةٍ، أهوى العيش مع قبائل لا تعرف المجتمع الحديث، ولعلَّ أكثر ما يجذبني لقبيلة ما، هو بعدها عن التلفاز والمذياع، وعيشها في ظروف تقليديَّة للغاية. وربما أؤلِّف كتابًا بعد فترة يتمحور حول القبائل.

*لا تستهوي الرحالة الإقامة بالفنادق أو تجربة المطاعم السياحية، بل هو يتجه أكثر إلى أماكن عيش الشعوب. بعد الأسفار التي قمت بها، أيّ شعب تستطيع أن تقول إنَّك على معرفة وافية به؟
كمشرقي، صرت أعرف في الجانب العربي تفاصيل قد لا يعرفها المشارقة عن المغاربة والجزائريين والتوانسة والليبيين والموريتانيين. مثلًا، موريتانيا حضارة عريقة، وشعبها يمتلك المخطوطات العربيَّة الأقدم في العالم، وتُعرف «شنقيط» خصوصًا في هذا الجانب. الموريتاني يمكن أن يهدي أرضًا، بيد أنَّه لا يبيع كتابًا، وهذا الأخير مُقدَّس له. والمرأة الموريتانية منفتحة، وتنظم الشعر، الذي يُسمَّى «التابرة»، وهي تتبع العادات والتقاليد الإسلامية، وفي الوقت نفسه محدِّثة وشاعرة وأديبة وعازفة وفنَّانة.
لقد اكتشفت دولًا عربيَّة لا يعرفها العرب للأسف، مثل: موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر، وأدعو عبر مجلَّة «سيدتي» أن يلتفت العرب إلى هذه الأمكنة، خصوصًا وأنَّ جزر القمر جديرة بالزيارة، وشواطئها لا تزال عذراء، وتظلِّلها أشجار النخيل، فضلًا عن طيبة شعبها. وهي اتخذت اسمها من حقيقة إمكان رؤية القمر فوق البحر كل الوقت، ولكن، مع الأسف، المنطقة معدومة سياحيًّا لكونها تفتقر للاستثمارات.
وأعدت اكتشاف مدن عريقة في المغرب، ولا سيَّما «فاس»، وأعجبني كيف حافظ أبناؤها على التراث وحدَّثوه. ولكنّ السؤال: كم مشرقي زار «فاس»؟ العرب غالبًا ما يفضِّلون السياحة في تركيا (اسطنبول خصوصًا) أو أوروبا، بينما هم يمتلكون حضارات وعناوين مهمّة جديرة بالتعرُّف إليها. ولذا، أتمنَّى عندما أسافر إلى مدن عريقة، مثل: فاس ومراكش والأقصر، وأرى الأجانب يزورونها وقلَّة من العرب، أتمنَّى أن يتملَّك العرب الفضول لإعادة اكتشاف بعضهم البعض.
من جهةٍ ثانيةٍ، استمتعت بزيارتي إلى الهنود بكندا، حيث عشت معهم في الجبال، وذلك في ظروف مناخية قاسية، وفي حرارة تبلغ 50 درجة مئوية تحت الصفر، وشاركتهم عاداتهم. وذهبت أيضًا لاكتشاف حضارة المايا بالمكسيك، حيث الأهرامات شبيهة بأهرامات مصر، وعرفت أنّ المكسيك هي الدولة المصدِّرة للشوكولاتة والتنباك واللبان إلى دول العالم. وأيضًا الشعب الكوبي، الذي لا يزال يعيش زمن خمسينيات القرن الماضي، وهو محبٌّ للموسيقى.
وقصدت الأحياء الفقيرة في البرازيل، واسمها «فافيلاز»، واطّلعت عن كثب كيف أعاد أفراد شعبها تنظيم حياتهم. علمًا أنَّ هذه الأحياء لم يكن يدخلها أحد بسبب العصابات والقتل والإجرام.

