تعرف نساء الورد العطري بمنطقة قلعة "مكونة" بإقليم تنغير المغربي جنوب شرق البلاد بكونهن من العاملات المثابرات اللواتي يشتغلن من أجل حياة كريمة وتحصيل لقمة عيش مع مراعاة خصوصية منطقتهن الغنية بالورد. طموحهن ليس جني المال الكثير، بل يسعين إلى ضمان دخل يفي باحتياجتهن في منطقة يغلب عليها الطابع الفلاحي خاصة بزراعة وتقطير الورد.
وتنتمي أغلب نساء الورد العطري إلى حوض دادس المتكون من مناطق قلعة مكونة، وسوق الخميس، وآيت سدرات السهل الغربية، وآيت سدرات السهل الشرقية، وآيت واسيف، واغيل نومكون وبومالندادس، وآيت يول وايت سدرات الجبل.
تعاونيات للنساء فقط
تعمل هؤلاء النساء في حقولهن الخاصة التي يزرع بها الورد العطري الذي يقبل عليه التجار أو الفلاحون الكبار، أو من خلال تأسيس تعاونيات نسائية تسيرنها بمفردهن، بتعاون مع كل النساء لتحسين مدخولهن، أو عبر المساهمة في التعاونيات الفلاحية التي أصبحت تنتشر بشكل كبير في المنطقة.
وتتميز الأراضي الفلاحية بالمنطقة بصغر ملكيتها وانتشار ظاهرة تقسيم الأراضي بحدة، حيث إن أكثر من 80 في المائة من الضيعات لا تتجاوز مساحتها 0.5 هكتار.
وتقبل العديد من نساء الورد على جمع محصولهن وبيعه للتعاونيات المنتمية للمنطقة والمناطق المجاورة من أجل إعادة تسويقه وبيعه، وبالتالي الحصول على دخل قار يغنيهن عن التجول لبيع منتوجهن.
وتقوم التعاونيات باقتناء ما قطفته أيدي العاملات من الحقول وتسويقه في العديد من المدن المغربية، من أجل الرفع من مداخيل الأسر التي تعيش من خلال زراعة وجني المحاصيل الزراعية المحلية.
وتقول يامنة آيت الغزوان إنها تعمل في حقول الورد العطري منذ أن بلغت سن الرشد، تنهض في الصباح الباكر من أجل الاستعداد لعمل يدوم يوماً كاملاً من خلال قطف الورود وتجميعها وإعدادها لنقلها للتعاونيات.
وعبرت آيت الغزوان عن سعادتها بهذا العمل الذي وعت عليه منذ نعومة أظافرها ولا يمكنها التخلي عنه لأنه مورد رزقها بعد أن هجرت الدراسة في وقت مبكر لمساعدة عائلتها مادياً.
فرص العمل في الورد
توفر التعاونيات فرصاً لتشغيل نساء المناطق التي تنتمي إليها، لكي يقمن بتقطير الورد العطري الذي يتميز بجودة عالية ورائحة مميزة. وتساهم النساء في تقطير الورد واستخراج عطر الورد، واستخلاص مائه الذي يستغل في استعمالات متعددة. ويعتبر تقطير الورد العطري من الممارسات القديمة في قلعة مكونة، ويظل مهماً بالنسبة للعديد من الأسر، نظراً للطلب المحلي المتزايد الذي يستلزم مضاعفة الجهود من أجل تلبية الحاجيات.
ولهذا قالت فاطمة، المنحدرة من قلعة مكونة، إنها تعلمت عمليات التقطير بالآلات الحديثة التي جلبها مسؤولو التعاونية التي تشتغل بها، مبرزة أن هذه العملية تجعل الورد يتمتع بخصائص تجارية كبيرة ويوفر فرصة سانحة من أجل تثمينه واستغلاله بالشكل الأمثل، خاصة أن مستخلصاته تحظى بالإقبال من طرف المغاربة والأجانب الذين يحجون إلى المنطقة من أجل ذلك، لاسيما خلال تنظيم الملتقى الدولي للورد العطري بقلعة مكونة.
