لا شكَّ أن القرآن الكريم جمع وشمل العديد من العلوم والمعارف، التي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يكشف النقاب عنها بالتدريج، ومن ضمن هذه المعارف مراحل تطور الجنين، وقد وردت تلك المراحل في عدد من الآيات القرآنية. تعرفي على هذه المراحل بتحليل الدكتور محمد راتب النابلسي في موسوعته العلمية.
ذكر رب العزة والجلالة تدريجيًّا خلقَ الإنسان في مجموعة من الآيات، وردت في مجموعة من السور القرآنية، وكان أكثرها تفصيلاً سورة المؤمنون، حيث قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴿١٦﴾ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴿١٧﴾.
مراحل النمو
النطفة ثم العلقة ثم المضعة ثم العظام ثم لحم يكسو العظام، ثم تُبَثُّ فيه الروح. والقرار المكين هو الرحم، وعند التدقيق في حروف العطف يتبين لنا أن "ثم" حرف عطف يفيد الترتيب على التراخي، لكن "الفاء" للترتيب على التعقيب، وهذا ما توصَّل له العلم الحديث في علم الأجنَّة، بمعنى أن هناك فترةً زمنيةً بين مرحلة النطفة ومرحلة العلقة، تزيد هذه الفترة عن أسبوعين، فيها يتباطأ نمو الجنين؛ لأن هذه المرحلة مرحلة انغراس النطفة في جدار الرحم، والجنين في هذه المرحلة لا ينمو، ولكنه يوطد طرائق امتصاصه للغذاء من الرحم، لذلك لا يكون الجنين في هذه المرحلة إلا قرصًا من الخلايا المنتظمة على شكل صفَّين متوازيين، وهذا البطء في مرحلة نمو الجنين في الأسبوع الثاني والثالث من اللقاح، عبَّر الله عنه بالأداة (ثم)، أما من العلقة إلى المضغة استخدم حرف العطف (الفاء).
النطفة
النطفة في اللغة تعني الماء الصافي، وتعني أيضًا المَنِيّ، وفي علم الأحياء تعني الخليّة الجنسيّة، وقد ورد في قوله تعالى في سورة القيامة: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ﴿٣٧﴾ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴿٣٨﴾.
وأول مرحلة تبدأ بنضج خلية البويضة في عضو بجسم المرأة يسمى المبيض، وتبدأ رحلة طويلة للبويضة الناضجة المنطلقة خلال قناة فالوب.
العلقة
وردت في أول سورة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي سورة العلق، في قوله تبارك وتعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾.
وقد طلب الله من النبي الكريم التعلُّم؛ ليدرك قدرة الخالق جلَّ وعلا، الذي أودع في الإنسان قوةً إدراكية، ولذلك بدأ بتعليمه أن يبدأ بنفسه ويتأمل كيفية خلقه، فقال جلَّ وعلا: "خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ".
ولتوضيح معنى العلق، في البداية عندما تنطلق 300 مليون نطفة من الزوج وبويضة من الزوجة، ويحتاج الأمر إلى بويضة واحدة ونطفة واحدة تحتوي على سائل نادر، إن لامس جدار البويضة أذابه ودخل للبويضة وقام بتلقيحها، ثم تنتقل البويضة المُلقَّحة إلى قناة فالوب، وتنقسم إلى 10 آلاف قسم في طريقها إلى الرحم، دون أن يزداد حجمها، ثم تنغرس في جدار الرحم، وهذا ما يُسمى "العلوق".
المضغة
المضغة تعني في اللغة العربية قطعة لحم بحجم ما يُمضغ من الأكل، وتتطور المضغة سريعًا في اليومين 25 و26، وهذا التحول السريع من مرحلة العلقة إلى مرحلة المضغة، ولهذا استخدم القرآن حرف العطف «فـ» الذي يفيد التتابع السريع في الأحداث، فتكون على هيئة خلايا متلاصقة، وشكلها الخارجي يكون كقطعة لحم ممضوغة غير واضحة الملامح.
عظام وكسوة لحم
ثم تتحول إلى عظام وتبدأ بالتطور بشكل سريع، فينكسي العظم باللحم ويبدأ في أخذ الهيئة البشرية، ثم تبدأ فترة التصوير والتسوية وتهيئة نفخ الروح، وهي مرحلة الإنشاء والخلق التي قال فيها جلَّ وعلا: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ".