هكذا، كما تعود الطيور إلى أعشاشها، والأسود إلى عرينها، والصقور إلى أوكارها، وكما يعود الغائب إلى أهله، ها أنا أعود إلى «سيدتي»، بعد أن افترقنا افتراق الأحباب، وابتعدنا ابتعاداً بلا عِتَاب!
أعود إلى «سيَّدتي»، وحينما أقول «سيدتي»، فأنا أُوسِّع المعنى، وأُكبِّر المفردات، فـ«سيدتي» أولاً؛ هي الأرض التي خَرَجتُ منها، هي بلادي، تلك الأرض المعطاء، التي نشأتُ وترعرعتُ فيها، وأخرجتني وأخرجت الملايين من أمثالي، وأنبتت من كل زوجٍ بهيج.
أمَّا السيّدة الثَّانية؛ فهي أُمِّي «لؤلؤة العجلان» –رحمها الله- التي ربَّتني، وتَعبت عليَّ، وسهرت الليالي الطوال؛ حتى تجعل منِّي ابناً صالحاً -كما يقولون، وإضافة وطنية لهذا الوطن الكبير.
أمَّا السيّدة الثالثة؛ فهي سيّدة القلب، تلك الأنثى التي تسكن الفؤاد، هي سيَّدة، ولكنها بلا ملامح، وبلا أوصاف، تحضر في الخيال، أكثر من حضورها في الواقع!
أمَّا السيّدة الرابعة؛ فهي هذه الورقات، التي ترسم ملامحي لَكُم، وتُصافح عيونكم، مرَّة في الأسبوع، وكأنها «ليلة الخميس»، التي يستقبلها الناس بكل حُبٍّ، ومودة وانتظار.
في «سيّدتي» هنا، سأمرح كل أسبوع، وأنشر بضاعتي، وأفتح دُكَّاني، وأستقبلكم بكل صدرٍ رحب، ولن أكون مُتواضعاً وأقول: أرجو أن تقبلوا حروفي، بل سأقول: أعانني الله عليكم، وأعانكم عَليَّ؛ فنحن نتبادل الأدوار، فقد لا أنال الرضا منكم في كل أسبوع، وأنتم أيضاً، قد تعطونني المدح والقدح في كل أسبوع، إذن نحن نتبادل المعرفة، ونتبادل القبول، ونتبادل الرفض!
في هذه الزاوية، اتفقتُ أنا وأحبابي المسؤولون والمسؤولات في «سيّدتي»؛ على تسمية هذه الصفحة بـ«لؤلؤة»، وقد يسألني أحدكم: لماذا لؤلؤة؟ وسأرد عليه قائلاً: نظراً لأنها أوَّلاً اسم الوالدة -رحمها الله، وثانياً لأن مجلة «سيدتي» هي لؤلؤة المجلَّات العربية. وثالثاً وأخيراً لأن هذه الزاوية تُحاول أن تستخرج أعذب اللغة، فمِن هُنَا قال الشَّاعِر «حافظ إبراهيم»، في مدح اللغة العربية:
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي؟!
وأخيراً قبل أن أُودِّعكم، ويكون السلام خِتَاماً، دَعوني أُرسل حزمةً من الشكر؛ إلى كل المسؤولين والمسؤولات في مجلة «سيّدتي»، الذين تفرَّسوا الوجوه، وتفقَّدوا الطيور، فاختاروني كـ«هدهد للكِتَابة» من بين الطيور العابرة للقارات، وأخصُّ بالشكر صديقي وأخي، رفيق الحَرْف والحِرْفَة «محمد بن فهد الحارثي»، الذي يتزعَّم هذه «الكتيبة» البيضاء من الكُتَّاب، ويقودنا مِن حروفنا الخاصة؛ ليجعلها حروفاً منشورة مهمة.
وفي النهاية أقول: سأنطلق في ميدان «سيّدتي»، وأعترف من البداية، بأنني لن أدخل في سباقات مع كُتَّاب وكاتبات هذه المجلة العريقة؛ لأنني سأُعلن الهزيمة من البداية، فمثلاً لو حاولتُ أن أدخل في سباقٍ مع أخي رئيس التحرير، الذي أمون عليه؛ فسأخسر، فهو أطول منِّي حرفاً، وأكثر منِّي جمالاً، وأعمق فكراً، وأغزر عِلماً؛ لذلك أتيتُ إلى «سيّدتي»، وأنا أرفع راية المحاولة، وليس التحدِّي، مع إدراكي التام بأن كُتَّاب وكاتبات المجلة هم تلك الأجنحة التي تطير بهذا الصحن الورقي الأسبوعي، إلى آفاق الدنيا وجهاتها الأربعة.
#ناصية
يقول الشاعر محمود درويش:
أمي، لن أسميك امرأة سأسميك كل شيء.