منذ الأزل وعبر التاريخ، ظلّ الإنسان في بحث مستمر عن مصادر الطاقة من أي شيء، وفكّر بكل الاحتمالات الممكنة لتوفير أكثر الأمور أهمية في حياته. وخلال فترات مبكرة من عمر الحضارة البشرية، تمكنّا من اختراع «السدود»، واكتشفنا مدى أهميتها وفاعليتها، فهذه الكميات الكبيرة والشديدة القوة من الماء المتدفق في الأنهار والأودية وغيرها، تمتلك مقدرة على توليد ما نريد من الطاقة وأكثر. لقد تمكنا يوماً بعد يوم من تطوير السدود حتى وصلنا إلى حدّ يفوق الخيال. من بين هذه السدود سدّ «الممرات الثلاث» الشهير، أكبر سدٍّ في العالم على الإطلاق، حقائق لا يدركها الكثير عن هذا السدّ، ما هي؟ تعرّفي عليها.
أكبر المشاريع الهندسية في التاريخ
من بين ملايين السدود التي تم تشييدها في العالم، يعدّ سدّ «الممرات الثلاث» الذي تم تشيده على ثالث أطول نهرٍ في العالم، نهر الـ«يانغتسي» في مقاطعة «هوبي» الصينية، تم الانتهاء من بنائه خلال العام 2006، أكبر هذه السدود المائية على الإطلاق، كما أنه يعتبر واحداً من أضخم المشاريع الهندسية في التاريخ الإنساني عموماً، حيث يبلغ طول جدار هذ السدّ أكثر من 2335 متراً، أي 2.3 كيلومتر كاملة. أما ارتفاعه بدءاً من قاع النهر وحتى أعلى مكان فيه، فيصل إلى 183 متراً.
سدّ «الممرات الثلاث» الصيني، ليس فقط أكبر سد في العالم من حيث الحجم، بل الأكبر أيضاً من حيث كمية الكهرباء التي يولدها، إذ إن كمية الطاقة الكهربائية التي ينتجها، تعادل الكمية نفسها الناتجة عن 34 محطة توليد كهرباء ضخمة في الوقت ذاته وما يعادل حرق أكثر من 50 مليون طن من الفحم أو حرق 25 مليون طن من النفط الخام. فلك أن تتخيلي كيف يؤثر كل ذلك على اقتصاد الصين عموماً من ناحية، ومن ناحية أخرى في الحفاظ على البيئة بعدة أشكال مختلفة.
أرقام خيالية في مشروع واحد
كما سلف وذكرنا، فإن سد «الممرات الثلاث»، يصل طول جداره إلى 2.3 كيلومتر، وارتفاعه من قاع نهر الـ«يانغتسي» إلى أعلى نقطة فيه يصل حتى 183 متراً. هذا السدّ العملاق المبني من الخرسانة والفولاذ، استخدم في إنشائه ما يزيد على الـ510 آلاف طن من الفولاذ. وبحسب تقديرات بعض الخبراء، فإن هذه الكمية كافية لبناء 60 برج «إيفل» في الوقت نفسه. وعلى جهة أخرى من أرقام هذا السد الخيالية، فإن مساحة خزانه تقدر بـ405 أميال مربعة، أي ما يقارب الـ 1049 كيلومتراً مربعاً.
لماذا قررت الصين بناء هذا السدّ الهائل؟
وافقت الحكومة الصينية على فكرة بناء سد «الممرات الثلاث» خلال العام 1992، ومع بدايات العام 1994 بدأت أولى خطوات العمل عليه التي استمرت طوال 12 عاماً كاملة حتى تاريخ انتهائها في العام 2006، وكان بناؤه قد كلّف الصين قرابة 30 مليار دولارٍ أمريكي، إلا أن الاستفادة من هذا المشروع كانت أضعاف ما تم تصوره حينها.
ومن الأهداف التي عملت البلاد على تحقيقها من خلال بناء سد «الممرات الثلاث»، توليد الطّاقة، حيث يتمّ توليد طاقة مقدارها 84.6 مليار كيلوواط/ساعة، وهي طاقة كهرمائيّة أو هيدروليكيّة نظيفة غير مُسبِّبة لأي تلوث أو أضرار بيئية، بالإضافة إلى الحدّ من حدوث الفيضانات المائية التي أودت بحياة آلاف الأشخاص في أوقات سابقة، وكبدت البلاد خسائر مادية طائلة، حيث يسيطر السدّ على قرابة الـ22.15 مليار متر مكعّب من المياه، إلى جانب أن سدّ «الممرّات الثّلاث» تحول إلى نقطة جذب للسّياح من كل العالم. وأخيراً وليس آخراً، سمح السدّ للسُّفن الكبيرة بالحركة ونقل البضائع بحريّة كبيرة إلى البحر في «شنغهاي».
مشاكل سببها سدّ «الممرات الثلاث»
على الرغم من الاستفادة الكبيرة التي حصلت عليها الصين من سدّ «الممرات الثلاث»، لكنه تسبب بعدد من المشاكل الأخرى خلال وبعد بنائه، ومن بينها أنه قتل الكثير من المناظر الطبيعية الساحرة في تلك المنطقة وتسبب بإغراق أكثر من ألف موقعٍ أثريٍّ تاريخي اندثرت تماماً جراء تشييده، كما أنه تم تهجير قرابة مليون و240 ألف صيني من أماكن عيشهم، وأجبروا على العيش في أماكن أخرى.