شهدت السعودية خلال الربع الأول من 2019 ليالي فنية، وحفلات ساهرة، زاد عددها عن 25 حفلة غنائية، أحياها نجوم الفن في الوطن العربي في كلٍّ من الرياض، وجدة، والمنطقة الشرقية، ومنطقة العلا التي أقيم فيها مهرجان «شتاء طنطورة السياحي».
وتم تقديم هذه الحفلات الفنية بدعم من الهيئة العامة للترفيه، والهيئة العامة للثقافة «اللجنة الفنية»، وقد أسهمت، بما فيها حفلات مهرجان «موسم الشرقية» الذي اختتم مؤخراً، في توفير أجواء ترفيهية وطربية رائعة، دشَّنت بها هيئة الترفيه هويتها الجديدة.
ومما لفت الانتباه، وزاد من الإقبال على هذه الحفلات العدد الكبير من نجوم الغناء في الوطن العربي والعالم الذين أبدعوا فيها، وقدموا أجمل أغنياتهم في الأجواء الشتوية الجميلة التي عاشتها السعودية، خاصةً تلك التي أقيمت في الهواء الطلق. «سيدتي» التقت عدداً من النقاد الفنيين، واستطلعت آراءهم حول المحصلة الفنية للربع الأول من العام الجاري.
شهد شهر يناير الماضي عدداً كبيراً من الحفلات التي أقيمت في مهرجان «شتاء طنطورة السياحي الأول»، وشارك في هذه الحفلات أبرز النجوم والموسيقيين العالميين، منهم الفنان العالمي بوتشيلي، وكابسون، والموسيقي اليوناني ياني، والموسيقار المصري عمر خيرت، الذين أوفوا بالعهد، وأبدعوا في حفلات «شتاء طنطورة»، التي شهدت كذلك حفلاً غنائياً ضخماً، استُخدمت فيه تقنية «الهولجرام» للمرة الأولى في الشرق الأوسط، وكانت بطلته الفنانة الراحلة أم كلثوم.
مفاجأة لعشاق الفن في السعودية
وفي نهاية يناير، قدمت هيئة الترفيه مفاجأة كبيرة لعشاق الفن في السعودية، إذ استقبلت النجمة العالمية ماريا كاري في حفلها الغنائي الأول بالبلاد، وذلك في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بجدة، وتحديداً في منطقة الترفيه على ضفاف الساحل الغربي، وشاركها في الحفل النجم العالمي تيستو وسط حضور جماهيري، كان الأكبر بين الحفلات الغنائية التي أقيمت في جدة، حيث توافد الآلاف لمشاهدة إبداعات النجمة ماريا كاري.
بينما شهد شهر فبراير في بدايته حفلاً مميزاً للفنانة بلقيس، التي غنَّت للمرة الأولى في السعودية بوجود العائلات، بمشاركة الفنان العالمي شون بول.
وفي 22 فبراير، قدمت هيئة الترفيه مبادرة مميزة بتكريم الفنان عبدالكريم عبدالقادر ضمن مهرجان «شتاء طنطورة»، وتحديداً في الليلة الختامية، ليكون هذا التكريم مسك ختام المهرجان.
وشارك في حفل التكريم الفنانان راشد الماجد، وماجد المهندس، مع إطلالة تاريخية ومميزة لعبدالكريم عبدالقادر، الذي قدَّم شكره إلى كل مَن وُجِدَ في الحفل احتفاءً بهذه المناسبة. وقام بتقديم التكريم إليه نائب وزير الثقافة السعودي.
وفي 28 فبراير تم تكريم الفنان الراحل أبو بكر سالم، وهذه المرة في الرياض، وذلك في ليلة وفاءٍ، حملت عنوان «ليلة في حب أبو أصيل»، شارك فيها 13 فناناً، حضروا للتعبير عن مدى حبهم الكبير لـ «أبو أصيل». وقد أطل الراحل بتقنية «الهولجرام» للمرة الأولى في الرياض تخليداً لذكراه، ما جعل فبراير شهر تكريم رموز الغناء في السعودية والخليج العربي.
أما شهر مارس، فأقيم فيه المهرجان الأول ضمن «مواسم السعودية»، وتحديداً في الساحل الشرقي «موسم الشرقية»، وشارك فيه نجوم الفن في الخليج والوطن العربي، حيث أطرب 12 فناناً وفنانة جمهورهم في الدمام، والخبر، والأحساء، والقطيف.
