كان من السهل جدًا في السابق أن يتناول أحد المستصحفين اسم طلال مداح أو محمد عبده، حتى يصبح اسمه متداولًا بشكل كبير، فجمهور العملاقيْنِ هو الجمهور الخليجي كافة، وهذا وصف ليس به أي مبالغة، أما اليوم فإذا أراد أحد المستصحفين أن يصبح اسمه متداولًا يكفي أن يدَّعي موقفًا أو قصة قد تقلل من نجومية طلال مداح ـ رحمه الله ـ وأهميته، اعتقادًا منه أن فنان العرب وجمهوره العريض قد يقدّرون ذلك، دون أن يفهم أن هذه القاعدة لم تنجح في الماضي حتى تنجح اليوم، فطلال مداح رحل وهو على وفاق مع محمد عبده، ولو كانت محاولات المستصحفين ناجحة لما باءت بالفشل في ذاك الزمن، ولما انتصر حُسن النوايا على المؤامرات كافة في نهاية الأمر.
مشكلة طلال مداح أن ورثته مثله، الرابط الوحيد بينهم وبين الحياة هو الفن، ولذلك وأمام أي ادعاءات أخرى يلتزمون الصمت، ويفضّلون أن يرد الجمهور عنهم، وهذا الحل كان سينجح لو تم توثيق كل شيء يخصه، لكن للأسف فتاريخ طلال مداح لم يُوثَّق بشكل رسمي، ولذلك الجميع «يفتي» بشأنه، مخترعًا قصصًا ومواضيعَ لا تَمَتُّ للواقع بصلة، وليس هناك مصدر موثوق يرد عنه، بل الجميع يحكي والجميع يردد.
وقبل أيام، ادعى أحد الصحفيين «المخضرمين» أن اسم طلال مداح لم يكن مدرجًا ضمن قوائم حفلات المفتاحة التي توفي خلالها عام 2000، واصفًا تلك الحفلات بالمشؤومة، حيث أرفق ادعاءه ذلك بعبارات الندم على موافقته أن يُطالَب مع مجموعة من الصحفيين بإدراج اسم طلال مداح فيها، بناءً على طلب من المداح نفسه، وعجبي!
ظاهر تلك الادعاءات يختلف عن باطنها، وهذا هو حال غالبية من يذكرون اسم طلال مداح في أي قصة، يكون هدفهم بعدها أن يُثار الكثير من الجدل، فالغرض من كل الادعاءات المماثلة هو التقليل من نجومية طلال مداح وأهميته، لإثبات أن محمد عبده طالما كان الأهم، رغم أن محمد عبده نفسه لم يكن ليوافق على ادعاءات مماثلة، ولكنهم ومنذ عشرات السنوات يرفضون أن يعوا أن تعظيم نجومية أحدهما على الآخر لم تكن هدف أيٍّ من النجمين يومًا، بل طالما كانت أهداف المحيطين بهما، اعتقادًا منهم أنهم بذلك سيصبحون ضمن دائرة أحد النجمين المفضلة، أو كما يُقال عنها «دائرة الثقة».
طلال مداح النجم البسيط جدًا ـ كما يذكره الجميع ـ واجه الضغوط في حياته بالابتعاد، فحسابات المستصحفين أرهقته لدرجة حرمت محبيه منه لسنوات، عندما قرر أن يترك كل شيء ويستقر في لندن، وعندما قرر أن يعود حبًا بالفن أيضًا، معتقدًا أنه أصبح أقوى وأكثر قدرة على مواجهة تلك المؤامرات، لم يلبث كثيرًا حتى غادر للأبد، ورغم ذلك لم يتوقف أي شيء مما كان يحدث سابقًا، سوى انتقال بعض الأسماء من حزب طلال مداح ـ رحمه الله ـ إلى حزب محمد عبده، بينما لا يعرف عنهم فنان العرب شيئًا، ولكن هذه المرة بغرض جذب جماهيره ومحبيه.
الفنان الكبير جميل محمود الذي تربطه علاقة قوية بالاثنين على مر التاريخ، قال لي مرةً ـ في أحد الحوارات ـ إن نجومية محمد عبده كانت تختلف عن نجومية طلال مداح، فكل واحد منهما كان له ما يميزه ولم يكن وجود أحدهما مؤذيًا للآخر، لكن هذا ما حاول أن يفعله المستصحفون الذين كانوا يحيطون بهما، فانقسمت الجماهير إلى أحزاب وأصبح هناك خلاف، رغم أنه لا يوجد أي خلاف.
وأنا شخصيًا أذكر أحد المعجبين بطلال مداح، وكان يشارك في منتدى يحمل اسم المداح، وكيف انتقل ودون أي معطيات من مجرد معجب في منتدى على الإنترنت، لصحفي تتلقفه القنوات، فقط لأنه ادعى معرفته بتفاصيل دقيقة عن حياة المداح، رغم أن الوسط الصحفي بأكمله يعرف أن هذا الشخص لم يلتقِ بمداح في حياته يومًا، ولا حتى من بعيد، ولكن كيف تكذبه القنوات ويرفضه الإعلام وورثة طلال مداح أنفسهم قبلوا بذلك؟
سؤال أخير.. هل يرث طلال مداح عائلته فقط؟ ألسنا جميعًا ورثة طلال مداح ويحق لنا أن نحمي هذا الإرث من التلفيق والادعاءات؟ إذًا، لماذا نلتزم الصمت جميعًا؟!.