ماء وزيت وعجينة ورد
تنتج هؤلاء النساء ماء الورد وهو عبارة عن سائل عديم اللون ذي عطر مميز، ينتج على طريق تكثيف المياه في عملية تبخير وتقطير الوردة للحصول على محلول مائي يحتوي على نسبة ضئيلة من الزيوت الأساسية. ويقمن أيضاً بإنتاج الزيوت الأساسية للورد عن طريق عملية التقطير، حيث يتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من الزيوت الأساسية للورد كمية متوسطة من الأزهار الطرية ما بين 3500 و4000 كيلوغرام. إضافة إلى ذلك، تحرص النساء القرويات على إنتاج ما يسمينها «عجينة الورد» وهي عبارة عن مادة كثيفة صلبة أو شبه صلبة تستخلص من الوردة عن طريق مذيب متطاير غير سائل، وكذا «مركز الورد» الذي يحصل عليه بغسل عجينة الورد بالكحول ثم يتم تبريده لترطيب المواد الذهنية وإزالتها عن طريق الترشيح ثم يتم التخلص من الكحول عن طريق التقطير للحصول على مركز الورد.
ولا يقتصر الاهتمام بنساء الورد فقط في تشغيلهن، بل تنظم لهن مسابقة لاختيار الأجمل بينهن، لتتوج بلقب «ملكة جمال الورد»، مع فتح باب المشاركة لكل النساء المنحدرات من المنطقة.
وتتسابق فتيات في مقتبل العمر للظفر بلقب ملكة الورد في منطقة يغلب عليها عطر الورد الفواح من حقولها المتناثرة التي تنتج أجود الورود في العالم والمغرب.
ويتم الاحتفال بشكل بهيج بالمنتوجات بتنظيم كرنفال رسمي يجوب شوارع مدينة قلعة مكونة، انطلاقاً من بوابة الملتقى الدولي للورد العطري ليصل إلى الساحة الكبرى التي يتجمهر فيها السكان المحليون والسياح والمدعوون لهذا الحدث الكبير، مع تقديم وصلات غنائية لفرق فلكلورية وشعبية متنوعة.
المغرب الثالث عالمياً في إنتاج الورد العطري
ويأتي تنظيم الملتقى ليعزز مساء العمل الذي يتم القيام به، حيث تؤكد الجهات المختصة في مجال الورد العطري بالمغرب بأنه يعد من الأزهار الغنية جداً بالمواد العطرية، حيث تختلف نسبة تركيزها حسب الصنف والعوامل البيئة والمناخية والتقنيات الفلاحية المعتمدة.
انتاج الورد العطري بالأرقام
وكانت معطيات لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، قد أكدت أن إنتاج الورد العطري بالمغرب ارتفع من 2500 طن سنوياً، قبل إطلاق مخطط المغرب الأخضر (2003-2007)، إلى 3350 طناً بالسنة خلال الفترة 2015-2018.
يعتبر المغرب ثالث منتج في العالم للورد العطري، حيث تبلغ المساحة المزروعة بالورد 880 هكتاراً.
تاريخ الورد المغربي
كان الحجاج المغاربة هم الذين أدخلوا نبتة الورد العطري من الشرق الأوسط إلى واحة دادس مكونة بإقليم تنغير جنوب شرق المغرب الذي أصبح يهيمن على الإنتاج المغربي من هذا الورد النموذجي.
وقد شرع المغاربة في تقطير الورد في بداية القرن العشرين، وتم في ثلاثينيات القرن الماضي تأسيس أول وحدة عصرية بالمنطقة لتقطير وتحويل الورد العطري.
وتعتبر زراعة الورد العطري من بين الزراعات الخاصة بمنطقة تنغير جنوب المغرب، حيث تنحصر في حوض دادس مكون بالجماعات الترابية قلعة "مكونة"، وسوق الخميس، وآيت سدرات السهل الغربية، وآيت سدرات السهل الشرقية، وآيت واسيف، واغيل نومكون وبومالندادس، وآيت يول وايت سدرات الجبل.