ومن المفارقات الجميلة في المهرجان إطلالة الفنانة أصالة نصري في حفلها الخامس بالسعودية، في أقل من تسعة أشهر، لتصبح بذلك أكثر النجوم والنجمات العرب مشاركةً في حفلات السعودية، كذلك شاركت الفنانة نجوى كرم في المهرجان، إذ اختتمت في إطلالتها الأولى بالسعودية «موسم الشرقية»، بينما تغنَّى الفنان رابح صقر في مسقط رأسه الأحساء للمرة الأولى ضمن حفلات المهرجان، وشارك أيضاً الفنانان مطرف المطرف، وحاتم العراقي للمرة الأولى في حفلات السعودية.
أما «فنان العرب» محمد عبده، فكان له نصيب الأسد من هذه الحفلات الغنائية في الربع الأول من العام الجاري، ففي شهر مارس الماضي، أحيا حفلتين غنائيتين، الأولى دعماً لمرضى «الزهايمر»، وأقامته الجمعية السعودية الخيرية لمرضى «الزهايمر»، بدعمٍ من الهيئة العامة للترفيه، وفيها قدَّم محمد عبده أغانيه عزفاً على العود، وكانت الحفلة الأولى التي يحييها الفنان محمد عبده ضمن فعاليات مصاحبة في السعودية.
بينما أحيا «فنان العرب» حفلته الثانية ضمن «موسم الشرقية»، وتحديداً في مدينة الأحساء، بحضور جماهيري غفير، في ثاني حفلات المهرجان، بتنظيم من «روتانا للصوتيات والمرئيات»، وقال خلالها «أبو نورة»: «أحساء الأصل، وأحساء المواهب وأحساء المبدعين». وأضاف «أنهيت قبل أيام حفلاً لجمعية الزهايمر»، مشيداً بالحضور الكبير في حفل الأحساء.
عطاء فني زاخر
وقدَّم «موسم الشرقية» عطاءً فنياً زاخراً، تمثَّل في الحفلات العالمية التي شهدتها الدمام، وشارك فيها النجوم العالميون: فرنش مونتانا، وأكون، وبيتبول، وديد ماوس، إضافة إلى الفنان عمرو دياب في المسرح الخارجي وسط حضور جماهيري غفير. والحفل هو الثاني لدياب في السعودية في أقل من ثلاثة أشهر.
بينما أقيم في الواجهة البحرية بالخبر حفل غنائي، جمع الفنانة السعودية وعد، والنجم العالمي جا رول.
ولم تكتفِ الهيئة العامة للثقافة «اللجنة الفنية» بهذا القدر من الحفلات في مارس، إذ قدمت حفلين غنائيين للفنانة أحلام في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض يومي 22 و23 مارس.
في حين، شهد الساحل الغربي، للمرة الأولى، حفلاً غنائياً مشتركاً، جمع الفنانين عبادي الجوهر، وأصالة نصري، اللذين غنَّيا معاً بطريقة الدويتو وشكَّلا لوحة فنية جميلة على المسرح الرئيس في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بجدة.
أتمنى رؤية فيروز على خشبة مسارح الفن
في حفلٍ ضخم بالسعودية
تحدث الناقد الفني حسن النجمي عن الزخم الكبير في الحفلات الغنائية التي شهدتها السعودية، قائلاً: «لاشك أن الحراك الفني والثقافي، أصبح ظاهراً للجميع، فأغلب الفنانين في السعودية والخليج والوطن العربي ينتظرون الدعوة للمشاركة في مهرجانات السعودية، وكل مَن يشارك فيها رابحٌ بالتأكيد». وأضاف: «أرى أن الجمهور السعودي، المتعطش للفن، أصبح يتفهَّم جيداً دور الفن، لذا يحضر بكثافة، وهذا دليل على أننا شعب محب للفن والثقافة والترفيه والحياة، وأتمنى أن تمتد هذه الحفلات إلى جميع مناطقنا، خاصةً الشمالية، التي تضم مناطق سياحية، وتتميز بأجوائها الجميلة، كذلك المنطقة الجنوبية، وعلى هيئة الترفيه، التي تعد الأكثر حرفية وإتقاناً في التنظيم، وشركة روتانا، تنظيم حفلات فيهما لتنشيط السياحة بالمنطقتين».
وتحدث النجمي عن مشاركة فنانين كبارٍ من العالم العربي في هذه الحفلات، مثل عمرو دياب، الذي أحيا حفلتين في السعودية، منها حفلته في «موسم الشرقية» منتصف مارس الماضي، قائلاً: «عمرو دياب من النادر أن يحيي حفلات في أي دولة عربية إلا ضمن مهرجانات يتم الإعداد لها جيداً، لأنه فنان دقيق، ويحرص على تقديم فن مميز، وقد جاءت حفلته في السعودية رائعةً، وحضوره جميلاً، واتضح مدى حبه الكبير للسعودية بإحياء حفلتين في أقل من ثلاثة أشهر، وقد استقبله الجمهور بأفضل شكل، وأرى أن عمرو دياب كان نجماً من العيار الثقيل، وأحيا حفلات فنية ناجحة في السعودية، والأرقام تشهد على ذلك، إضافة إلى تامر حسني، ومحمد حماقي، والنجوم العالميين الذين شاركوا في هذه الحفلات، وحسبما قرأت، فإن أي فنان عربي وعالمي، عُرِضَ عليه الغناء في الحفلات السعودية وافق فوراً على العرض لما تتميز به هذه الحفلات من أجواء جميلة وتنظيم راقٍ».
وتطرق النجمي إلى الشركات التي نظَّمت هذه الحفلات، مبيناً أنها تحرص على الظهور المشرَّف والراقي، وتنظيم الحفلات بأفضل شكل، بما يعكس الصورة الفنية الحضارية للسعودية.
وتمنَّى أن تتاح الفرصة للفنانين السعوديين المبتعدين عن الفن للمشاركة في هذه الحفلات، وألَّا تنحصر فقط على نجوم الصف الأول في الساحة الفنية فهؤلاء يستحقون الدعم أيضاً للعودة مجدداً إلى الواجهة الفنية في بلدهم، وقال: «هناك فنانون سعوديون ابتعدوا عن الأضواء، وأتمنى أن يعودوا خلال حفلات السعودية، منهم علي عبدالكريم، ومحمد عمر، وعبد الله رشاد، وأن تحاول الهيئة أيضاً استقطاب الفنان عبدالمجيد عبدالله، فوجوده مهم في الحفلات السعودية، كما أن كثيرين يتساءلون عن سبب غيابه، كذلك أتمنى مشاركة الفنانين السعوديين الشباب، منهم نايف البدر، وتركي، وعباس إبراهيم، وأن تلتفت الجهات المنظمة إليهم».
واختتم النجمي حديثه بالقول: «كم أتمنى رؤية السيدة فيروز على خشبة مسارح الفن في حفلٍ ضخم بالسعودية، فهي تستحق ذلك، وأن نقدم لها عملاً فنياً جباراً في وطننا، يُضاف إلى تاريخها العريق. إذا دخلنا تاريخ فيروز، فسندخل تاريخ الأغنية العربية من أوسع أبوابه، فهي أرقى صوت عربي».
آراء النقاد
وجود الفنانين العالميين
في حفلات السعودية له فوائد عدة
تحدث الناقد الفني عبدالرحمن الناصر عن الزخم الغنائي في الحفلات السعودية، مبيناً أن استنساخ الحفلات يُسبِّب الملل لدى الجمهور، الذي كان يتمنى حضور هذه الحفلات في وطنه في يوم ما، لكن ما حدث أنه عندما أزيحت الستارة عنها، قُدِّمت بشكل نمطي للغاية بدليل استمرار استقطاب الأسماء نفسها، وكذلك طريقة تقديم الأعمال الغنائية في هذه الحفلات، ما يؤدي إلى الخمول عند المتلقي، متمنياً أن يكون هناك تقنين للحفلات، وتنويع جغرافي لها في السعودية، وقال: «شهدت بلادنا أكثر من 20 حفلة، شارك فيها أهم نجوم الغناء في الخليج والوطن العربي والعالم، كان الرابح الأكبر فيها شركات الإنتاج التي تولَّت التعاقد مع هؤلاء الفنانين، وجاء ثانياً الجمهور، وفي رأيي، سيؤدي التكرار إلى ردة فعل عكسية بعدم حضور هذه الحفلات».
وأكد الناصر، أن «موسم الشرقية» يأتي أولاً من ناحية تعدُّد الأنشطة الترفيهية، والثقافية، والحفلات الشبابية والطربية والعالمية فيه، إضافة إلى الألوان الموسيقية، والحفلات التراثية، وقال: «بالنسبة إلي، أراه الأفضل مقارنة مع بقية المواسم التي أقيمت في المناطق الأخرى، ولا أنسى أيضاً مهرجان طنطورة، الذي جاء بصبغة عالمية، وأذهل جميع الحاضرين من خلال الأسماء الكبيرة التي شاركت فيه». وأوضح أن وجود الفنانين العالميين في حفلات السعودية له فوائد عدة، منها التعرُّف أكثر على الألوان الفنية الغربية، وتعزيز الثقافة السمعية، والتنويع في الفنانين المشاركين في حفلاتنا، وقال: «هناك فنانون كثر زاحموا نجوم السعودية والخليج، وأبهرونا بوعيهم الفني».
وأضاف الناصر: «أرى أن تكريم الفنان عبدالكريم عبدالقادر في مهرجان «شتاء طنطورة» علامة مضيئة في تاريخ الفن الخليجي، فهذا التكريم جاء بعد مسيرة فنية حافلة بالنجاحات، أسهمت في استقطاب الجيل الجديد للاستماع إلى أغانيه في مواقع التواصل الاجتماعي، والحرص على معرفة تاريخه الفني، وبل وتفضيله أيضاً على كثير من الفنانين الشباب».
