تقدم لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، في السادسة والنصف من مساء يوم غد الثلاثاء، الفيلم الهندي "سلام بومباي" للمخرجة ميرا نير.
في فيلم "سلام مومباي" اقتحمت المخرجة ناير عالم السينما الهندية بقوة منذ فيلمها الروائي الطويل الأول "سلام بومباي"(1988) والذي أصبح الفيلم الثاني في تاريخ السينما الهندية الذي يحصل على ترشيح أفضل فيلم أجنبي ضمن جائزة الأوسكار الأمريكية.
لا تقتصر أهمية الفيلم على تعرية الواقع الاجتماعي الذي يتحدث عنه، ولا على المأساة البشرية التي يعرضها، ولا على إنجازه الفني تصويرا وإخراجا، بل تكمن أهميته بخاصة في أن المخرجة رفعت من خلال فيلمها الطويل الأول قفاز التحدي في وجه ماضي وحاضر السينما الهندية الجماهيرية السائدة التي تتسم بغربتها عن الواقع الهندي شكلا ومضمونا.
بطل فيلم" سلام بومباي" صبي في حدود الحادية عشر من عمرة يضطر لمغادرة قريته فتسوقه الأقدار نحو مدينة بومباي ليستقر في واحد من أفقر أحياءها وليعيش بين حثالة المجتمع من لصوص ومدمني مخدرات، وهو يظل يأمل أن يتمكن من توفير مبلغ صغير من المال يتيح له فرصة العودة إلى قريته، لكنه يعجز عن تحقيق هدفه.
تسرد ميرا ناير حكاية الصبي بدءأ من مشهد في ضواحي القرية نراه فيه يساعد آخرين من رجال السيرك على تفكيك معدات وتجهيزات السيرك وجمعها في العربات. ويقترب مدير السيرك من كريشنا ويطلب منه الذهاب إلى القرية المجاورة لشراء علبتي تبغ له. وحين يعود كريشنا يكتشف أن السيرك قد رحل وبقيت أطلاله فقط في المكان.
بعد ذلك نرى كريشنا واقفا أمام كوة بائع التذاكر في محطة القطار، يمد له ما معه من مال طالبا تذكرة لأقرب مدينة فيقطع له البائع تذكرة إلى بومباي (بومباي معروفة كعاصمة للإنتاج السينمائي في الهند) ويقول له وهو يسلمه التذكرة: أرجو أن تعود إلينا نجما سينمائيا.
أول ما سيرى كريشنا في محطة القطار شاشة تلفزيون معلقا قرب الرصيف يعرض عليها فيلم هندي يبين الممثلة ترقص وتغني، وأول ما سيراه ما أن يخرج من محطة القطار في بومباي ملصقات الأفلام الهندية وصور نجومها (هنا سينتهي دور السينما التي لن يصبح كريشنا حتما واحدا من نجومها، ولن تعود المخرجة إلى السينما بعد ذلك إلا عندما تصور كريشنا وهو يجلس في مقعده في صالة السينما ويرقص ويغني بفرح عارم وهو يقلد بطلة الفيلم التي نراها في مشهد غنائي راقص).
تشكل هذه المشاهد الافتتاحية قطيعة مع المشاهد اللاحقة التي ستستمر على مدى الفيلم كله، حيث سنتعرف على بومباى لا كمدينة للسينما بل كمدينة فيها الكثير من البؤس والمعاناة. ما أن يسير كريشنا هائما في الشارع حتى يخطف منه لص شاب ما بحوزته فيبادر كريشنا لمطاردته، غير أن المخرجة لا تتابع الحدث بل سرعان ما تبين لنا كريشنا وهو يعمل كفتى توصيل لدى بائع الشاي في حي فقير مكتظ ببشره وبيوته. ومنذ هذه اللحظة سنعرف كريشنا باسمه الجديد وهو شايباو (بما يعني في الهندية صبي الشاي).
لا تشرح المخرجة كيف حصل كريشنا على هذا العمل، مرة أخرى سنفهم فقط لاحقا أن الفتى الذي سرقه، واسمه شيلوم، هو الذي عثر له على هذا العمل وصار صديقه الحميم حتى النهاية.
سنتعرف تباعا على هذا اللص شيلوم الذي صار صديقا لكريشنا وسنعرف انه يبيع المخدرات في الشوارع للسواح الأجانب وانه بدوره مدمن مخدرات وانه يعمل لدى مروج أكبر منه، سيقوم بطرده في النهاية، بعد أن يكتشف انه يخدعه، ليتركه أمام مصيره المحتوم، الموت.
أما المروّج فهو متزوج من امرأة تعمل بنت ليل وتعيش معه ومع ابنته الصغيرة، هذه الابنة التي تشكو من الوحدة ومن أن لا أحد يلعب معها في الحياة، والتي تراقب من خلف الزجاج أمها وهي تمارس عملها مع زبائنها الرجال (وبالطبع، من مهارات المخرجة أنها لا تجعلنا نرى ما تفعله الأم لكننا نرى فقط ما تفعله ابنتها الطفلة وهي تراقبها وتنتظرها)، فلا تستطيع أن تمنع نفسها من خرمشة الزجاج بأظافر أصابعها الطرية المتوترة ثم الجلوس على الأرض والانكفاء على النفس في انتظار خروج الأم أو الزبون.
أما، الزوجة، الأم، فلا تعرف لحظات الفرح إلا حين تختلي بطفلتها وتلاعبها وترقص معها. وثمة مشهد مؤثر في الفيلم يشترك فيه شايباو معهما في الرقص بعد أن أوصل لها طلبية شاي.
يتصادق شايباو، إضافة إلى صداقته مع المدمن شيلوم، مع فتاة لا نعرف اسمها، سيطلق عليها شايباو اسم مركب يعني" العمر 16 الجميل". وهذه الفتاة عذراء غريبة لا تنطق طوال الفيلم ولا تخاطب شايباو إلا بالإشارات، جرى اختطافها من موطنها البعيد وجيء بها أسيرة إلى بيت العاهرات الذي باتت تعيش فيه مكرهة ليجري تهيئتها للمهنة من قبل القوادة، وقبل ذلك، بيع عذريتها لأول مشتر.
فتاة بريئة تنتظر مصيرها المجهول فيما يسيطر عليها الرعب، فلا تجد عزاء لها إلا حين يعطف عليها شايباو، ومن مظاهر هذا العطف تقديم شايباو هدية لها هي عبارة عن صوص جميل كان قد سرقه من اجلها من خم دجاج.
تعرض ميرا ناير كل هذا الواقع البائس ببساطة، تعرض ميرا ناير واقعا قاسيا ضحاياه متعايشين معه، تعرضه باعتباره مجرد واقع حال، ولا تسعى من وراء عرضها إثارة عواطف، ولا أحد إدانة أحد، الجميع أخيار وأشرار، وكان دواخلهم تعيش حالات الصراع بين نوازع الشر ونوبات الخير، هم قادرون على أن يسيئوا لبعضهم الآخر كما هم قادرون أحيانا على غفران الإساءات التي يتعرضون لها.
يعكس استخدام ميرا ناير المتكرر داخل الفيلم للأغاني الهندية الشائعة، خاصة منها التي تغني في الأفلام السينمائية الهندية، ليس فقط رغبة المخرجة في تبيان مدى تأثير هذه الأغاني على الناس، بل بشكل خاص مدى غربة هذه الأغاني وأجوائها عن الواقع وتناقضها معه.
في فيلم "سلام مومباي" اقتحمت المخرجة ناير عالم السينما الهندية بقوة منذ فيلمها الروائي الطويل الأول "سلام بومباي"(1988) والذي أصبح الفيلم الثاني في تاريخ السينما الهندية الذي يحصل على ترشيح أفضل فيلم أجنبي ضمن جائزة الأوسكار الأمريكية.
لا تقتصر أهمية الفيلم على تعرية الواقع الاجتماعي الذي يتحدث عنه، ولا على المأساة البشرية التي يعرضها، ولا على إنجازه الفني تصويرا وإخراجا، بل تكمن أهميته بخاصة في أن المخرجة رفعت من خلال فيلمها الطويل الأول قفاز التحدي في وجه ماضي وحاضر السينما الهندية الجماهيرية السائدة التي تتسم بغربتها عن الواقع الهندي شكلا ومضمونا.
بطل فيلم" سلام بومباي" صبي في حدود الحادية عشر من عمرة يضطر لمغادرة قريته فتسوقه الأقدار نحو مدينة بومباي ليستقر في واحد من أفقر أحياءها وليعيش بين حثالة المجتمع من لصوص ومدمني مخدرات، وهو يظل يأمل أن يتمكن من توفير مبلغ صغير من المال يتيح له فرصة العودة إلى قريته، لكنه يعجز عن تحقيق هدفه.
تسرد ميرا ناير حكاية الصبي بدءأ من مشهد في ضواحي القرية نراه فيه يساعد آخرين من رجال السيرك على تفكيك معدات وتجهيزات السيرك وجمعها في العربات. ويقترب مدير السيرك من كريشنا ويطلب منه الذهاب إلى القرية المجاورة لشراء علبتي تبغ له. وحين يعود كريشنا يكتشف أن السيرك قد رحل وبقيت أطلاله فقط في المكان.
بعد ذلك نرى كريشنا واقفا أمام كوة بائع التذاكر في محطة القطار، يمد له ما معه من مال طالبا تذكرة لأقرب مدينة فيقطع له البائع تذكرة إلى بومباي (بومباي معروفة كعاصمة للإنتاج السينمائي في الهند) ويقول له وهو يسلمه التذكرة: أرجو أن تعود إلينا نجما سينمائيا.
أول ما سيرى كريشنا في محطة القطار شاشة تلفزيون معلقا قرب الرصيف يعرض عليها فيلم هندي يبين الممثلة ترقص وتغني، وأول ما سيراه ما أن يخرج من محطة القطار في بومباي ملصقات الأفلام الهندية وصور نجومها (هنا سينتهي دور السينما التي لن يصبح كريشنا حتما واحدا من نجومها، ولن تعود المخرجة إلى السينما بعد ذلك إلا عندما تصور كريشنا وهو يجلس في مقعده في صالة السينما ويرقص ويغني بفرح عارم وهو يقلد بطلة الفيلم التي نراها في مشهد غنائي راقص).
تشكل هذه المشاهد الافتتاحية قطيعة مع المشاهد اللاحقة التي ستستمر على مدى الفيلم كله، حيث سنتعرف على بومباى لا كمدينة للسينما بل كمدينة فيها الكثير من البؤس والمعاناة. ما أن يسير كريشنا هائما في الشارع حتى يخطف منه لص شاب ما بحوزته فيبادر كريشنا لمطاردته، غير أن المخرجة لا تتابع الحدث بل سرعان ما تبين لنا كريشنا وهو يعمل كفتى توصيل لدى بائع الشاي في حي فقير مكتظ ببشره وبيوته. ومنذ هذه اللحظة سنعرف كريشنا باسمه الجديد وهو شايباو (بما يعني في الهندية صبي الشاي).
لا تشرح المخرجة كيف حصل كريشنا على هذا العمل، مرة أخرى سنفهم فقط لاحقا أن الفتى الذي سرقه، واسمه شيلوم، هو الذي عثر له على هذا العمل وصار صديقه الحميم حتى النهاية.
سنتعرف تباعا على هذا اللص شيلوم الذي صار صديقا لكريشنا وسنعرف انه يبيع المخدرات في الشوارع للسواح الأجانب وانه بدوره مدمن مخدرات وانه يعمل لدى مروج أكبر منه، سيقوم بطرده في النهاية، بعد أن يكتشف انه يخدعه، ليتركه أمام مصيره المحتوم، الموت.
أما المروّج فهو متزوج من امرأة تعمل بنت ليل وتعيش معه ومع ابنته الصغيرة، هذه الابنة التي تشكو من الوحدة ومن أن لا أحد يلعب معها في الحياة، والتي تراقب من خلف الزجاج أمها وهي تمارس عملها مع زبائنها الرجال (وبالطبع، من مهارات المخرجة أنها لا تجعلنا نرى ما تفعله الأم لكننا نرى فقط ما تفعله ابنتها الطفلة وهي تراقبها وتنتظرها)، فلا تستطيع أن تمنع نفسها من خرمشة الزجاج بأظافر أصابعها الطرية المتوترة ثم الجلوس على الأرض والانكفاء على النفس في انتظار خروج الأم أو الزبون.
أما، الزوجة، الأم، فلا تعرف لحظات الفرح إلا حين تختلي بطفلتها وتلاعبها وترقص معها. وثمة مشهد مؤثر في الفيلم يشترك فيه شايباو معهما في الرقص بعد أن أوصل لها طلبية شاي.
يتصادق شايباو، إضافة إلى صداقته مع المدمن شيلوم، مع فتاة لا نعرف اسمها، سيطلق عليها شايباو اسم مركب يعني" العمر 16 الجميل". وهذه الفتاة عذراء غريبة لا تنطق طوال الفيلم ولا تخاطب شايباو إلا بالإشارات، جرى اختطافها من موطنها البعيد وجيء بها أسيرة إلى بيت العاهرات الذي باتت تعيش فيه مكرهة ليجري تهيئتها للمهنة من قبل القوادة، وقبل ذلك، بيع عذريتها لأول مشتر.
فتاة بريئة تنتظر مصيرها المجهول فيما يسيطر عليها الرعب، فلا تجد عزاء لها إلا حين يعطف عليها شايباو، ومن مظاهر هذا العطف تقديم شايباو هدية لها هي عبارة عن صوص جميل كان قد سرقه من اجلها من خم دجاج.
تعرض ميرا ناير كل هذا الواقع البائس ببساطة، تعرض ميرا ناير واقعا قاسيا ضحاياه متعايشين معه، تعرضه باعتباره مجرد واقع حال، ولا تسعى من وراء عرضها إثارة عواطف، ولا أحد إدانة أحد، الجميع أخيار وأشرار، وكان دواخلهم تعيش حالات الصراع بين نوازع الشر ونوبات الخير، هم قادرون على أن يسيئوا لبعضهم الآخر كما هم قادرون أحيانا على غفران الإساءات التي يتعرضون لها.
يعكس استخدام ميرا ناير المتكرر داخل الفيلم للأغاني الهندية الشائعة، خاصة منها التي تغني في الأفلام السينمائية الهندية، ليس فقط رغبة المخرجة في تبيان مدى تأثير هذه الأغاني على الناس، بل بشكل خاص مدى غربة هذه الأغاني وأجوائها عن الواقع وتناقضها معه.