كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرًا، وكان جمال الحاجي وهو محامٍ ينام آمنًا في بيته برفقة زوجته وأبنائه الأربعة، عندما أفاق فجأةً على صراخ زوجته تعلمه بوجود سارق بالبيت، وفي غرفة النوم.
أدرك الزوج بسرعة أنّ خطرًا داهمًا يهدّده ويهدّد أسرته، فسارع إلى أخذ بندقية صيد يملكها، وأطلق عيارًا ناريًّا في الهواء لإخافة السارق، ولكنّ الأخير رفع سيفًا في وجه المحامي وكان على أهبة الهجوم عليه.
شعر جمال الحاجي بأنّ اللص قد يقتله، ودفاعًا عن نفسه وعن زوجته وأبنائه، وجّه فوّهة بندقيته إلى اللص، وأطلق النار عليه فارداه قتيلًا.
وأثارت هذه القضية التي حدثت في مدينة "سوسة" (150 كلم جنوبي العاصمة تونس)، جدلًا كبيرًا في تونس خلال الساعات القليلة الماضية، وتحوّلت الحادثة إلى قضية رأي عام، بخاصّة بعد أن تمّ إيقاف المحامي وتوجيه تهمة القتل العمد له.
وتعود وقائع الحادثة إلى ليلة الاثنين 15 يوليو 2019، حين أقدم السارق القتيل وهو صاحب سوابق عدليّة، وصادرة بشأنه العشرات من مناشير التفتيش، برفقة صديقين له على اقتحام منزل المحامي بمدينة "سوسة"، بغاية سرقته متسلّحين بأسلحة بيضاء، ولتنفيذ مخطّطهم تسلّق اثنان منهم سور المنزل، ودخلا البيت، في حين ظلّ ثالثهم بالخارج لمراقبة المكان.
وقام المحامي بتسليم نفسه إلى القضاء الذي أمر بإيقافه، وتوجيه تهمة القتل العمد له، في انتظار ما سيكشف عنه تقرير الطبيب الشرعي والتحقيقات الأمنيّة .
قضيّة رأي عامّ
ومباشرةً فور إعلان خبر إيقاف المحامي، أثارت القضيّة الكثير من الجدل في تونس، واختلفت الآراء حول تصنيف الواقعة .
وكان الاختلاف حول مدى صواب قرار إيقاف المحامي واعتباره مذنبًا، وتوجيه تهمة القتل له، في حين أنّه كان يدافع عن نفسه وبيته وأهله.
واستغرب الكثيرون من التكييف القانوني للقضيّة، وكان من بينهم الكثير من المحامين والقضاة، الذين اعتبروا أنّ ما أقدم عليه المحامي الموقوف هو دفاع شرعي عن النفس، وهو حقّ تكفله القوانين، لكن في حالات مشدّدة ومضبوطة.
وعبّر الكثير من المواطنين عن استهجانهم لقرار إيقاف المحامي وتضامنهم معه، مؤكّدين أنّ ما حدث له يمكن أن يحدث لأيّ شخص آخر، وأنّ الجميع كان سيتصرّف بالطريقة نفسها دفاعًا عن النفس والشرف، وعلق البعض قائلًا: "في ظلّ حالة الانفلات الأمني التي نعيشها، هل يجب علينا أن نستقبل اللصوص بالمرطّبات و العصير".
واستغرب الكثيرون توجيه تهمة القتل العمد لصاحب المنزل وسجنه، في حين أنّه كان الضحيّة لمحاولة السرقة والقتل من طرف شابّ منحرف هاجمه وهو في بيته. وقال البعض: "هل نسمح له باغتصاب نسائنا ثمّ نتوجه للقضاء، وأي جدوى لذلك بعد حدوث المكروه.؟"
في المقابل رأى البعض أنّ القتيل ورغم أنه لصّ، فله الحقّ في الحياة، وأنّ حياة الانسان أغلى من أيّ شيء آخر، وكان على المحامي المتهّم في هذه القضيّة ألّا يصيبه في موضع قاتل.
والجدير بالذكر أنّ المحامي يحمل بندقية صيد بشكل قانوني وله رخصة، باعتباره مغرمًا بالصيد البري.
وشغلت هذه القضية الرأي العام، وتجنّد عدد كبير من المحامين للدفاع عن زميلهم، ولا شك هناك شبه إجماع على أنّ المحامي كان في حالة دفاع شرعي، وبالتالي فإنّ القانون يحميه، ولكنّ المحكمة وحدها هي المخولة لتبرئته أو إدانته، وأنّ الإجراءات المتّبعة الآن، هي ضرورية في سبيل إظهار الحقيقة، ولا يُستبعد بعد استكمال الأبحاث، أن يتم إخلاء سبيل المحامي بقرار من القضاء، إن تبيّن له فعلًا، أنّ المحامي كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن زوجته وأبنائه.