تحيي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، اليوم العالمي للتربة، يأتي الاحتفال هذا العام 2019 تحت شعار «أوقفوا انجراف التربة، أنقذوا مستقبلنا»، وذلك بهدف إذكاء الوعي بأهمية استدامة النظم البيئية (الإيكولوجية) السليمة ورفاه الإنسان، ومن خلال تشجيع الناس في كل بقاع الأرض على المشاركة في الجهود المبذولة في سبيل تحسين التربة، لتلافي تدهور خصوبة التربة الذي ينذر بالخطر، بما يهدد إمدادات الغذاء العالمية وسلامة الأغذية.
ففي كل خمس ثوانٍ، يتدهور من التربة ما يساوي ملعب كرة قدم، ويستغرق إنتاج 2 إلى 3 سم من التربة إلى ألف سنة، وما يزيد على 33% من التربة هو في حكم المتدهور فعلاً، ومن الممكن أن يتدهور 90% منها مع حلول عام 2050، وهذه الواقعة الخطيرة تؤكد الحاجة إلى إذكاء الوعي العام بهذه المشكلة المتعاظمة مع تزايد عدد سكان الأرض.
وسوف تعلن منظمة الأغذية والزراعة أسماء الفائزين بأهم جائزتين من جوائزها، وهما: جائزة قلينكا العالمية، وجائزة الملك بهوميبول.
كان الاتحاد الدولي لعلوم التربة قد قدم اقتراحاً في عام 2002، بإقرار الاحتفال باليوم العالمي للتربة في الخامس من ديسمبر من كل عام؛ لأهمية التربة واعتبارها عنصراً حاسماً من النظام الطبيعي، ولإسهامها الحيوي في رفاه الإنسان، وتصدرت مملكة تايلاند الجهود في ذلك المضمار، ومن ثم دعمت منظمة الأغذية والزراعة -في إطار «الشراكة العالمية من أجل التربة»- تدشين يوم دولي رسمي للتربة؛ بغرض إذكاء الوعي العالمي.
وفي هذا العام أيضاً، وتحت قيادة مملكة تايلاند، وفي إطار الشراكة العالمية من أجل التربة، دعمت منظمة الأغذية والزراعة الإنشاء الرسمي لليوم العالمي للتربة كمنصة توعية عالمية. وأقر مؤتمر المنظمة بالإجماع اليوم العالمي للتربة في يونيو 2013 وطلب اعتماده رسمياً في الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي ديسمبر 2013، استجابت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم 5 ديسمبر 2014 رسمياً كأول يوم عالمي للتربة، وجاء اختيار هذا اليوم 5 ديسمبر لأنه يتوافق مع تاريخ ميلاد الملك بوميبول أدولياديج، ملك تايلاند، الذي كان أحد أبرز المؤيدين الرئيسيين لهذه المبادرة.
ويشير تقرير صادر عن منظمة الفاو، تحت عنوان «تآكل التربة: التحدي الأكبر للإدارة المستدامة للتربة»، إلى إظهار الوضع الراهن للمعرفة الخاصة بانجراف التربة. ويوضح كيف يحدث انجراف التربة وكيف يمكن أن نتحكم بهذا الأمر، إلا أننا بحاجة إلى مزيد من البحوث حول كيفية قياس معدلات فقدان التربة، كما أن الميزانيات اللازمة لتدابير الحد من هذه المشكلة لا تزال موضع نقاش. وفي الواقع، هناك خلاف حول ما إذا كان انجراف التربة يحولها إلى مصدر لانبعاثات الكربون، أو أنه يشكل بالوعة لها، وكذلك حول صيغ تقييم العلاقة بين حجم بقع قطرات المطر، واحتمالية فصلها لجزيئات التربة وإزالتها من بيئتها الطبيعية.
ومع ذلك، هناك أدلة واضحة على أن معدلات انجراف التربة على الأراضي الزراعية المحروثة بالطرق التقليدية أو المراعي الكثيفة رعوياً، هي أكبر بشكل ملحوظ من الانجراف تحت الغطاء النباتي المحلي -وأعلى بكثير من معدلات تكوين التربة- مما يعني أننا نستنفد مورداً غير متجدد. ويمكن أن يقلل الغطاء النباتي -بما في ذلك الشجيرات والأشجار والأعشاب القادرة على الصمود ومحاصيل التغطية والأعشاب- من انجراف التربة الناتج عن الرياح بأكثر من 80%، كما يعزز قدرة امتصاص الماء، ويخفف من تلبد التربة ويمنع إنشاء القنوات والأخاديد التي تعيق العمل الزراعي، كما أن تقليل الحراثة أو انعدامها يعتبر من الممارسات الفعالة أيضاً، ولاسيّما في المناطق الأكثر جفافاً.
