لطالما عانى المسلسل السعودي من معوقات عدة، حدَّت من وصوله إلى العالمية، في مقدمتها ضعف النصوص.
هذا الأمر بدا واضحاً للمشاهد، ونقطة انتقادٍ من قِبل المتخصصين، إذ رأى النقاد أن هذه النصوص ليست إلا ارتجالاً، يخلو من أسس الكتابة والتخطيط السليم، وأنها تحتاج إلى كثير من التنقيح والمراجعة حتى يخرج النص متكاملاً وجديراً بتقديمه للمشاهدين.
«سيدتي» التي رصدت استياءً عاماً من المسلسلات الدرامية السعودية ونصوصها، التقت عدداً من كُتَّاب الدراما والسيناريست للحديث عن أسباب هذا الضعف الملحوظ، والمعوقات والصعوبات التي تواجههم في الكتابة.
تحديات الكتابة
بدايةً، حدَّثنا السيناريست وصانع الأفكار والمدرب الإعلامي المعتمد ومقدّم الدورات التدريبية في الكتابة والسيناريو حمود الباشان، عن ضعف النصوص الدرامية، إذ كشف عن أن «كاتب السيناريو يواجه تحديات عدة، منها الجانب المالي مع بعض المنتجين، والجانب المهني بتعديل النصوص التي يكتبها من دون مناقشته، أو التعديل بعد مناقشته بذريعة أن المنتج قد اشترى النص! وهنا نقع في حرج تعديل الصورة أمام المنتجين والمشاهدين، إلى جانب عدم وجود آلية تحفظ حقوقنا الفنية والأدبية والمالية. وإذا أردنا خوض تجربة فريدة داخل تلك الجهات بشكل طبيعي، فسنعاني من عدم تفهُّم بعضها طبيعة عملنا، هذا إضافة إلى عدم تسليط الأضواء في الصحافة الفنية على الكُتَّاب بالقدر الكافي الذي يحظى به الممثلون النجوم والمخرجون، على أن الكاتب ارتضى منذ البداية أن يكون عَرَّاب الأفكار والرسائل التي تلهم المشاهد، وتنقله إلى عوالم ممتعة».
وعن ضعف النصوص، أوضح الباشان «حينما يوجد المنتج الفنان والشغوف بالفن، سيُوجد الكاتب السعودي الذي يقدم نصوصاً قوية وذات قيمة عالية للمشاهدين، وهذا يرتبط بالنظر إلى النص على أنه أساس العمل الفني من قِبل المنتجين، ما يدفعهم إلى البحث عن نصوص قوية، وكُتَّاب متمرسين، وعدم إسناد كتابة الأعمال إلى ضعيفي الكتابة ومتدني الأجور وجاهلي الثقافة السعودية لخفض التكلفة الإنتاجية، لأنهم في النهاية سيكونون الخاسر الأكبر من ذلك بعدم الاستثمار في الأفكار والنصوص القوية التي تُعد جوهر نجاح العمل الدرامي. وحتى ننافس عالمياً يجب أن نخرج من نطاق المحلية في طرح الأفكار، ونطعِّم الأعمال بعناصر الإدهاش والإثارة والجذب، أو الانطلاق من البيئة المحلية، وقص حكاياتنا بطريقة جاذبة للعالم كله، وتقديم قيمة فنية وأدبية وجمالية لا تقتصر على مخاطبة القرى والمدن والثقافة المحلية، هذا إضافة إلى استخدام الأساليب والتقنيات الحديثة، واستجلاب كوادر عالمية مبدئياً، ودمج الشباب السعودي بالعمل معهم للتعلم منهم، وتوفير بيئة وكوادر ومعاهد وكليات وجهات حقوقية وجهات داعمة حتى تنشأ وتستمر هذه الصناعة التي من شأنها دعم وتقوية الاقتصاد الوطني وتعزيز السياحة في وطننا الحبيب».
