جميعنا يحتاج إلى الأوكسجين حتى يعيش، ولكن الطبيعة لم تكشف لنا كل أسرارها، وقدرتها على صنع طفرات تخالف كل ما تعلمناه منذ الصغر، وما اعتبرناه قواعد أساسية لا يمكن أن نختلف عليها. ومؤخراً، أظهرت دراسة علمية أجرتها جامعة اكسيتر البريطانية بالتعاون مع المركز العلمي للبيئة وتربية الأسماك والأحياء المائية البريطاني، أن تغييراً جديداً في التركيبة الكيميائية بدماء أنواعاً معينة من الأسماك، جعلها قادرة على تحمل نقص الأكسجين وارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الماء.
ووفقاً لما نشره موقع روسيا اليوم، فقد أفادت مجلة ساينتيفيك ريبورتس Scientific Reports، أو التقارير العلمية التي نشرت الدراسة البريطانية، أن التغييرات المناخية الجديدة الحاصلة على كوكب الأرض حالياً، تؤدي إلى انخفاض كبير بالأكسجين في مياه المحيطات والبحار، وارتفاع ملحوظ في غاز ثاني أكسيد الكربون الضار. وهو الأمر الذي يعتبره العلماء المختصون في البيئة خطراً حقيقياً يهدد مستقبل النظم البيولوجية البحرية، والكائنات الحية التي تعيش فيها.
قدرة عالية على التكييف
إلا أن العلماء في جامعة اكسيتر والمركز العلمي البريطاني، وجدوا من خلال دراسة أجروها خلال الفترة الماضية، أن أسماك الشبص الأوروبي، أو ما يعرف بالقاروس البحري الأوروبي، تمكنت من التكيف مع هذه التغييرات المناخية الصعبة، وأصبحت قادرة على العيش في بيئة مائية قليلة الأوكسجين وفي نسب كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وبحسب المجلة العلمية، فقد قام العلماء البريطانيون بوضع الأسماك في أحواض قليلة الأكسجين تشبه البيئة الطبيعية التي تعيش فيها بالوقت الحاضر. وعملوا على مراقبة التغييرات التي تحصل في دماء سمك الشبص الأوروبي عند حدوث ارتفاع بنسب غاز ثاني أكسيد الكربون في المياه. ووجدوا أن هذه البيئة الجديدة تزيد من قدرة الأسماك على تحمل نقص الأكسجين بنسبة وصلت حتى 20%. وعند ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون يحدث تغيير واضح على التركيب الكيميائي لدماء هذا النوع من الأسماك، يساعد على تحسين قدرة خلايا الدم الحمراء على نقل مادة الهيموغلوبين إلى أنسجة جسدها.
وعلى جانب آخر، أظهرت نتائح هذه الدراسة، أن غاز ثاني أكسيد الكربون لديه إمكانية على زيادة قدرة الأسماك على تحمل نقص الأكسجين، وذلك من خلال السماح لدمائها بامتصاص الأكسجين بكفاءة عالية عند نقصه بمستويات كبيرة في البيئة المحيطة.
تأثير التغيرات المناخية القادمة على الأسماك
ولأن هذه الدراسة الجديدة كانت قد شملت نوعاً واحداً من الأسماك، وهو الشبص الأوروبي، فقد حذر الباحثون من اعتماد الإستنتاجات السريعة والأولية للدراسة. كما أشاروا إلى أن الأسماك التي تعيش في المياه الدافئة تحتاج كميات من الأكسجين أكثر من تلك التي تعيش في المياه الباردة. ما يعني أن على العلماء أن يأخذوا بعين الإعتبار المؤشرات والتغيرات المناخية الأخرى مثل ارتفاع درجة الحرارة.
ومن جانبها، أشارت الدكتورة سلفانا بيرتشيناف، إحدى الباحثات المشاركات في الدراسة البريطانية، إلى أن النتائج التي تم التوصل إليها، سمحت بالحصول على بيانات تجريبية لتقدير مدى تأثر الأسماك في المستقبل من التغيرات المناخية الحاصلة ولضمان حماية الاحتياطي السمكي في المناخ المتغير.