قدم الأستاذ الدكتور عبد الرحمن سعد العرابي، أستاذ بقسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز، ندوة عن «حارة المظلوم بين الأسطورة والحقيقة» أكد من خلالها أن هناك قصة أسطورية راجت بين العامة عن سبب تسمية حارة المظلوم بهذا الاسم اعتمادًا على ما نقلته مصادر تاريخية تتحدث عن مدينة جدة وأحيائها.
ووقف د. العرابي عند بعض الروايات التاريخية عن سبب تسمية حارة المظلوم بهذا الاسم، بادئا بما قاله عبد القدوس الأنصاري في كتابه «موسوعة تاريخ جدة»، أن سبب تسمية حارة المظلوم بهذا الاسم نسبة للسيد عبد الكريم البرزنجي الذي قتلته بها الحكومة التركية، ويورد القصة ذاتها محمد علي مغربي في كتابه «أعلام الحجاز»، في حين يورد محمد صادق دياب في كتابه «جدة التاريخ والحياة الاجتماعية» نفس القصة وتفاصيل الأسطورة، في حين يتوقف دحلان وهو أحد علماء مكة في القرن 13هـ عن القول بأن مقتل البرزنجي كان سبب تسمية المحلة بالمظلوم.
أما موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية وهي اليوم واحدة من أهم مصادر المعرفة فتؤكد الرواية وتفصلها على أنها حقيقة ثابتة.
في حين يورد د.عبد الباسط بدر في كتابه الموسوعي «التاريخ الشامل للمدينة المنورة»، قصة مقتل عبد الكريم البرزنجي في مدينة جدة وتسمية المحلة باسم المظلوم نسبة إليه، وذلك عند حديثه في الموسوعة عن فتنة الأغوات.
ويصل د. العرابي إلى القول أننا شاهدنا من إيراد كل هذه الروايات التأكيد على رسوخ الحادثة في أذهان الغالبية العظمى إن لم يكن الكل ممن يؤرخون لمدينة جدة أو ممن هم من أهلها ويأخذونها على أنها حقيقة تاريخية ثابتة، ويوضح د. العرابي أن البحث في ثنايا المصادر التاريخية يوضح أن كل هذه المرويات السابقة عن سبب تسمية حارة المظلوم بهذا الاسم والمنسوبة إلى حادثة مقتل عبد الكريم البرزنجي ليست الوحيدة بل أن هناك روايات أخرى تعزو سبب تسمية الحارة إلى حادثة أخرى وإلى زمن مختلف، حيث نجد لدى مؤرخ جدة عبد القادر بن فرج والمتوفي سنة 1010هـ، أي قبل 126 عامًا من مقتل البرزنجي، حيث يروي في كتابه «السلاح والعدة في تاريخ بندر جدة»، في أثناء حديثه عن أحد أولياء جدة قوله: «وفيها من الأولياء المشهورين بالصلاح والعلوم الشيخ عفيف الدين عبد الله المظلوم وقبره داخل السور من جهة الشام وسمي المحل والبقعة التي هو فيها بالمظلوم»، والملاحظ في هذه الرواية أن ابن فرج لم يوضح سببا لمظلومية الشيخ ابن عفيف، وكذلك ما أورد المؤرخ المكي جار الله بن فهد أثناء حديثة عن غرق سفينة في البحر الأحمر حادثة أخرى عن التسمية فبل (٢٠٩) عاماً من حادثة مقتل البرزنجي وتسميته للشيخ المظلوم وأنه مدفون في محلة المظلوم.
ويضيف د. العرابي أن هذا التضارب في الروايات حول أسباب تسمية حارة المظلوم بهذا الاسم يدفعنا إلى القول أن الرواية التاريخية الصحيحة اختلطت بالنزعات والمشاعر الإنسانية فشكلت ما يمكن تسميته بالأسطورة وجعلت من البرزنجي «شهيداً» خط دمه كلمة «مظلوم» وهو مايتنافى مع التحليل التاريخي المنهجي.