عدم التفرغ
واتفق الكاتب والمخرج السينمائي فهد الأسطاء (مؤلف مسلسل «42 يوم» في رمضان 2016 وحلقات درامية من «هذا حنا» في رمضان 2013) مع الباشان حول فكرة ضعف النصوص والأعمال الدرامية، مؤكداً أن «الأعمال الدرامية السعودية ضعيفة، وأحياناً سيئة بشكل مضر، لذا علينا أن نبحث عن أسباب هذا الضعف. وبرأيي، تكمن في أن الأعمال تكون غالباً عفوية جداً، ولا منهج واضحاً لها، فالجميع يمكنهم الكتابة بحسب الظروف، أو العلاقات بغض النظر عن مستواهم وموهبتهم، بما أنه ليس عملاً احترافياً يستلزم التفرغ، وهناك أيضاً أسباب تتعلق بالكُتَّاب أنفسهم، منها الجمود الفكري، وعدم الرغبة في التطور بالاطلاع على الأعمال الدرامية الناجحة، والخضوع للدورات المتخصصة، وتعزيز ثقافتهم العامة، ما يؤدي إلى ضعف جودة النصوص الدرامية». وأضاف «مما لا يحفز على تقديم الأفضل، ضعف الأجر المادي الذي نتقاضاه، فهو قليل جداً.
كما أن الوقت الذي يجب علينا الكتابة فيه قصير، إذ يُطلب منا إتمام الأمور بسرعة بسبب طبيعة الإنتاج العشوائية لدينا، كما أننا لسنا متفرغين لهذه المهنة، بالتالي لا نأخذ الوقت الكافي للكتابة وللتفكير والبحث والتقصي، وهنا أتكلم عن الكاتب الذي يمتلك الموهبة، والكتابة لدينا إجمالاً لا تزخر بأسماء مميزة ذات تجارب طويلة».
وحول الإنتاج، شدد الأسطاء على أن «الأعمال الدرامية السعودية ينقصها المنتج، فليس لدينا منتج فعلي، بالمعنى الحقيقي لدور المنتج فنياً، خصوصاً أنه المحور الأساس فمن خلاله يتم تخطيط العمل، وبناء الأفكار، واستحضار أفضل الكُتَّاب والمخرجين، وبقية الطاقم، وتقديم الدعم المادي الكافي. المنتجون لدينا أقرب إلى تجار الشنطة والوسطاء والسماسرة».
تحريف النصوص
فيما أكد السيناريست عبدالله الوليدي (سيناريست شارك في رمضان عبر مسلسل «شباب البومب8») أن المنتجين يحرِّفون النصوص، كاشفاً أن الكتّاب يواجهون كثيراً من الصعوبات في التعامل مع بعض المنتجين، كونهم يتدخلون في النص بالتعديل عليه، ما يُدخل الكاتب في حالة إحباط، وقال: «النصوص الحقيقية ليست ضعيفة، لكنَّ عقلية بعض المنتجين والمخرجين، تجعل من العمل المعروض ضعيفاً. حين تعود وتقرأ العمل على الورق، تجده متكاملاً ومختلفاً عما عُرض. لذا، حتى نصبح الأفضل لا نحتاج إلا إلى منتج يصرف على عمله جيداً، ويختار نصاً مناسباً ومخرجاً خبيراً، مع الابتعاد عن التكرار الذي نراه ويمل منه المشاهد».
الكاتب الموهوب والمتسلق
أما الكاتب والممثل أحمد الزهراني (كاتب «شباب البومب»)، فتحدث عن الصعوبات التي تواجه الكاتب الموهوب، موضحاً أن «معظم الكُتَّاب في السعودية نتاج تجارب المحاولة والخطأ، أو الصدفة التي تجمعهم بمنتج أو بنجم من نجوم الفن، لذا من أهم الصعوبات التي يواجهها الكاتب الموهوب عدم وجود مرجعية واضحة، تحدد الفرق بينه وبين الكاتب المتسلق، إن صح التعبير. الضعف في النصوص ملموس، وواضح جداً حتى في أنجح الأعمال لدينا مثل «طاش ما طاش»، والسبب وراء ذلك أن الكاتب يكتب وفق ضوابط وشروط إنتاجية من شأنها الحد من خياله وإبداعه، إضافة إلى اعتياد المنتجين والكُتَّاب على سياق معين، يتكرر دائماً، وهو طرح مشكلة اجتماعية، ثم محاولة علاجها بقالب كوميدي أو تراجيدي، وتُعد هذه الطريقة الأسهل للوصول إلى إعجاب المشاهد، لذا تشكِّل أي محاولة لكسر هذا الروتين مجازفة قد يفشل فيها النص بسبب محدودية الإمكانات في الإنتاج والتمثيل لدينا».
