في تاريخ 21 آذار / مارس من كل عام، يكتسي العالم العربي عموماً بحلة جديدة. تُغير طريقة كلام سكانه ونظرتهم وحتى مشيتهم في أي شارع عام، تتغير حتى وجهاتهم المفضلة، وكلها تمضي صوب وجهة واحدة فقط، "يعودون" إليها، إلى وطنهم الأول، حيث أول نفخة روح فيهم، يعودون إلى النَقَسِ الأول، والضحكة الأولى والخطوة الأولى. هناك، حيث تجلس أمهاتهم مع كرات صوفهن ومدافئهن و"حصيرتهن". هناك في المنزل الذي علمنا كيف نكون نساءاً بإرادات صلبة، أو رجالاً بشغف قوي للبلاد وبنائها.. هناك حيث "الأمّ".
أجل، لا يكفي قول "شكراً" لهن في يوم واحد من العام، حتى أنه لا يكفي أن نحملهن في قلوبنها ما حيينا وحتى نَفَسِنا الأخير، فمن منحنا نَفَسَنا الأول، جدير بأن نعطيه الحياة. ولكن كل ما في الأمر، أنه يوم واحد فقط يذكرنا – رغم أننا لم ننسَ من الأساس - أن ننام بين أصابعهن ونقول لهن شكراً بابتسامة واسعة، وقلب مزدحم بالشوق، أن نهرب في هذا اليوم من مشاغلنا التي تأكل أعمارنا يوماً تلو الآخر، ونلجأ إليهن.
صحيح أن العالم كله يحتفل بـ"يوم الأمّ"، لكن ربما مما لا يعرفه الكثيرون منّا، أن بلدان العالم المختلفة، لا تحتفل بهذه المناسبة المقدسة والقريبة إلى قلوبنا في اليوم نفسه، فرغم أن "عـيـد الأمّ" في عالمنا العربي، يوافق 21 من شهر آذار / مارس من كل عام، إلا أنه يوافق تواريخ أخرى في أماكن مختلفة من العالم. ولكن كيف بدأ الإحتفال بهذا اليوم عربياً..؟ ومن أول من نادى به..؟.
يوم الأم في عالمنا العربي..
بتاريخ 6 كانون الأول / ديسمبر من العام 1955، كتب مؤسس جريدة "أخبار اليوم"، الصحفي المصري الشهير "علي أمين"، خلال مقاله اليومي "فكرة" اقتراحاً قال فيه: "لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم، ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق". ولم يكن أمـين، يعرف أن مقاله هذا، سوف يثير عاصفة كبيرة في البلاد، وأن هذه الفكرة قد نالت استحساناً واسعاً في مصر والوطن العربي، وبدأت الإقتراحات نتهال على "بريد الجريدة"، بأيام من العام من الممكن أن تكون عيداً للأم.
كانت معظم الرسائل التي وصلت إلى الصحيفة المصرية بعد مقال "أمين"، قد اختار أصحابها أن يكون تاريخ 21 آذار / مارس من كل عام هو "يوم الأم" في العالم العربي. وذلك كون هذا اليوم يصادف "الاعتدال الربيعي"، حيث يعلن انتهاء فصل الشتاء وبداية فصل الربيع "فلكياً". وكون فصل الربيع يعد رمزاً واضحاً للعطاء والجمال في الحياة، تماماً كما هي أمهاتنا. وبعد العديد من المطالبات والاقتراحات، تم اعتماد هذا التاريخ يوم الأم عربياً، وكان يوم 21 آذار / مارس من العام التالي 1956، هو أول احتفال بعيد بالأم، والذي بدأ في مصر أولاً، ثم انتشر في مختلف البلدان العربية.
يوم الأم في العالم...
كما ذكرنا، بأن الإحتفال بيوم الأم في عالمنا العربي، كان قد بدأ في منتصف عقد الخمسينيات من القرن العشرين الماضي. لكنه كان قد بدأ قبل ذلك بكثير في باقي دول العالم. حيث كانت الفكرة الأولى فد طرحت في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال العام 1872، بعد أن نادت الشاعرة والمؤلفة والناشطة الاجتماعية الأمريكية، "جوليا وورد هاو"، بأن يكون هناك احتفالاً على مستوى البلاد بالأم، فكانت هي أول من طالب بهذا الأمر.
على الرغم من أن "هـاو"، هي السبّاقة بهذا الأمر، إلا أن من طالب به بعد ذلك وقاتل حتى آخر يوم في حياته في سبيل الإعتراف الرسمي بهذه المناسبة، هي الناشطة الأمريكية "آنا ماري جارفيز"، واحدة من رواد العمل النسوي، حيث كان تأثرها وحبها لوالدتها "آن ريفز جارفيز"، التي أيضاً كانت بدورها ناشطة في حقوق النساء، هو ما دفعها للمطالبة باحتفال على المستوى الوطني بـ"يوم الأم".
وكانت "جارفيز"قد اختارت أن يكون ثاني أيام الأحد في شهر أيار / مايو من كل عام، هو اليوم الإحتفال بيوم الأم، كونه الأقرب لتاريخ وفاة والدتها بتاريح 2 أيار / مايو من العام 1905. وظلت "جارفيز" في نضالها المستمر أصدر الكونغرس الأمريكي خلال العام 1914، قراراً رسمياً بأن يكون "يوم الأم" من ضمن المناسبات الوطنية الرسمية التي تحتفل بها البلاد، ليعود الرئيس حينها "وودرو ويلسون"، بإصدار إعلان رسمي بهذا الأمر.
"يوم الأم" بين شهري آذار وأيار في العام
تترواح تواريخ الإحتفال بهذه المناسبة بين شهري آذار / مارس، وأيار / مايو بمختلف بلدان العالم حيث أن روسيا وبلدان الشرق الأقصى تحتفل فيه بـ8 آذار، قبل البلدان العربية التي تحتفل فيه بـ21 من الشهر نفسه. بينما هناك عدد قليل من الدول في كل من المنطقة الجنوبية من القارة الأفريقية، ووسط القارة الأوروبية، يحتفلون فيه بأول يوم أحد من شهر أيار.
ولكن معظم دول العالم الأخرى التي تتوزع على كامل قارة أميركا الشمالية، ومعظم أميركا الجنوبية، وأستراليا ونيوزلندا، والسواد الأكبر من القارة الأوروبية، بالإضافة إلى عدد من دول جنوب شرق آسيا، تحتفل بـ"يوم الأم"، في ثاني أيام الأحد من شهر أيار، وهو التاريخ الذي وضعته الناشطة الأمريكية "آنا ماري جارفيز".
ولكن.. وبغض النظر عن تاريخ الإحتفال بـ"يوم الأم" بأي مكان في العالم، يجب علينا أن نقول.... كل يوم وأمهاتنا في كل مكان بكل خير فرح.