واختتم الناصر حديثه بالقول: «خلال تكريم أبو بكر سالم في الرياض نهاية فبراير الماضي، كان من المفترض أن يقدم فيه كل فنان مشارك في الحفل عملاً، أو اثنين من أعماله، ولأن أبو بكر سالم تم تكريمه قبل رحيله، كنت أتمنى أن تبدأ حفلات التكريم بالراحل طلال مداح، فهو صاحب الخطوة الأولى، واللبنة الأولى في تاريخ الأغنية السعودية. أرى أن الحراك الفني في الربع الأول من العام الجاري يبشِّر بالخير، وزاد من وعي الجمهور، وطال الناحية الإعلامية، وهذا ما كنا نفتقده في السنوات الماضية في السعودية، وكنت أتمنى اختصار هذه الحفلات لنستفيد منها ثقافياً كما استفادت منها شركات الإنتاج مالياً، وأن تشمل جميع مناطق بلادنا، خاصةً الشمالية والجنوبية، وفتح المجال أمام جميع الفنانين للمشاركة فيها، إضافة إلى شركات الإنتاج الأخرى».
أقترح أن يكون هناك مهرجان لمدة شهر
أكدت الناقدة الفنية سهى الوعل أن الحراك الفني الكبير في الربع الأول من العام الجاري مؤشر إيجابي، إذ شهد إقبالاً كبيراً من الفنانين على المشاركة، بقوة وحماس، وهذا دليل واعتراف بأهمية الجمهور السعودي والسعودية على الخارطة الفنية العربية، وتأكيد على مدى ارتباطهم العاطفي بالسعودية، وقالت: «إقبال الفنانين على إحياء حفلات في مختلف مدن بلادنا، وانتظار استدعائهم بفارغ الصبر مؤشر فني جميل، وأتمنى ألَّا تكون هناك فوضى في إقامة الحفلات، وأن يتم تقنينها بتخصيص مهرجانات معينة، على سبيل المثال، إقامة مهرجانين في كلٍّ من الرياض، وجدة، والعلا، والشرقية، والأحساء، واستقطاب أفضل النجوم إليها، تجنباً للملل بين الجمهور، وتفادياً لنشاط السوق السوداء، ولكيلا يفقد الموضوع قيمته الفنية، ويصبح تجارياً، كذلك هناك كثيرٌ من الجهات ذات العلاقة بإقامة الحفلات لم يكن لها أي دور، وتم تفعيلها الآن لكن بشيء من الفوضى، كما رأينا جهات، نظَّمت هذه الحفلات استناداً إلى الجانب التجاري، وهذا السبب في مشاهدتنا حفلات ذات طابع راقٍ، وأخرى دون ذلك». وأضافت: «أقترح أن يكون هناك مهرجان لمدة شهر، أو ثلاثة أسابيع، يستقطب النجوم المرغوبين بدلاً من إقامة حفلة واحدة في كل مكان، تجنباً للفوضى». وتطرقت الوعل إلى الرابح الأكبر في هذه الحفلات، قائلة: «في السابق، كنا نقول: إن الجمهور سيكون الرابح الأكبر منها، لكن ما حدث أن شركات الإنتاج كانت الرابح الأكبر، على الرغم من فوضى التنظيم، كذلك الحال مع الفنانين الذين ربحوا التقاء الجمهور السعودي للمرة الأولى وحققوا حلمهم بالغناء في السعودية».
وتحدثت كذلك عن «موسم الشرقية» قائلة: «المهرجان رائع، وبنيةٌ فنية جيدة، وقد أثبت من بين جميع المواسم بأن السعودية بيئة فنية قوية، والجمهور السعودي ذواق للفن، ومستمع جيد للأغنية، ويقدِّر الفن».
وأخيراً، انتقدت الوعل طريقة استضافة الفنانين العالميين في السعودية، بالقول: «لم نرَ هناك أي تأثير لاستضافة النجوم العرب والعالميين، كل فنان له طبيعته، ولونه الغنائي الخاص به، وأرى أن استضافة الفنانين الأجانب يجب أن يتم عبر مهرجان موسيقي عالمي ضخم ومنظم جيداً، خاصةً أن هناك أسماء مهمة، تحتاج إلى أماكن مناسبة لتقديم إبداعاتها لا في أماكن بعيدة، يصعب على الصحافة والإعلام الالتقاء بهم. باختصار، هناك فوضى في هذا الموضوع، ويحتاج إلى تنظيم أكبر فلا يمكن أن نقدم كل فنان عربي وعالمي في مكان منفصل، ثم ننشد الكمال».