وحول ما ينقص الأعمال الدرامية السعودية، قال الزهراني: «حقيقةً، ينقص أعمالنا كل شيء، فالعملية الإنتاجية لدينا تعاني من شلل نصفي، إن صح التعبير أيضاً، ولطالما سمعنا التهمة المتكررة من قِبل نجوم التمثيل والإخراج، وهي أن معضلة الدراما لدينا تكمن في عدم وجود نص جيد! وكأن النص هو العنصر الوحيد الذي يقف بين الدراما السعودية والعالمية! وهذا إسقاط واضح. الحقيقة المؤسفة أن لدينا شُحاً في الممثلين الحقيقيين، فعلى الرغم من أن عددهم لا بأس به، إلا أن غالبيتهم مجرد أشخاص يؤدون النصوص لا أكثر، والدليل أن العنصر الأبرز في نجاح غالبية الأعمال العربية والخليجية ليس النص وحده».
فجوة العرض والطلب
انتقد الكاتب أحمد السهيمي (شارك في كتابة مسلسل «04» عام 2012 وكتب 25 حلقة من «سوبر محصل» الذي حقق الجائزة الفضية في الدراما الكوميدية ضمن مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون الـ 14) من جهته، أسلوب شركات الإنتاج في التعامل مع الكُتَّاب، مشيراً إلى أن شركات الإنتاج نادراً ما توقِّع مع الكاتب لكتابة عمل جديد في فكرته، كما هو الحال في معظم دول العالم، وقال: «باستثناء بعض الأسماء على مستوى الخليج العربي، يُضطر غالبية الكُتَّاب إلى العمل في وظائف توفر لهم عيشة كريمة، وما يخلق فجوة بين العرض والطلب، أنهم يُضطرون في الغالب، بعد كتابة أعمالهم، إلى القبول بأي مبلغ مقابل شراء النص، بخاصة أن هناك مبالغة في استرخاص هذه النصوص، وعدم تقدير قيمة وقتنا وعملنا، فالكُتَّاب لا ينالون سوى الفتات من ميزانيات الأعمال الدرامية، وعلى الرغم من وجود تجارب جيدة، إلا أنها تُقتل أحياناً بوجود منتج جشع أو مخرج متعجِّل. وهنا، يتضرر الكاتب الذي يكون قد كتب أمراً مختلفاً على الورق عما يُعرض، لذا نحتاج إلى استثمار مؤسسي على مستوى كبير لمنافسة بقية الأعمال الدرامية، لا سيما أن سوقنا متعطش وواعد».
وعن المستثمر السعودي، رأى السهيمي أن «هذا المستثمر لديه حالياً خيارات استثمارية واضحة العوائد، ما يعني تأجيله فكرة الاستثمار في الإنتاج الفني. في الفترة المقبلة، نحتاج إلى رجال أعمال أصحاب رؤية واضحة، لأن الاستثمار في هذا المجال واعد ومربح بشكل مباشر أو غير مباشر، بمعنى أن الاستثمار قد يعطي لرجل الأعمال الوهج والصيت اللّذين يحتاج إليهما لتوسيع أعماله التجارية، وهذا ليس استثماراً مباشراً في البداية، لكنه مع إنتاج عدد من الأعمال الناجحة، ستصبح كل الأعمال التي يقدمها هذا المستثمر مربحة. وأخيراً، نحن في حاجة إلى معاهد متخصصة في مجالات الإنتاج المختلفة، تخرِّج لنا المتخصصين في المجالات الفنية كافة لدعم الحركة الفنية من أسفل الهرم إلى أعلاه. المستثمرون الآن يحركون الهرم الإنتاجي من الأعلى إلى الأسفل، وحتى يكتمل الهرم الفني يجب أن يكون هناك تكامل بين رأس المال الجريء والأيدي السعودية ذات الكفاءة العالية».