وبالنسبة للعديد من المزارعين، فإن تدابير مكافحة انجراف التربة تستغرق وقتاً طويلاً لتؤتي ثمارها، كما أنه في الواقع، فإن المصاطب، وهي نهج له رأسمال كبير وفعال للغاية، يمارسه المزارعون منذ آلاف السنين، أصبحت اليوم عرضة للفشل؛ بسبب سوء الإدارة والتصميم، فضلاً عن هجرها والتخلي عنها، وهذا منتشر على نطاق واسع في جميع المناطق التي توجد فيها المصاطب، مما يجعل الحلول الطبيعية أداة منطقية لإدارة التربة.
وفيما يلي خمس طرق تهدد تآكل التربة بها أمننا الغذائي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة:
1- تآكل التربة يقوض قدرتنا على زراعة الطعام المغذي:
بتقليل العناصر الغذائية المتاحة للنباتات، وكذلك المساحة الكافية لإمكانية التجذّر، يمكن أن يؤدي تآكل التربة إلى تقليل غلات المحاصيل بنسبة تصل إلى 50%، إضافة إلى ذلك، عادة ما تكون المحاصيل التي تنمو ذات جودة أقل؛ فهي مشوهة وأصغر وأقل تغذية، ومن شأن هذا المنتج المنخفض الجودة أن يؤثر ليس فقط على المزارعين الذين يحاولون بيعه، وإنما أيضاً على الأشخاص الذين يتناولونه، ويستهلكون كميات أقلّ من المواد المغذية.
2- يؤدي تآكل التربة إلى تدهور النظام الإيكولوجي:
تآكل التربة هو إزالة التربة السطحية، وهي الطبقة العليا الأكثر خصوبة في التربة، ما يؤدي إلى تراكم المعادن والمواد المغذية في التربة في أماكن أخرى، فتتدهور النظم الإيكولوجية التقليدية بذلك في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتراكم الرواسب المترسبة في الخزانات أو تقطع مجاري الوديان والأنهار، فيحرم الناس من الموارد والطاقة التي توفرها هذه المجاري.
3- يؤثّر تآكل التربة على إمدادات المياه:
تلتقط التربة المياه وتخزنها وتصفيها، لذلك عندما تتآكل التربة؛ يمكن أن تنخفض كمية المياه التي تمر بها. وبدون تربة؛ قد تنخفض جودة مياه الشرب في المناطق المنخفضة، إذ لا تتم تصفية المياه بشكل مناسب من خلال التربة في أعلى النهر، بالإضافة إلى ذلك، بوجود كمية أقل من التربة لامتصاص هطول الأمطار الغزيرة، قد تصبح الفيضانات أكثر تواتراً وشدة.
4- يدمر تآكل التربة البنية التحتية الحضرية:
عندما لا يتم تجميع التربة عن طريق جذور النباتات، يسهل تحركه بواسطة الرياح أو المياه، ونتيجة لذلك، يمكن للتربة الرخوة والمتآكلة أن تزيد من حدة الفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف الريحية، ولا تقتصر هذه الكوارث الطبيعية على تدمير المزارع، بل يمكن أن تضر أيضاً بالبنية التحتية الحضرية التي توفر خدمات حيوية لسكان المدن.
5- يساهم تآكل التربة في الفقر ويمكن أن يؤدي إلى الهجرة:
لقد نزح أكثر من 68 مليون شخص من ديارهم في جميع أنحاء العالم، وقد قام العديد منهم بذلك؛ بسبب القضايا المتعلقة بالمناخ، ويؤدي تآكل التربة إلى تفاقم آثار تغير المناخ، فبتقليل التربة؛ تصبح النظم الإيكولوجية أقل قدرة على التكيف مع أنماط جديدة من درجات الحرارة وهطول الأمطار. ونظراً لأن التربة المستنفدة تمكِن من تفاقم آثار أحداث الطقس؛ تتأثر سبل عيش الناس بشكل متزايد، وقد يضطر المزيد من الناس إلى الرحيل.