الكرة الأرضية، البعض يصفها بأنها "بيتنا"، والبعض الآخر يراها "وطننا الجامع"، وفريق ثالث يسميها "أمنا الأرض". وبغض النظر عن التوصيف الذي قد يكون مناسباً أكثر، إلا أنها جميعها تتفق على أن كوكب الأرض هو مكاننا الذي لا بديل لنا عنه. حتى ولو تمكن الإنسان من غزو واحتلال كواكب أخرى. ولكن.. علينا الإعتراف أن "بيتنا" أو "وطننا الجامع" أو "أمنا الأرض"، مريضة وتعاني كثيراً خلال الحقب الأخيرة الماضية.
جهود كثيرة حول العالم، تحاول أن تركز على ما يعانيه كوكبنا من مشاكل، وتحاول أن تخلق وعياً بشأن الكثير من الأمور التي تؤثر على كوكبنا، وأن تلفت النظر إلى أننا بحاجة إلى قرارات كبيرة لإنقاذ الكوكب من كل ما يمرّ به من تلوث وتغير مناخي وغيرها من هذه المشاكل. لذلك اختار العالم أن يحتفل ويطلق صرخته بهذا الشأن بشكل رسمي، خلال يوم واحد في العام على أقل تقدير. فكان يوم 22 نيسان/أبريل من كل عام هو "يوم الأرض". فما قصة هذا اليوم التي لا يعرفها الكثيرون..؟
يوما الأرض العالميان..
تاريخ ظهور "يوم الأرض" متداخل للغاية، والدعوات الكثيرة التي تم إطلاقها بهذا الشأن، يفرق بينها أيام وشهور قليلة، حيث أنه وقبل شهر فقط من إطلاق منظمة الأمم المتحدة، خلال عام 1970، يومها العالمي للأرض، والذي أطلق عليه منذ عام 2009 "اليوم الدولي لأمنا الأرض". كان السيناتور الأمريكي "غايلورد نيلسون"، قد لفت الأنظار إلى ضرور وجود هذه المناسبة، ودعا حينها إلى إطلاق يوم بيئي تثقيفي يحتفل فيه العالم كله، بهدف إلى نشر الوعي والتركيز على الاهتمام الحقيقي بالبيئة الطبيعية لكوكب الأرض.
الكارثة التي أطلقت صرخة "نيلسون"..
بدأت الحكاية في 28 كانون الثاني/يناير من العام 1969، عندما زار السيناتور "نيلسون"، من ولاية "ويسكونسن" الأمريكية، مدينة "سانتا باربارا" على سواحل ولاية كاليفورنيا برفقة مساعده "دنيس هايس"، عقب حادثة انفجار أحد آبار النفط التابعة لشركة "يونيون أويل بلاتفورم إيه Union "Oil Platform A، والذي تسبب حينها بكارثة بيئية هائلة، بعد أن تسرب أكثر من 3 ملايين غالون نفط إلى مياه المحيط. وهو الأمر الذي نتج عنه مقتل ما يزيد عن 10 آلاف من الطيور البحرية والدلافين وأسود البحر وغيرها من المخلوقات الأخرى. ما ولّد غضباً كبيراً لدى "نيلسون" حينها.
دعا السيناتور الأمريكي في ذلك الوقت، جميع الأشخاص المهتمين بالشأن البيئي، إلى توصيل أصواتهم للدفاع عن البيئة، وعمل على تأسيس "يوم الأرض" والإحتفال به في 22 نيسان/أبريل. وبالفعل تم إطلاق أول يوم للأرض في العام التالي 1970. إلا أن هذه المناسبة كان يتم الإحتفال بها في الولايات المتحدة الأمريكية فقط. وفي الوقت نفسه كان هناك جندي مجهول آخر، تابع العمل على هذا الأمر، وهو مساعد السيناتور ورفيقه بتلك الرحلة.. "دنيس هايس".