مشاكل الدراما سعودية
وكشف الناقد الفني محمد سلامة عن وجهة نظر النقاد إلى الأعمال الدرامية السعودية، مؤكداً أن الدراما السعودية تنقصها أمور كثيرة، منها القصة الحقيقية المبدعة والمختلفة، إذ إن كثيراً من مسلسلاتنا مجرد تكرار لقصص أجنبية. أما في السيناريو والحوار، فتنقصنا الاحترافية وهذه تأتي من خلال التخصص بافتتاح معاهد حقيقية. كُتَّاب السيناريو والحوار لدينا مجرد كُتَّاب مقالات وأعمدة صحفية، لا علاقة لهم بالسيناريو والحوار ولا بالصناعة الدرامية».
وحول المشكلات التي تواجه العمل الدرامي السعودي، أوضح سلامة، أنها «تكمن في التمثيل، والشللية العائدة إلى المنتج الذي يهمه الربح التجاري السريع لعدم وجود صناعة حقيقية لدينا، لذا لا تُقسّم الأدوار تقسيماً عادلاً، لأن المنتج يقوم بدور المخرج والكاتب والمصور، ما يعني أننا نحتاج إلى صناعة درامية حقيقية ومبدعة، يقوم فيها كل شخص من طاقم العمل بدوره، ويلتزم به حرفياً، مع الاطلاع على الدراما العالمية التي سبقتنا بأشواط حتى نبدأ من حيث انتهوا». وأضاف «الدراما لدينا ضعيفة بلا شك، ولم تنجح إلا في «طاش ما طاش»، وهو عبارة عن حلقات منفصلة، ولا يُقدِّم في كل موسم إلا ست حلقات قوية. أما بقية الأعمال، فمن المخجل حقيقةً أن نسميها أعمالاً درامية لضعفها من النواحي كافة. هي باختصار أعمال تافهة ومكررة، والسيناريو والحوار فيها مرتجلان، والتمثيل ضعيف جداً، وكذلك الإخراج والإضاءة، لكننا شهدنا مؤخراً نجاح مسلسل «العاصوف» في إحداث تأثير اجتماعي، لكنه في الوقت نفسه عانى من مشكلة الارتجال في السيناريو والحوار، وفي التمثيل والصناعة الدرامية، ولم يبرز فيه إلا ناصر القصبي على الرغم من الإنتاج العالي الذي صُرف عليه، بخاصة في الديكورات والمؤثرات، كما شاهدنا في حلقة اقتحام الحرم». واختتم سلامة حديثه بالقول: «ما زالت الدراما غير موجودة لدينا حتى نتحدث عنها، وبلا شك الجهات المعنية على علم بهذا الأمر، وقد أعلنت وزارة الثقافة قبل فترة عن افتتاح معاهد خاصة بالتمثيل، ستضم أيضاً تخصصات السيناريو والحوار والإخراج حتى نحظى بكوادر منتجة ذات كفاءة عالية، وهذا النقص الذي ذكرته واضح للمسؤولين قبل النقاد، ويجب العمل على تحسين العمل الدرامي، لأنه غير موجود في الأصل، بل مجرد محاولات، نجح منها 1 % فقط».
صندوق لدعم الدراما
واختلف معهم حول ضعف النصوص الدرامية الكاتب محمد الروكان، إذ أشار إلى الصعوبات التي يواجهها الكُتَّاب السعوديون اليوم، قائلاً: «نحن مطالبون بالكتابة التي تدعم رؤيتنا الجديدة، وهذا النوع من الكتابات كان في الماضي يصعب علينا الخوض فيه. حالياً، نواجه عقبة كبيرة، وهي المنتج الذي لا يريد خطوطاً كثيرة في العمل، أو أبطالاً جدداً، مع التقليل من التكلفة المادية لزيادة ربحه! لو كانت النصوص الدرامية ضعيفة، كما يُقال، لما كان العمل السعودي مطلوباً في كل مكان وزمان».
