بعد إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، تميز بعض أبطالها بقوة قراءة الأفكار الخارقة، ومعرفة ما يفكر به البشر داخل أدمغتهم، وتطور العلم والأبحاث في هذا المجال، أحدثت تطوراً ثورياً مميزاً.
قراءة أفكار البشر لم تعد بعيدة
فقد أعلن باحثون أميركيون أنهم اقتربوا من التمكن من قراءة الأفكار، وذلك بعد نجاحهم في فك شيفرة المعلومات الواردة في محادثة، اعتماداً على قياس أنشطة المخ.
إذ قال الباحثون إنهم اقتربوا خطوة من التمكّن من قراءة الأفكار، حيث نجحوا، ولأول مرة، في فك شفرة المعلومات الواردة في محادثة مسموعة أو منطوقة؛ اعتماداً على قياس أنشطة المخ، وفقاً لما أعلنه الباحثون تحت إشراف إدوارد شانغ، من جامعة كاليفورنيا، في سان فرانسيسكو.
وعلّق الخبير الألماني، تونيو بال، من مستشفى فرايبورغ الجامعي، على الدراسة بالقول: «هذا تطور مثير جداً»، مشيراً إلى أن شانغ وزملاءه مشهورون على مستوى العالم بالريادة في فك شيفرة إشارات المخ.
مساعدة غير القادرين على النطق
ويأمل أصحاب الدراسة في أن تساعد نتائجها، يوماً ما، الذين فقدوا القدرة على النطق بسبب الإصابة بسكتة دماغية أو تنكسات عصبية، أو ما يعرف بالتصلب الجانبي الضموري (إيه. إل. إس)، فبرغم أن استعادة قدرات التواصل ولو بشكل محدود، تساعد على تحسين جودة الحياة بشكل كبير، فلا توجد حتى الآن أداة لغوية صناعية بنفس سرعة الحديث البشري، بحسب الباحثين.
ويضطر فاقدو القدرة على النطق حتى الآن لاستخدام أدوات لغوية مساعدة يتم التحكم فيها من خلال حركة العين أو لوحة مفاتيح، مما يتيح لهؤلاء المصابين التفاهم مع الآخرين، لكن ببطء. ولكنّ الباحثين يرون أن على أي جهاز صناعي لغوي أن ينقل الأفكار على شكل لغة، في الوقت الأصلي، قدر الإمكان.
تجربة ناجحة
وفحص الباحثون، في سبيل تطوير البرنامج، ثلاثة أشخاص يحملون غطاء رأس مزوّد بأقطاب كهربية موضوعة فوق قشرة المخ مباشرة. وكانت الأقطاب الكهربية تسجل نشاط المخ، خاصة نشاط مركز اللغة والسمع، وكان ذلك في البداية خلال حديث معاد.
وفي سبيل ذلك، استمع المشاركون في التجربة لأسئلة مثل: «ما هي أداة العزف الموسيقي التي تفضلها؟»، ثم طلب منهم اختيار إجابة من عدد من الإجابات التي وضعت على شاشة، وأن يقولوا، مثلاً: «غيتار كهربائي».
وفي هذه الأثناء، قاس الباحثون مخطط كهربية قشرة المخ، والذي يرصد نبضات الخلايا العصبية التي تنشط عند السمع والكلام. واعتمد الباحثون على القياسات التي حصلوا عليها لتحديد الأسئلة التي سمعها المشتركون أو الإجابات التي أعطوها، وذلك باستخدام برنامج حاسوبي مخصص لذلك.
ونجح الباحثون في 85 بالمئة من الحالات في معرفة ما إذا كان المشتركون قد سمعوا سؤالاً أو أعطوا إجابة. وكان الباحثون ينجحون في تقدير الإجابة الصحيحة بشكل أصدق، كلما كان السؤال المطروح معروفاً، واستطاع البرنامج، مع الوقت، التمييز بشكل أفضل بين الأنماط العصبية المختلفة؛ كانت الإجابات التي توقّعوها أكثر صدقاً.
وحسب الباحثين، فقد استطاعوا إجمالاً فك شفرة ما يصل إلى 61 بالمئة من الإجابات المسموعة، وما يصل إلى 76 بالمئة من الإجابات المنطوقة، بشكل صحيح. ووصلت نسبة الإصابة بمحض الصدفة، إلى 7 بالمئة في حالة الإجابات المسموعة، و20 بالمئة في حالة الإجابات المنطوقة. غير أن اقتصار التجربة على عدد ثلاثة من المشتركين يجعل من الصعب استخلاص نتائج يمكن تعميمها من الدراسة، وفقاً لموقع «العرب».
كما أنه من الصعب الجزم بشيء فيما يتعلق بتأثير وضع الأقطاب الكهربية على قشرة المخ، رغم ما لذلك من أهمية كبيرة. وقال الباحثون إن إدخال المزيد من التحسينات على نظام التعرف اللغوي سيحسن برنامج فك شيفرة الإشارات اللغوية بشكل واضح.
تطوير جهاز لغة صناعي
ورغم هذا التردد، فإنّ الباحثين يعتقدون أن نتائج دراستهم خطوة مهمة في طريق تطوير جهاز لغة صناعي، «حيث تبرهن النتائج على أنه من الممكن فك شفرة اللغة في الزمن الحقيقي، وأثناء المحادثة.. وهو ما له أهمية كبيرة بالنسبة للمرضى الذين لا يستطيعون التفاهم مع الآخرين».
ووصف الخبير الألماني «بال»، من مستشفى جراحة الأعصاب في مدينة فرايبورغ الألمانية، الدراسة بأنها عمل جيد جداً من الناحية المنهجية والفنية، قائلاً: «يكمن الجانب الإبداعي في الدراسة في تركيز الباحثين على التواصل الطبيعي». وتابع الطبيب الألماني في إطار تقييمه للدراسة «الانتقال بين السؤال والإجابة يساعد على تحليل إشارات المخ بشكل موثوق فيه».
ويرى أن الدراسة تنطوي على تقدم، رغم أنه لا تزال هناك مساحة كبيرة للأمام، حيث يمكن تسجيل الأنماط العصبية عند السمع والكلام، وهو ما لا تصلح معه أغطية الرأس المزوّدة بالأقطاب الكهربية، والتي تستخدم مع مرضى الصرع، متوقعاً أن تساهم طرق الذكاء الاصطناعي في تحليل إشارات المخ بشكل أوضح.