أكمل "هايس" ما بدأه السيناتور "نيلسون"، داعياً جميع المنظمات والمهتمين إلى تكثيف جهودهم ورفع أصواتهم لمحاولة حماية الأرض، وقام بتأسيس منظمة "ذي بوليت فانديشن "The Bullit Foundation، التي عمل من خلالها على بذل جهود كبيرة حتى يصبح هذا اليوم عالمياً وليس خاصاً فقط بالولايات المتحدة. وبالفعل، نجح في العام 1990 بجعل 141 دولة حول العالم تحتفل بهذا اليوم. واعترف "هايس" أن صاحب الفضل الأكبر في جعل هذه المبادرة تخرج إلى العالم هو السيناتور "غايلورد نيلسون".
يوم الأرض في وقتنا الحالي..
بعد جهود كل من "غايلورد نيلسون" و"دنيس هايس"، أصبح يوم الأرض يُحتفل به في أكثر من 192 دولة، وذلك بالجهود التي تبذلها "شبكة يوم الأرض". حتى أن هنالك عدداً من الدول تحتفل به على مدار أسبوع كامل "أسبوع الأرض"، بدءاً من 22 نيسان. ليكون هذا اليوم صرخة مدوية بوجه كل الذين يحاولون قتل كوكبنا في سبيل مصالحهم وصناعاتهم، وفي وجه كل هؤلاء الذين لا يلقون بالاً بأمر بيتنا الوحيد، من خلال ممارساتهم التي تؤثر على البيئة وتدمر الكوكب.
اليوم الدولي لأمنا الأرض..
بعد شهر واحد من من إطلاق السيناتور الأمريكي "غايلورد نيلسون" ليوم الأرض في الولايات المتحدة. اقترح ناشط السلام الشهير "جون ماكونيل" في العام 1969 خلال مؤتمر عقدته منظمة الـ"يونيسكو" في مدينة "سان فرانسيسكو" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، إطلاق يوم عالمي لتكريم كوكب الأرض، على أن يتم الإحتفال فيه بتاريخ 21 آذار/مارس من العام التالي 1970، واختار هذا التاريخ لأنه يوافق أول يوم من "الاعتدال الربيعي" في نصف الكرة الشمالي.
رغم الموافقة على هذا الاقتراح، إلا أن العالم استمر بالإحتفال بيوم الأرض في 22 نيسان حتى يومنا هذا. وخلال العام 2009، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يوم الأرض الذي يُحتفل به في كل عام بالعديد من البلدان، أن يكون وصفه "اليوم الدولي لأمنا الأرض"، بعد الموافقة على مشروع قرار تقدمت به دولة بوليفيا". ومنذ ذلك الحين يحتفل به العالم بهذا التاريخ. وكان قرار المنظمة الأممية هذا من خلال سعيها لتحقيق التوازن العادل بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأجيال الحالية والمستقبلية، ولتعزيز الانسجام مع الطبيعة والأرض.
وفي كل عام، تدعو الجمعية العامة جميع الدول الأعضاء، ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية ودون الإقليمية، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المعنيين، إلى الاحتفال بـ"اليوم الدولي لأمنا الأرض" والتوعية به.
موضع 2019: أمنا الأرض وما يتصل بالتعليم وبتغير المناخ
وبحسب ما نشره الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، فإن تغير المناخ هو واحد من أكبر الأخطار التي تهدد التنمية المستدامة على مستوى العالم، وهو فضلاً عن ذلك واحد من عديد الاختلالات الناجمة عن الأعمال غير المستدامة للبشرية، التي لها آثار مباشرة على الأجيال المقبلة. وتابعت المنظمة الأممية أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وكذلك اتفاق باريس، تشجع التعاون الدولي بين الأطراف في ما يتصل بمجالات التعليم والتدريب وتوعية الجمهور بشأن تغير المناخ والمشاركة العامة وتيسير حصول الجمهور على المعلومات.
كما أشارت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة، يستضيف قمة العمل المناخي لعام 2019 في 23 أيلول/سبتمبر لمواجهة تحديات المناخ وتعزيز الطموحات والإسراع في اتخاذ إجراءات تنفيذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ. على جانب آخر، ربما يكون يوم الأرض، الموضوع الوحيد الذي يتم الإحتفال به بمناسبتين مختلفتين في التاريخ نفسه، يوم الأرض الذي أطلقه السيناتور "نيلسون" وتابع العمل عليه مساعده "هايس". واليوم الدولي لأمنا الأرض الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة خلال العام 2009.