وعن نوعية الأعمال السعودية المرغوبة، أوضح الروكان أن «معظم أبطال الدراما في السعودية ممثلون كوميديون، ويرغبون في خوض أعمال كوميدية، مع العلم أن العمل الكوميدي خطير جداً، إذ يحتاج إلى تقديمه بالشكل المطلوب، والصرف عليه كثيراً، كي لا يتحول إلى مجرد تهريج».
وعن رأيه بالمقيِّمين، قال: «بعض المقيِّمين غير المؤهلين أضعفوا كثيراً الأعمال السعودية، فطريقة معالجتهم قضايانا، تختلف عن طريقة معالجة الكاتب السعودي لها. ما ينقصنا حالياً تطوير أعمالنا، وصناعة عدد كبير من النجوم، وهنا على وزارة الثقافة أن تؤسس صندوقاً يدعم الأعمال الدرامية، وتنشئ معاهد للتدريب، تشمل جميع التخصصات من كتابةٍ وتمثيلٍ وإخراجٍ، هذا الصندوق ضروري على غرار صندوق دعم المصانع، وصندوق دعم الاستثمار، وصندوق دعم الإسكان، بهدف الإسهام في دفع عجلة التنمية، وتحقيق الرؤية السعودية 2030».
المعادلة الصعبة
وتحدث الفنان والمؤلف عبدالعزيز الفريحي(ألَّف حلقتين من «شباب البومب 8» في رمضان الحالي) عن ضرورة تطوير الكُتَّاب مهاراتهم لتقديم الأفضل، مشدداً على أن النصوص الدرامية المقدمة ليست ضعيفة بالمجمل، فهناك نصوص قوية ورائعة، وهناك كُتَّاب كبار، يقدمون إبداعاتهم، وكُتَّاب غير معروفين، لكنهم يمتلكون موهبة كبيرة في الكتابة. وقال: «هذه المعادلة الصعبة، يجب أن نعطيها من وقتنا الكثير، وأن نُحدث توازناً فيها. من جهتي، أتمنى ألَّا يُحكم على هذا الموضوع من دون تدقيق، وهذا ما يفعله كثيرون، إذ يحكمون على النص بعد قراءة أول سطرين منه، وكذلك الحال مع المسلسلات، يبدون رأيهم بالعمل بعد الحلقة الأولى، وأحياناً بعد المشهد الأول! وينتقدونه بكل أريحية على الرغم من أنهم غير مؤهلين لذلك، لكنهم يصرون على الاستمرار، لأنهم يجدون مَن ينشر لهم، سواءً في مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها. أما الأعمال الأجنبية، فلا يرون فيها أي نقص، ويمنعون الاقتراب منها! وإذا ما فعلنا، فسيتهموننا بعدم الفهم. فعلياً الكاتب السعودي، ولا أزكي نفسي، ينقصه الاطلاع الكافي، فغالبية نصوصنا تستند إلى روايات لا علاقة لها بتراثنا، ومن الأفضل للكاتب أن يذهب إلى المكتبات، ويأخذ روايات من صميم التراث السعودي، وينسج منها قصة جميلة، على ألَّا يقتصر في الاطلاع على الكتابة، فهناك الكتب المسموعة التي يمكن الاستماع إليها في السيارة، أو استنباط فكرة جديدة ومبدعة من أحد المسلسلات التي لاقت نجاحاً كبيراً أياً كانت جنسيتها. مشكلتنا أننا نكتب استناداً إلى وما وصل إليه فكرنا فقط، وهذا ينطبق على الكُتَّاب الجدد أيضاً. من جهتي، أتابع كل جديد في السينما الإسبانية والأرجنتينية والأميركية والهندية، وقد أكون مقصِّراً في هذا قليلاً، وحقيقةً تفاجأت بالأفلام السعودية القصيرة، فلاحظت أنها تدور في دائرة مغلقة، ولو أن كُتَّابها اطلعوا، قراءةً واستماعاً ومشاهدةً للأعمال السينمائية المختلفة، خصوصاً سينما هوليوود وبوليوود بنية الاحتراف، لتطوروا كثيراً. هذا الأمر سهل جداً ومتاح عبر الهواتف الذكية، ومفيد في تطوير فكر الكاتب، لكنَّ كثيرين من كُتَّابنا ما زالوا يفضلون الأساليب القديمة، ولا يجيدون حتى كتابة السيناريو والحوار، وهنا أتحدث عن المسلسلات التلفزيونية والأفلام، وهذا ما نلاحظه جلياً في تقسيم الصفحات والتفريق بين دخول المشهد وخروجه».
