هي السفينة الأشهر على مر العصور، فعلى حجم التوقات الضخمة التي وُضعت لها، كانت المآساة وأكثر. حيث كانت سفينة الـ"تايتينك" الشهيرة، ضربة لصُنّاعها على جميع الأصعدة, إذ إنه في الوقت الذي ظنوا فيه بأنهم دخلوا التاريخ وصنعوا عصراً جديداً ومتطوراً في مجال التنقل عبر المحيطات والبحار، كانوا قد تسببوا بمآساة إنسانية راح ضحيتها المئات. وفي يوم الاثنين الموافق 15 إبريل/نيسان 2019، يحيي العالم ذكرى مرور 107 أعوام على غرق السفينة التي تم اعتبارها "الأعظم والأبرز" في عصرها. والتي وُصفت بأنها "السفينة التي لا تغرق".
ليلة الكارثة وسقوط الوحش البحري..
قبل يوم الأربعاء الموافق 14 نيسان/أبريل من العام 1912، كانت عيون العالم كلها متجهة صوب السفينة الأكبر والأكثر تطوراً على الإطلاق، كان الجميع بانتظار ساعة الصفر لانطلاق سفينة "رويال ميل شيب (آر إم إس) تيتانيكRoyal Mail Ship (RMS) Titanic"، من مدينة "ساوثهامبيتون" في إنجلترا، إلى مدينة "نيويورك" في الولايات المتحدة الأمريكية. وبانتظار أن تقطع المحيط الأطلسي وصولاً إلى وجهتها بسلام، وبسرعة لم تألفها مثل هذه السفن الكبيرة.
وفي مساء ذلك اليوم، انطلقت السفينة التي اشتهرت في وقت لاحق باسم "تايتينك"، وكانت تحمل على متنها ما يزيد على 2224 راكباً، وبعد ساعات قليلة من انطلاقها، وقبل دقائق قليلة من انتهاء يوم الأربعاء، ارتطمت السفينة بجبل جليدي ضخم وسط المحيط الأطلسي، وكان ذلك في تمام الساعة 23:40 دقيقة. وبدأت واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في العصر الحديث، إذ أنه وطوال ما يزيد عن الساعتين و40 دقيقة، وحتى الفترات الأولى من فجر يوم الخميس التالي 15 نيسان/أبريل، كانت الـ"تايتينك" تواجه الغرق.
خلال تلك اللحظات الكارثية، عاش من كان على متنها حالة من الرعب التي انتهت بمصرع ما يزيد عن الـ1500 شخص منهم، كان من بينهم من مات غرقاً، ومنهم من لاقى حتفه تجمداً بسبب مياه المحيط شديدة البرودة. أما البقية الناجية من هذه المأساة، فقد عاشوا أسوأ كوابيسهم وذكرياتهم، التي سردوها في وقت لاحق من حياتهم للأبناء والأحفاد.
لم يكن حادثاً مفاجئاً..
بحسب التقارير العديدة التي عُثر عليها في سفينة الـ"تايتينك" بعد غرقها، فإن هذه الحادثة المأساوية لم تكن مفاجئة. حيث أن طاقم السفينة، كان قد تلقى ما يزيد عن الـ 6 إنذارات من أماكن المراقبة البحرية، تفيد بوجود جبل جليدي ضخم في طريقها، لكنهم كانوا يسيرون بأقصى سرعة في السفينة، ولم ينتبهوا للجبل الجليدي إلا من مسافة قريبة، ما جعل أمر توقفها أو تغيير اتجاهها ضرباً من المستحيل.
بعد وقوع الأمر، قام طاقم السفينة بإرسال العديد من رسائل النجدة والإستغاثة إلى السفن القريبة من مكانهم. إلا أن معظم هذه السفن لم تكن قريبة كفاية للوصول قبل اكتمال الغرق المأساوي، وهو الأمر الذي أسفر عن مقتل ما يزيد من نصف عدد المتواجدين على متنها. ناهيك عن النقص الشديد بقوارب النجاة التي من المفترض أن تكون في السفينة، حيث يرى الكثير من المختصين، أن "غــرور" مُلّاكها بأنها لا يمكن أن تغرق، كان هو السبب من وراء عدم وجود عدد كافٍ من القوارب.
ماذا نعرف عن الـ"تايتنك"؟
ما لا يعرفه الكثيرون حول سفينة الـ"تايتنك"، أنها كانت في ذلك الوقت أكبر وأضخم السُفن في العالم على الإطلاق. فقد تم تصميمها وتشييدها لتكون بمثابة "مدينة عائمة"، إذ أنها كانت من المفترض أن تتسع لما يزيد عن الـ 3500 راكب. كما أن سفينة الـ"تايتنك" كانت أكثر سفن عصرها رفاهية وفخامة، إذ أنها استهدفت الركاب الأثرياء على وجه التحديد. فلم يكن أي شخص بمقدوره أن يصعد على متنها أو يحاول السفر بواسطتها.
من جهة أخرى، كانت الـ"تايتنك" مصممة لتكون أحدث السفن بذلك الوقت وأسرعها، إذ تم تزويدها بمحركات تردّدية صُنعت خصيصاً لأجلها. ويبلغ ارتفاع المحرك الواحد منها قرابة الـ 12 متراً، مزود بأسطوانات يبلغ قطر الواحدة 2.7 متر، وهو الأمر الذي يسمح بتوليد كمية هائلة من "الطاقة البخارية". حيث كانت تستهلك ما مقداره 610 أطنان من الفحم في اليوم الواحد. كل ذلك حتى تكون السفينة الأسرع في العالم، إلى جانب كونها الأكبر والأضخم والأكثر فخامة.
مصادفة غريبة
ربما يكون التالي ضرباً من الخيال بالنسبة إلى الكثيرين. ولكن على الرغم من أنه يبدو كذلك إلا أنه حقيقي جداً. حيث أن الكاتب ومؤلف القصص الخيالية الأمريكي "مورغان روبرتسون"، كان وكأنه تنبأ بحادثة غرق الـ"تايتينك" الشهيرة، حتى بأدق تفاصيلها. وذلك عبر مصافة غريبة حدثت قبل 14 عاماً كاملة من حادثة الغرق المأساوية.
حدث الأمر، بعد أن قام "مورغان روبرتسون" خلال العام 1898، بتأليف ونشر رواية بعنوان "العبث"، وكانت روايته تحكي قصة سفينة ضخمة للغاية أطلق عليها اسم الـ"تيتان". كما أنه وصفها في روايته على أنها "السفينة التي لا تغرق"، تماماً كما وصف صُناع الـ"تايتينك" سفينتهم قبل ما حدث.
المريب بشكل أكبر بشأن رواية "روبرتسون"، أنه تحدث عن نقص كبير بعدد قوارب النجاة على متن سفينة الـ"تيتان" في الرواية. كما أن سفينته المتخيلة كانت قد غرقت في شمال المحيط الأطلسي، بعد اصطدامها بـ"جبل جليدي ضخم"، تماماً كما حدث مع سفينة الـ"تايتينك" الحقيقية. ويُشار إلى أن روايته هذه كانت قد نالت شهرة واسعة بعد الحادثة، بسبب التشابه المخيف والدقيق للغاية بين أحداثها وأحداث غرق الـ"تايتينك".