في خضم الضغوط اليومية الخارجية التي يتعرض لها الفرد في عالم اليوم، الذي يختلف عن الأمس بكل المقاييس المحيطة، والتي استطاعت أن تؤثر وبقوة على كل ما يشعر به إنسان اليوم، أصبح للصراعات الداخلية بعد جديد أكثر قسوة، بفعل أسلوب الحياة العصري الذي يتطلب من الفرد قدرة كبيرة على تجاوز ما يراه يومياً، الكثير من المشاكل والضغوط والأحداث والتراكمات التي تجعلنا نشعر بحاجة ماسة لمسحها، أو بالأحرى بحاجة لوجود مفتاح يفرغ هذه السلة غير المرغوب فيها، والتي لا تتوقف أدمغتنا عن اجترارها مرات عديدة، كأسطوانة عتيقة لا تتوقف، فكثرة التفكير واسترجاع المواقف السابقة والتخطيط للخطوات القادمة، بكل ما تحمله من قلق وندم وتخيلات وهمية أو واقعية، هي حالة نفسية تسمى التفكير المفرط أو الزائد "Overthinking"
فما هو هذا الداء؟ وكيف نتخلص منه؟
متلازمة التفكير المفرط Overthinking
أكدت البحوث أن 73% من الشباب بين عمر 25-35 يعانون مما يسمى التفكير المفرط، 57% من هذه النسبة هم من النساء و43% من الرجال، وهذه النسبة تعد كبيرة بالفعل فما هو هذا الداء؟
وكتعريف بسيط لمصطلح Overthinking: هو التفكير بشكل كبير في شيء محدد وقد يستمر لفترة طويلة.
أما التعريف الأكثر شمولية فهو تقوقع الأفكار حول شيء معين ما قد يسبب القلق، الإجهاد، الخوف، الرهبة.. إلخ. إنه ليس مجرد التفكير كثيرًا حول شيء ما فقط، إنه التفكير الذي قد يؤدي إلى الحد من العمل والإنجاز بشكل كامل والذي يؤثر على قدرة الفرد في ممارسة حياته اليومية.
مشاكل عقلية تدفعنا لقرارات خاطئة
ولا يتوقف الأمر على كون المبالغة في التفكير مصدر إزعاج فقط، فقد أظهرت دراسة أمريكية حديثة أجريت على 30.000 شخص، أن فرط التفكير يمكن أن يُحدِث ضررًا كبيرًا على سعادتك وصحتك حيث يؤدي إلى ساعات نوم أقل ونوعية نوم أسوء. فحصر نفسك وتفكيرك في عيوبك، أخطائك ومشاكلك يزيد من خطر الوقوع في مشاكل عقلية، بحسب ما أكدته هذه الأبحاث، وعندما تنخفض صحتك العقلية، فإن ميلك إلى الاجترار يزيد بشكل كبير ما يسبّب خلق حلقة مفرغة يصعب كسرها.
وللهروب من هذه المحنة، يلجأ الكثيرون إلى استراتيجيات غير صحية وخاطئة للتكيف، مثل الإفراط في شرب الكحول أو الإفراط في تناول الطعام، فتصبح عملية تقييمك للأمور وحكمك عليها غائمة وغير واضحة.
علامات التفكير المفرط
* إعادة تجربة مؤلمة حدثت في الماضي (مثل التعرض لسوء المعاملة أو فقدان عزيز).
* عدم القدرة على إبطاء سباق الأفكار أو المخاوف أو العواطف الغامضة.
* استرجاع الفشل/الأخطاء السابقة مرارًا وتكرارًا، بشكل لا يمكن تجاوزه.
* فقدان الشعور والقدرة على العيش في اللحظة الحالية.
* ندم مستمر على القرارات السابقة.
* إهدار وقت كبير في التفكير أكثر من الوقت الذي يعيشه الشخص العادي وينجز فيه.
* أنت تقيم حياتك وكأن هناك شخصاً ما يحصي نتيجة ما تفعله.
* إقناع نفسك بأن السيناريو الأسوأ سيتحقق يوماً ما.
وسيجد الذين يعانون من هذه الأعراض أن أسلوب حياتهم معرض للخطر بسبب عدم قدرتهم على التحكم بفعالية أفكارهم وبالمشاعر السلبية التي تهاجمهم بشكل مستمر.
نصائح للتخلص من فرط التفكير Overthinking
إذا كانت عراض هذه الحالة مألوفة لديك، إليك هذه النصائح للتحرر من التفكير المفرط، وتبعاته السلبية، بحسب موقع Psych alive:
1- الوعي هو الخطوة الأولى للتحرر
فعلاج أي مشكلة يبدأ بتحديد السبب، وفي هذه الحالة تكون بتحديد الوقت والدافع والحدث الذي يدفعنا لاستعادة الأفكار والخوض في عالم القلق والتوجس الذي لا يتوقف.
2- لا تفكر في الأخطاء التي قد تحدث بل فكر بما ستنجح في تحقيقه
في معظم الأحيان فرط التفكير يكون له مسبب رئيس وهو الخوف، فتركيزك على الأخطاء والمخاوف التي قد تحدث، سيزيد من احتمالية وقوعها، في المرة القادمة ابتعد عن السلبية توقع الأفضل، وضع توقعاتك الإيجابية في الواجهة وتخلص من أرق الفشل.
3- لا تضخم الأمور وأيقن أنك لا تستطيع التنبؤ بالمستقبل
راقب نفسك عندما تشعر بأنك تعطي بعض الأمور البسيطة حيزاً كبيراً من التفكير، أكثر مما تحتاجه في الواقع، واسأل نفسك ما الفرق الذي ستشكله هذه الفكرة أو الخطوة أو أياً كانت، بعد 5 سنوات أو حتى بعد شهر؟ فهذا السؤال البسيط سيغير منظورك للأحداث لتكون أكثر واقعية وموضوعية.
وتذكر أن لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل، وإضاعتك الحاضر في التفكير بالمستقبل المجهول، لن يجلب لك سوى القلق والخوف، فعش يومك بكل ما يحمله واستمتع باللحظة الحالية.