كثير من الدول لاتزال تعاني من أزمة عقارية، وقد كان هذا واضحاً وجلياً في حجم العرض والطلب في الأسواق، فسوق العقارات شأنه شأن أي سوق يحتكم في النهاية لقانون العرض والطلب فيصبح هو المؤشر والفيصل الذي يرفع الأسعار في السوق أو يجمدها وحتى يهوي بها، وعلى الرغم من الآثار السلبية التي ألقتها الأزمة المالية العالمية على الأسواق المالية والعقارية بشكل عام, وعلى الرغم من الركود الاقتصادي الذي أصاب الكثير من الدول في العالم, وعلى الرغم من تأثر أسواقنا إلى حد ما بها وهبوط أسعار المواد الأولية الخاصة بالبناء إلا أنّ أسعار العقارات لا تزال تراوح مكانها ولا يزال الطلب أكثر من العرض بكثير، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار للكثير من المشاريع العقارية التي تم إنشاؤها أو التي لا تزال تحت الإنشاء، فما السبب في ذلك؟ ولماذا لا يتم تعويض النقص في العرض من خلال المشاريع التي يتم تنفيذها وضخها بالأسواق؟ لمعرفة الجواب وتحليل الأسباب توجهنا إلى (الدكتور/ عبد السلام الشمري) الخبير المالي والاقتصادي وطرحنا عليه الاسئلة السابقة.
يقول (الدكتور/ عبد السلام): "إنّ السوق العقاري كما أسلفنا يحتكم لقوانين العرض والطلب، وطالما أننا نرى أنّ السوق لا تزال تراوح مكانها وتقاوم كل أسباب الهبوط فبالتالي من الأكيد أنّ المعروض أقل بكثير مما هو مطلوب، وطبعاً هذا مثبت بالإحصائيات فنحن في مدينة مثل الرياض مثلاً لا نزال بحاجة لأكثر من 500000 وحدة سكنية حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من كل المشاريع التي تم إنجازها إلا أنها لا تعوض النقص والقصور الحادث بالأسواق، وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من المدن الأخرى والتي تعاني من نفس المشكلة بل بشكل أكبر مما هي عليه بالرياض".
التطوير العقاري
ولتعليل وتحليل أسباب هذا النقص والقصور يقول (الدكتور/ الشمري):" إننا في أسواقنا بحاجة لتطوير عقاري أكثر من حاجتنا لاستثمار عقاري على الأقل في الوقت الحالي، والاستثمار العقاري والتطوير العقاري لهما معنيان مختلفان تماماً, فالتطوير هو استثمار بينما الاستثمار ليس دوماً تطويرا, والمقصود بالاستثمار العقاري أو المضاربة العقارية أن يقوم شخص ما بشراء عقار ما أو مجموعة عقارات وبيعها في وقت لاحق للاستفادة من فرق السعر وارتفاعه، أو أن يقوم بشراء قطعة أرض في منطقة معينة ويقوم ببيعها بعد أن يقوم بالبناء عليها بغض النظر عن نوع البناء أو حجمه, وهذا كله دون عمل أي دراسة من أي نوع، أما التطوير العقاري فهو أيضاً استثمار ولكنه يعتمد على دراسة معينة قبل البدء به لتعطي فكرة عن نوع العقار المطلوب والذي سيكون عليه طلب أكثر في المستقبل بالإضافة لخدمات ما بعد البيع التي تعتمد على توفير كل ما هو ممكن للمالك الجديد أو المستأجر من إمكانيات تسهل له عملية السكن أو العمل في حال كان العقار تجاريا.ً
وبالتالي فالمقصود من أننا بحاجة لتطوير عقاري أكثر من حاجتنا لاستثمار عقاري أننا بحاجة لدراسات في كل منطقة وحي تعطينا دراسة عن نوعية العقارات المطلوبة وعن الحجم المطلوب بالضبط ولابد لهذه الدراسة أن تكون علمية ومتخصصة بحيث تكون النتائج أقرب ما تكون إلى الواقع، وهنا نستطيع أن نلامس الطلب لا أن يكون لدينا معروض ضخم من نوعية عقارات معينة تؤدي إلى هبوط الأسعار, وفي المقابل لدينا نقص هائل في نوعيات أخرى تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وعلى سبيل المثال نجد الكثير من المناطق في المملكة بها أسواق تجارية كبيرة وفارغة فيما توجد أسواق أخرى تعج بالمواطنين والمتسوقين، والسبب في أغلب الأحيان يكون لأنّ الكثير من الأسواق أصبحت الآن تقام بدون دراسة تحدد ما إذا كانت هذه المناطق بحاجة فعلية لأسواق أم لا؟"».
تغيير الأسعار
ويضيف الدكتور:» بأنه وعلى الرغم من هبوط أسعار بعض المواد الخاصة بالبناء إلا أنّ الأسعار لم تهبط بنفس النسبة على الرغم من التوقعات التي أفادت أنّ أسعار العقارات ستهبط بشكل كبير، والسبب بدون شك لأنّ الهبوط بالأسعار يقابله من الطرف الآخر الاستمرار بالطلب بنفس النسبة وبالتالي فإنّ المطلوب هو ترتيب من قبل الجهات المسؤولة لنوعية المشاريع المطلوبة لخلق حالة من التوازن بالسوق ترافقها حالة من إشباع التعطش لنوعيات معينة من العقارات وبالتالي توازن بالأسعار نفسها وتوفير كل الخدمات للجميع بإذن الله».
بعض الحلول باشرت بها الدولة
وقد قامت الدولة فعلياً وبرعاية وتوجيه مباشر من خادم الحرمين الشريفين بوضع الحلول وتنفيذها على أرض الواقع في محاولة لتضييق مشكلة الحصول على السكن قدر المستطاع وذلك من خلال تشجيعها على التوجه للمدن الصغيرة والابتعاد عن التكتلات السكانية الكبيرة والمدن الرئيسية، وقد تُرجم هذا بالفعل من خلال المدن الاقتصادية مثلاً, والتي تم البدء بتنفيذها في مناطق بعيدة عن التكتلات السكانية الضخمة مما يساعد على توجه العاملين فيها والمستفيدين منها للسكن في المناطق المحيطة بها بعد توفير الخدمات اللازمة لذلك، كما وأنها قامت بطرح العديد من المشاريع مثل: الجامعات والمحطات وغيرها من المشاريع التي تحوي بداخلها مساكن لكل العاملين بها بالإضافة لتوفيرها لكل الخدمات من أسواق, ومراكز تسوق إلى مدارس, وأندية ترفيهية, ومساجد وغير ذلك من الخدمات الأخرى.
هذا كله له دور كبير في حصار الأزمة العقارية من ناحية الحكومة بالإضافة لتوجيهها لشركات الاستثمار العقاري لإقامة المشروع العقاري المناسب في المكان المناسب مما يساعد على توفير حالة التوازن الفعلي بالسوق والتي ستنعكس على الأسواق والأسعار بشكل مباشر مما سيساهم أيضاً في حل الأزمة العقارية وأزمة تملك السكن على حد سواء, وخلق مدن جديدة بعيدة عن المدن الكبيرة, والاستفادة من ثرواتها وخيراتها بحيث تعود هذه الفائدة على الجميع _بإذن الله_ سواء بتوفير سكن للمواطن من جهة, أو بزيادة الناتج المحلي ودعم الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى.