السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: أين وزارة التربية والتعليم من تلك الأمور؟ ما الذي تفعله حيال هذه المشكلة التي تظهر أن قطاع التعليم يخطو إلى الخلف بخطوات متسارعة؛ رغم خطط التطوير التي تنفذها التربية للارتقاء بحقل التعليم؟
نخب تربوية ومجتمعية تنظر إلى المشكلة من زاوية خطرة، ليس فقط لانتشار هذه الظاهرة، واتساع نطاقها ليطول المدارس الحكومية والخاصّة فقط، علّق تربوي قائلاً: «الأخطر أنها أصبحت تكرّس نظاماً تعليمياً موازياً يبتعد عن التطوير والتحديث والإبداع، ويغرس قيم السلبيّة لدى الطلبة».
هوامير
أبدت فوزية حسن بن غريب، وكيل الوزارة المساعد، استياءها الشديد لما أسمته «العصر الذهبي للمعلم الخصوصي»، واحتراف معلمين لهذه التجارة المربحة، وتابعت: «ما زاد من استيائي خلال فترة عملي كمديرة لمنطقة الشارقة التعليمية «هوامير» الدروس الخصوصية، فأحدهم ذكر لي آنذاك، أن دخل أحد المعلمين من الـ(هوامير) للدروس الخصوصية شهرياً يمكّنه من شراء شقة فاخرة كل 3 أشهر»!
سعيد مصبح الكعبي، مدير منطقة الشارقة التعليمية التابعة لوزارة التربية، اعتبر الدروس الخصوصية مخالفة، وطالب بمجابهتها واستخدام طرق رسمية لرفع المستوى العلمي للطلبة، حتى لا يصبح العلم سلعة تباع وتشترى؛ مؤكداً أن المنطقة لن تتهاون مع مدرس يثبت عليه -بالدليل القاطع.
الظاهرة باتت أشبه بالتسول، فكما كشف الكعبي، أن بعض المدرسين راحوا يعرضون على أولياء الأمور خدمات تعليمية في البيوت، عند زياراتهم الاعتيادية؛ للاطمئنان على أولادهم!
مع الإيجارات
رغم أن التشريعات القانونية تمنع الهيئات التدريسية من إعطاء دروس خاصة مأجورة للطلاب، وتعاقب المؤسسات التعليمية المعلمين المخالفين، عقوبات تصل إلى حد إنهاء خدماتهم، إلا أن واقع الحال الراهن يشير إلى استشراء الظاهرة التي تزداد حدتها في موسم الامتحانات، فالكل يترقب إلى ما سيصل إليه سعر الحصة هذه السنة، وهل سيرفعها المدرسون بحجة ارتفاع إيجارات بيوتهم؟
حتى إذا قاوم علي حجيج، ولي أمر، ضغط أبنائه، الذي بدأ لأخذ هذه الدروس، لكنه مرغم، حسب قوله، يتابع: «لاحظت أن الطالب الذي يخضع لرغبة المدرس؛ تصل درجاته إلى درجات شبه كاملة، مما يؤدي إلى ضياع حق المجتهدين الذين يعتمدون على ذاتهم في الدراسة، والذين لا يملكون ثمن الحصة».
كسر الميزانية
ما الذي يدعو الأهالي إلى اتخاذ قرار الدروس الخصوصية منذ مطلع العام الدراسي، هل هو إخفاق بعض المؤسسات التربوية في أداء وظائفها التعليمية؟ أمر ترجحه منال مرعي، معلمة في المعرفة الدولية الخاصة وعلّقت: «هو ما يؤدي لكسر ميزانية الأسرة، وبعضهم أعاد أولاده ليدرسوا في بلادهم؛ فهناك ستكون المصاريف أرخص»!
وكل خوف قمبر محمود المازم، مدير ثانوية حلوان الحكومية، أن يأتي يوم يجد فيه هذه الظاهرة رسمية، وتباركها التربية ويتابع: «هذه الآفة صارت كالورم السرطاني، ولابد من حلول جذرية للقضاء نهائياً عليها، بسن قوانين أكثر ردعاً».
فيما وصف محمد حسن، مدير مدرسة محمد بن راشد للتعليم الثانوي في دبي، بعض المعلمين بـ«المترهلين» في إعداد الدروس، والطالب أصبح يشعر بأن هذه المعلومات غير كافية لفهمه؛ فيلجأ إلى الدروس الخصوصية.
يوافقه الرأي عبدالكريم الأسطل، موجه تقنية معلومات ومشرف على مركز أبو ذر الغفاري للتقوية، ولكن بعد دراسة العلاقة بين آليّات العملية التعليمية وانتشار الدروس الخصوصية، لمعرفة الثغرة!
ارتباطاتهم
ارتباط الأهالي بالعمل طوال اليوم، هو ما دعاهم لاستخدام البديل برأي خالد الطوباسي، مشرف تربوي في مدرسة الشعلة الخاصة، يستدرك: «وفي الوقت نفسه؛ فإن المعلم لا يهتم بالطلاب بالشكل الكافي، والمفترض ألا يغادر الصف إلا وقد أوصل المعلومة إليهم بنسبة 90%، والطالب يتكئ على قرار أهله بإعطائه الدروس؛ فلا ينتبه، كما يجب أن تهتم الوزارة أكثر لأداء المدرس داخل الفصل.. فالكل مقصرون».
تبرر رهام محمد، وكيلة مدرسة ثانوية بعجمان، هذه الظاهرة لكثافة المناهج واختفاء المعلم المتميز، تتابع: «في بعض المدارس الخاصة، يعوض المدرس تدني راتبه من خلال الدروس الخصوصية»!
سبيلنا للنجاة
الدروس الخصوصية بالنسبة لأيمن نجاتي، مهندس معماري، ولي أمر طالبين في المدرسة الأمريكية، هي سبيل النجاة بعدما عجزت الإدارة التربوية، على حد قوله، عن تقديم الحلول السريعة والعملية لتطوير العملية التربوية التي عفا عليها الدهر، إذ أصبحت إعلانات الدروس الخصوصية في كل مكان، يتابع: «غالباً ما تكون نيته مبيتة لإجبار الطلبة على أخذ الدروس الخصوصية بالإضافة إلى رغبة المدرس المقيم في توفير بعض المبالغ المالية؛ بسبب ضعف راتبه الشهري».
يضحك راشد علي المرزوع، موظف، ولي أمر ساخراً: «هل تصدقون، هناك دروس تقوية لطلاب للمرحلة الابتدائية أيضاً.. هذا عدا الآلاف التي ندفعها للمراحل الأعلى».
وذكر ولي أمر طالب، اكتفى بذكر اسم ابنه الأول «مايد» طالب في الصف الثاني عشر، أن مدرسي المواد العلمية بدأوا يعرضون بشكل صريح خدمات الدروس الخصوصية على الطلاب، بعد أن كانوا يعمدون إلى التلميح بأخذ الحصص الخاصة....
بوكس
تبرير مدرّس
يتقاضى علي جابر، مدرس في إحدى المدارس الخاصة بعجمان راتباً قدره 1200 درهم، وحسب قوله، تجبره إدارة المدرسة على توقيع باستلام 2500 درهم، راتباً، وهو الذي تحدده وزارة التربية كحد أدنى لأجور المعلمين، وقد اضطر لقبول العمل لعدم توفر بديل، فهو يعوض ضعف راتبه بالدروس الخصوصية التي أصبحت شراً لابد منه في ظل الأوضاع المتردية للمستوى التعليمي بشكل عام، وكثرة الالتزامات..