وحول الحلول المناسبة لتطوير الدراما السعودية، أكد الفريحي أن «هناك حلولاً كثيرة متوفرة، مثل الدورات التي تقيمها وزارة الثقافة والجمعية العربية للثقافة والفنون، ويُعلن عنها عبر تويتر وواتساب. كذلك يجب إزالة المعوقات أمام كُتَّابنا الذين يحتاجون إلى الدعم والثقة في النفس، مثلاً هناك أشخاص حينما يقرأون اسم مؤلف نص ما ويكون غير معروف لهم، يتجنّبون القراءة له، كما أن الكُتَّاب في حاجة إلى هيئة خاصة بهم، ليشعروا بوجود مَن يدعمهم. وختاماً، أتمنى التوفيق للجميع، وأن تنطلق أعمالنا وتنافس عالمياً، وأن يحضر الجمهور فيلماً بمجرد رؤية اسم كاتب معين، كما يفعلون حينما يعرفون اسم بطل أجنبي مشارك فيه، وألا تقتصر أعمالنا على أنماط معينة، بل تطرق جميع الأبواب الدرامية والسينمائية لنبلغ القمة».
في الخلاصة.. هذه أبرز الصعوبات التي تحدث عنها الكتَّاب المشاركين في هذا التحقيق:
| عدم الاهتمام بالفكرة التي تُعد أساس العمل، وعدم تقدير ما يبذلونه من جهد ووقت، وما يقدمونه من أفكار، إضافة إلى تخصيص الفتات لهم من الميزانية، عكس الحال مع باقي طاقم العمل.
| تغيير وتحريف نصوصهم من قِبل المنتجين والمخرجين لجعل العمل أكثر ربحاً.
| عدم وجود معاهد حقيقية لتعليم الكتابة والسيناريو في السعودية.
| شركات الإنتاج لا توقع مع الكاتب عقد عمل دائم، كما هو الحال في بقية الدول، لذا يحتاج إلى العمل في وظيفة أخرى لإعالة عائلته، ما يجعله غير متفرغ للكتابة والاطلاع والخضوع للدورات المتخصصة في تقوية مهارات الكتابة.
| الحكم على أعمال الكاتب يكون غالباً بعد قراءة أول سطرين من عمله أو مشاهدة حلقة واحدة من عمل من تأليفه.
| عدم إعطائهم الفرصة الكاملة لإظهار نصوصهم، واقتصار أخذ النصوص على المشهورين، أو مَن اعتاد المنتج على التعامل معه، إضافة إلى اكتظاظ الساحة بالكُتَّاب ذوي المستوى الضعيف والأجر المتدني القادرين على الرغم من ذلك على تسويق أعمالهم بسبب علاقاتهم الواسعة، ما يقلل من فرص ظهور الكُتَّاب المبدعين.
| عدم وجود آلية تحفظ حقوق الكاتب الفنية والأدبية والمالية.
| الضوابط والشروط الإنتاجية تحد من إبداعاتهم، إضافة إلى عدم تقبُّل المنتجين أفكارهم الجديدة خوفاً من المجازفة.
| تدني إمكانات الممثلين، الأمر الذي يُضعف النص.
| عدم تسليط الصحافة الفنية الضوء على الكُتًّاب كما هو الحال مع الممثلين والمخرجين.
| الطلب منهم كتابة نصوص في أسرع وقت، ما يعيق تقديمهم أفكاراً مبدعة.