«شاب سعوديّ دخل منزلاً بالخطأ».. عبارة قد تكون عاديَّة، كما ستكون نتائج ردَّة فعل أصحاب المنزل أيضاً متوقَّعة، لكن قصَّة الشَّاب السعوديّ الكفيف، دفعتنا لفتح ملف قضيَّة من منطلق كيف تتصرَّف لو تعرَّضت لهذا الموقف؟ وكيف نحمي حقوق الكفيف أو ذوي الاحتياجات الخاصَّة من التعرُّض لمواقف كالموقف الذي تعرَّض له السعوديّ الكفيف (محمد.ع)؟
تعود حيثيات القصة وفقاً إلى الشَّاب السعوديّ «محمد.ع» البالغ من العمر 19 عاماً، بقوله: «تلقيت دعوةً لزيارة أحد الأقارب بمنزله بعد عودتي من الدِّراسة من أميركا إلى السعوديَّة؛ ودخلت بالخطأ حديقة منزل أحد الأشخاص، الذي غضب بمجرَّد وقوفي في مقدِّمة حديقة منزله، وأبرحني ضرباً وركلاً في أنحاء متفرِّقة من جسدي، ومزَّق ملابسي، ولم يعطني الفرصة للدِّفاع عن نفسي، ثم قام بالصُّراخ والاستنجاد، وخرج أبناؤه وشاركوه ضربي، وتجمهر النَّاس، ولولا تدخُّلهم لكنت في عداد الموتى، لكن صاحب المنزل لم يعذرني، وأصر على أنَّ موقفه سليم، وأن أيّ شخص آخر سيفعل مثلما فعل هو فيما لو رأى رجلاً دخل منزله».
وأضاف: «كنت أعتزم إبلاغ الشُّرطة؛ لأخذ حقي من الذي أخطأ عليَّ بالضَّرب والشَّتم والقذف، ولكن للأسف أخبروني بأنني لن أستطيع استرجاع حقي؛ نظراً لأنني المتسبب الأول والأخير بالقضيَّة».
وهل عرفت من الرَّجل الذي اعتدى عليك؟
«كل ما أعرفه أنَّه رجل ستيني يكنى بـ«أبو عبدالله»، ولكني لا أعرف منْ يكون؟ وما اسمه؟ وما عنوانه؟.
لم نصعّد الأمر
وما موقف والدتك وأقاربك جرَّاء الاعتداء عليك؟
لم يصعِّدوا الأمر؛ خوفاً على مشاعري، وما زلت معتزلاً الناس منذ ذلك فالموقف أدخل في نفسي الرعب من الخروج بمفردي دون مرافق، ولا أعلم كيف سأجتازه، ومهما أصف مشاعري فلن أستطع التَّعبير عن النزيف النفسيّ الذي أصابني، وقلل من ثقتي بنفسي.
وطالب محمد من خلال «سيِّدتي» بوضع قوانين صارمة تحمي المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصَّة من الاعتداءات المشابهة، إضافةً إلى التَّوعية بحقوق المكفوفين، وكيفيَّة التَّعامل معهم للحدِّ من العنف المجتمعي.
آراء حول القضية
«سيِّدتي» استطلعت بعض الآراء المختلفة حول ماذا سيفعلون لو تعرَّضوا لموقف الرجل نفسه؟
قال عبدالله الربيع مشرف قناة المجد في الشرقيَّة: «عندما أرى رجلاً يدخل منزلي، أتوقَّع أنَّ مظهره الخارجيّ يدلُّ عليه؛ «لأنَّ الكفيف لن يمشي من دون عصا أو نظارة سوداء، فلن أضخِّم الموضوع».
أمَّا فؤاد نصرالله، وهو رئيس منتدى حوار الحضارات بالقطيف، فقال: «أنا شخصياً سوف أرحِّب به، وأدعوه للضِّيافة بالمنزل، إضافةً إلى أنَّ اللص لن يكشف عن نفسه».
فيما يقول محمد سعيد، مدرِّس حاسب بمدرسة الخطيب البغدادي: «سوف أستوقفه؛ حتى وإن كان من أقاربي، ولكن عندما يكون كفيفاً أو من ذوي الاحتياجات الخاصَّة، فلن أتسرَّع».
• المجتمع شرقي ونجهل التعامل معه
من جانبه أكَّد خالد الناجم مدير العلاقات العامَّة والإعلام بجمعيَّة المكفوفين في الرياض على أهمية اكتساب ثقافة وتوعية المجتمع بكيفيَّة التَّعامل مع المكفوفين بقوله: «لو قُدِّر لأيّ أحد منَّا مقابلة شخص كفيف، فكيف سيتصرَّف معه؟ فالكفيف مثل أيّ شخص آخر لا يختلف عن الآخرين بشيء، ويجب عدم المبالغة بالعطف الزَّائد والشَّفقة، أو رفع الصوت؛ لأنَّ أكثر ما يؤثِّر في نفسه كلمة «مسكين»، فهذه الكلمة تجعله يشعر وكأنَّه عاجز، وعند دخولك على كفيف دعه يشعر بوجودك عن طريق إخراج بعض الأصوات.
حذَّرت الأخصائية النفسيَّة ومديرة العلاقات العامَّة والإعلام بمجمع الأمل في الدمام إبتسام الغامديمن تضخيم الأمور، وطالبت بالتصرّف بحكمة ومن دون عاطفة؛ حتى لا تأخذ أبعاداً أخرى، واعتبرت الغامدي أنَّ الأزمات التي يمر بها المكفوفون سوف تعطيهم إيجابيَّة أكثر في الحياة؛ حتى وإن تأثَّروا قليلاً، ولكنَّ التأثُّر النفسيّ أحياناً يزيد القوة بالاستمراريَّة؛ لمواجهة الصِّعاب والتحدي، وتجاوزها للوصول إلى النجاح.
وأضافت: «إنَّ الرجل ربما يكون معذوراً عندما ضرب الكفيف؛ لأنَّ العمر يحكم في بعض الأحيان، فماذا يفعل الرجل وهو في العقد السادس من العمر؟
وأنا لا أدافع عن الرَّجل، ولكن من المعروف أن الرِّجال في هذه المرحلة عصبيون، ولا يتحمّلون كلمة، فما بالك عندما يرى شاباً في مقتبل العمر يدخل منزله».
• من حقِّه تقديم شكوى
حول إن كان حق الكفيف يسقط بكونه منْ دخل منزل المعتدي؟ أكَّد المحامي أشرف زهران في مكتب الشيخ الدكتور العتين بالشرقية على أنَّ بإمكان الكفيف رفع دعواه ضد الشَّخص المعتدي عليه بالضرب لدى الشُّرطة؛ وقال الناطق الرسميّ بشرطة الشرقيَّة المقدم زياد الرقيطي: «في حال رغبة الكفيف في إقامة دعوى بهذا الخصوص، يمكنه التوجُّه لدى أقرب مركز شرطة، وكان يتعيَّن عليه في ذات الوقت الاتصال على هاتف (999)؛ لتوجيه دوريَّة أمن له بالموقع».