تذكرة سفر من سامي كليب إلى القارئ العربي

*الرحَّالة لا يعرف الاستقرار إجمالًا، كيف أثَّر الأمر على حياتك؟
أثَّر هذا الأمر كثيرًا على حياتي، من الناحيتين الإيجابيَّة والسلبيَّة. من الناحية الإيجابيَّة، كنت أسافر مرَّة أو مرَّتين في الأسبوع على مدى عشرين سنة تقريبًا، فتسنَّى لي أن أزور معظم دول العالم، وأن أكتشفها، وهذه نعمة. ولكني، بالمقابل، لم أؤسِّس حياةً خاصَّة، فأي امرأة ستتحمل هذه الظروف غير المستقرَّة (ضاحكًا)؟».
في السفر، وعندما أكون في المطار في انتظار موعد انطلاق الرحلة، مُحمَّلًا بالكتب، أشعر أنِّي الرجل الأكثر سعادةً على وجه الأرض. وبخلاف الغالبية، اللحظة الأكثر أمانًا لي، هي حين أكون على متن الطائرة!
سعادتي تكمن في السفر لسبب أجهله، ولم أذهب إلى أيّ بلد إلَّا وشعرت فيه أنِّي ابنه. وفي مقدِّمة كتابي، ذكرت أنِّي عندما كنت صغيرًا، لطالما حلمت أنِّي أطير، وبعدها تحقَّق حلمي!

*يرمز الطعام عادةً إلى ثقافات البلدان؛ ما هي تجاربك في هذا الإطار؟
عرفت الكثير في هذا الإطار؛ في المكسيك مثلًا، تروج يخنة الفاصولياء بالشوكولاتة، وفي دول أمريكا اللاتينية تُطحن الديدان مع الملح وتُضاف إلى الأطباق. وفي جزيرة المارتينيك التابعة لفرنسا، هناك «البودان» الذي يشبه الـ«هوت دوغ» في الشكل، وعبارة عن دم الحيوانات المجمَّد، المضافة إليه البهارات. وهو يباع في الـ«سوبرماركت»!
وهناك قبائل أفريقية تطهو الحيوانات الزاحفة... وفي اليابان، وعند تكريم الضيف، يقطع رأس القرد، ليؤكل النخاع مباشرةً! شخصيًّا، شربت ماء أوراق أشجار الكينا، وهو مشروب ذو فوائد صحِّية للجسم.
 

 

 

الرحَّالة في سطور  
كتاب «الرحّالة... هكذا رأيت العالم» الصادر عن دار «هاشيت أنطوان/ نوفل» أخيرًا، حصيلة 25 سنة من السفر، وترد فيه معلومات عن ستِّين دولة، لناحية الحضارات والثقافات وعادات وتقاليد الشعوب. وهو عبارة عن جواز سفر بالمجَّان إلى معظم دول العالم، ومكتوب بأسلوب سهل ومرح، وقد تجنَّب مؤلِّفه سامي كليب الحديث فيه عن كلِّ ما هو مأسوي، باستثناء رحلته إلى الصومال.
وعن الكتاب، يقول كليب لـ«سيدتي»: «هو وصيَّة عمر، بمعنى أنِّي كنت أخاف الموت، عندما غطَّيت الحروب، قبل تدوين ما رأيته في كتاب. وحين فرغت من كتابة «الرحالة»، شعرت كأنِّي أنهيت كتابة وصيّتي في الحياة». ويضيف كليب: «اكتشفت من خلال أسفاري أنَّ المنقذ لهذه البشريَّة ليس سوى المحبَّة، ولا شيء يستأهل النزاع أو القتال بين الشعوب».
يُميِّز كليب بين السفر لغرض معاينة حضارات وثقافات الشعوب، وعاداتها وتقاليدها، وذلك الذي ينحصر في الترفيه، مع ملاحظة أنَّ غالبية نشاطات السياحة من قبل العرب تتركَّز حول التسوُّق والترفيه بالدرجة الأولى. ويقول لـ«سيدتي»: «توافرت لي ظروف العمل في مهنة الصحافة ضمن مؤسَّسات كبيرة، ما سمح لي بالسفر على الأقلِّ مرَّة في الأسبوع، ولذا كنت دائمًا أسعى لتدوين كلّ ما أراه»، مضيفًا أنَّ «طبيعة الصحافي الحشرية كانت الدافع إلى الانغماس في الثقافات، والبحث عن كل ما هو غريب في الدول التي قصدتها. علمًا أنَّ هناك إعلاميين جالوا في بقاع الأرض، بيد أنَّهم ليسوا مهمومين بفكرة أن يكتبوا أدبًا، بالإضافة إلى قلَّة إمكانات البعض في الكتابة. أمَّا اليوم فلا يعيش الصحافي حياةً مرفّهة تسمح له بالسفر لأجل الكتابة».

 

يمكن متابعة المقابلة مع الصحافي سامي كليب الكاملة، في العدد 1976 من مجلة "سيدتي" الأسبوعية.