لم تحزن العاصمة الفرنسية باريس وحدها لحريق أشهر معالمها الأثرية والتاريخية «كاتدرائية نوتردام»، بل حزنت أيضاً معظم عواصم وشعوب العالم الذين زاروا هذه الكاتدرائية مراراً عدة خلال حياتهم، وتجولوا في أرجائها، والتي يفوح فيها تاريخ باريس على مدار أكثر من 8 قرون من الزمن، هو عمرها الذي يتخطى الـ850 عاماً.
وبعد أن التهم حريق هائل الكاتدرائية فجأة، أكدت التحقيقات أنه غير متعمد، وجمعت مئات الملايين من اليورو والدولارات لترميمها وإصلاحها، واجهت باريس مشاكل عدة في مشاريع إصلاحها وترميمها.. ماهي؟
النقص في اليد العاملة الماهرة، يمثل عنصراً أساسياً من شأنه تحديد وتيرة العمل والتأثير حتى على بعض القرارات المتّخذة خلال عملية ترميم كاتدرائية نوتردام في باريس.
ويرجح مهندسو المعمار الذين عملوا في ورش بناء لترميم مبان تاريخية، أن العقبات التي تواجههم تتلخص في عدم توفر العدد الكافي من الحرفيين المهرة للقيام بأعمال الترميم، إلى جانب تحديدات أخرى تفرض عليهم عدم احترام التصاميم الأصلية لهذه المعالم، وهي نفس العقبات التي طرحوها فيما يتعلق بترميم كاتدرائية نوتردام في باريس بعد الحريق الهائل الذي نشب فيها.
لم تكن معاناة كاتدرائية نوتردام مقتصرة على الحريق الذي سبب لها أضراراً جسيمة، بل اتضح أن عملية الترميم تبدو تحدياً لا يستهان به، في ظل نقص الحرفيين الأكْفَاء للقيام بهذه المهمة، بالإضافة إلى خلاف الخبراء حول احترام التصاميم الهندسية الأصلية في الكاتدرائية.
وقال فرنسيس مود، مدير مكتب الهندسة دونالد إنسال أسوسييتس في لندن: «إن إيجاد ما يكفي من الحرفيين الذين يحترفون صناعة الحجر والخشب والرصاص والزجاج هو تحدّ يواجه القطاع في أوروبا برمتها».
وأردف مود -وهو مهندس معماري شارك في ترميم قصر ويندسور- قائلاً: «تواجه مشاريع ضخمة أخرى الصعوبات عينها، مثل ورشة مبنى البرلمان في ويستمنستر، الذي نقوم بترميمه حالياً»، مضيفًا أن «يشكل نقص اليد العاملة الماهرة عنصراً أساسياً من شأنه تحديد وتيرة العمل والتأثير حتى على بعض القرارات المتّخذة خلال عملية الترميم»، بحسب موقع «العرب».
وفي عام 1992 اجتاح حريق مقرّ الإقامة المفضّل للملكة إليزابيث الثانية، المشيّد في القرن الحادي عشر. ورمّم الموقع خلال سنتين بكلفة 36.5 مليون جنيه إسترليني، وأنجزت الأعمال في 1997، وأعيدت أجمل القطع إلى شكلها الأصلي، في حين تم تحديث قطع أخرى.
وإلى جانب نقص الحرفيين الأكْفَاء القادرين على إتمام عملية الترميم على أكمل وجه، بما يعيد الكاتدرائية إلى شكلها السابق، تبرز عقبة أخرى تتمثل في الخلاف حول آليات الترميم.
وفي نظر مود، قد تثير مسألة احترام التصاميم الهندسية الأصلية في الكاتدرائية «نقاشاً حاداً» خلال ورشة الإعمار، وقال: «يظنّ البعض أن الطريقة الوحيدة لترميم نوتردام، تقضي بإعادتها إلى شكلها الأصلي».
غير أن القيّمين على هذه الورشة، قد يستوحون بعض الأفكار من أعمال الترميم التي أجريت بعد الحرب العالمية الأولى لكاتدرائية رينس الفرنسية، حيث استخدم الفولاذ المضاد للحرائق في هيكلية السقف.
وقد شهدت الكاتدرائية تغيّرات عدة على مر التاريخ، بحسب مود الذي أشار إلى أعمال المهندس الفرنسي أوجين فيوليه-لو-دوك في القرن التاسع عشر.
ومن الممكن تحديث أجزاء مختارة بعناية من الكاتدرائية الباريسية لجعلها أكثر أماناً، لكن لا بدّ من الانتظار أشهراً قبل انتهاء أعمال تنظيف هذا الصرح، وإنجاز دراسة تقييمية لمعرفة ما يمكن فعله تحديداً.
ولفت مود إلى أنه ينبغي الأخذ في الحسبان، أن جزءاً كبيراً من الكاتدرائية مشيّد من الحجر الجيري، موضحاً أن هذا الحجر الكلسي «يتحلّل نتيجة تفاعل كيميائي»، وقت تعرضه لحرارة مرتفعة جداً تفوق 800 درجة «فيصبح من الصعب جدّا إعادة استخدامه»، أما الهيكلية الداخلية للكاتدرائية البسيطة التصاميم، فمن السهل ترميمها مقارنةً مثلاً بقصر ويندسور، حيث أدت قرون من إعادة التقسيم إلى إنشاء شبكة معقدة خلف الجدران.
ولا يخفي المهندس المعماري حماسته في حال دعي إلى المشاركة في أعمال ترميم نوتردام، التي ستشكّل في رأيه فرصة لإضفاء زخم جديد على هذا الصرح الكبير، وقد يكون الحريق في هذه الحالة قد أتاح «مناسبة لتجديد» نوتردام، على حدّ تعبيره، مع فتح آفاق جديدة لوضع «لمسات فنية عصرية» على هذا المعلم التاريخي.
ويتوقع من هذا الحديث، أن تستغرق عمليات ترميم الكاتدرائية أعواماً عدة، لتطلبها دقة فنية وهندسية عالية للحفاظ قدر الإمكان، على هويتها التاريخية ومعالمها الأصلية.
ويذكر أن الكاتدرائية كانت تستقبل 13 مليون زائر سنوياً منذ عقود من الزمن، ويأمل محبو الفنون والآثار أن تعود الكاتدرائية العريقة إلى سابق عهدها في فترة وجيزة من الزمن.