يرى الكثيرون أنّ الظروف المالية العالمية السابقة كانت ولا تزال تتطلب منهم السكون والهدوء وعدم الاندفاع في الأسواق خشية أن تطالهم خسائر طالت أغلب من كانوا بالأسواق في ذروة الأزمة المالية وخاصة هؤلاء الذين كانت لاستثماراتهم علاقة مباشرة بالقطاعات التي منيت بالخسائر، وهذه طبعاً وجهة نظر تستحق الاحترام ولها مناصرون قد يتجاوز عددهم نصف المستثمرين وربما أكثر.
مجاهد سالم أستاذ علم الاقتصاد له وجهة نظر أخرى قد تكون مخالفة لوجهة النظر السابقة في بعض جوانبها, وقد تتشابه معها في جوانب أخرى، فهو يقول:" إنّ الاستثمار الحذر هو الوسيلة الأفضل لحفظ الأموال خاصة في ظل هكذا ظروف"، ولوجهة نظره هذه أسباب نوردها لكم فيما يلي:
أولاً: ما هو الاستثمار الحذر؟!
يقول مجاهد:" إنّ الاستثمار الحذر ليس مفهوماً محدداً يقصد به نوع معين من الاستثمارات أو سلعة أو قطاع معين نستثمر فيه، وإنما المقصود به الاستثمار الذي تكون به نسب المخاطرة بأقل مستوياتها سواء أكان هذا الاستثمار جديداً أو قديماً، فلو كان هذا الاستثمار جديداً فعلينا أولاً أن نفكر في أنواع من الاستثمار الآمن الذي لا يحمل كثيراً من المخاطر حتى ولو قلت أرباحه عن الاستثمار غير الآمن أو الأقل أماناً، أما لو كان الاستثمار قائماً وليس جديداً فعلينا أن نفكر في كيفية زيادة عوامل الأمان وتقليص نسب المخاطرة بالمقابل، فعلى سبيل المثال يمكننا أن نقلص من نسب الإنتاج، أو أن نبتعد عن المناطق الجديدة وغير المعروف تاريخها في هذا النوع من الاستثمار, ونركز في المقابل على المناطق المضمونة أو شبه المضمونة وهكذا بحيث أننا نركز على نقاط وعوامل الأمان ولا نسعى بأي حال من الأحوال إلا إلى الحفاظ على مركبنا سائرة في خضم الأمواج لا أن نفكر في التطور والزيادة بل بالاستمرار والاستقرار فقط فهذا بحد ذاته وفي حال وجود ظروف اقتصادية سيئة يعتبر النجاح بل قمة النجاح".
ثانياً: الهجوم خير وسيلة للدفاع
مقولة معروفة وتحمل في طياتها الكثير من العبر، فالهجوم بحد ذاته هو وسيلة للدفاع قد تلهي الخصم نفسه بالدفاع عن نفسه وبالتالي تقلل من حدة هجومه وهذا هو المطلوب، وليس المقصود بطبيعة الحال أن نقيم حرباً مع الاستثمار ونهاجمه حتى لا يهاجمنا ويكبدنا الخسائر, ولكن المقصود أننا في حال كنا نمتلك رأس المال وهو أهم مقومات الاستثمار فعلينا أن نفكر كيف نستثمر هذا المال، فالحقيقة الواضحة أنه وبمرور الوقت وخاصة في ظروف مالية سيئة فإنّ المال يفقد بالتدريج قيمته نظراً للغلاء ولارتفاع الأسعار المستمر، وللحفاظ على رأس المال على وضعه على أقل تقدير فعلينا أن نفكر بزيادته بحيث أن نبقي على قيمته الشرائية كما هي بدون نقصان، فأنت مثلاً لو كنت تملكين ما تستطيعين أن تشتري به 1000م2 مربع من الأراضي في مدينة ما الآن فأنت لن تستطيعي بعد عشر سنوات أن تشتري نفس الأرض بنفس القيمة وبالتالي فرأس مالك فقد جزءاً من قيمته الشرائية والتي من المفترض عليك أن تحافظي عليها, وأن تبقي قيمته الشرائية هذه ضمن نفس الحدود وفي نفس النطاق على أقل تقدير.
ثالثاً: أين تكون الاستثمارات الآمنة؟
إنّ الاستثمارات الآمنة هي مفهوم مطلق بمعنى أنه لا يوجد نوع معين من الاستثمارات يعتبر آمناً ونوع آخر لا يعتبر آمناً، وكما أسلفنا في الفقرة الأولى فعوامل الأمان نستطيع أن نحركها بالزيادة والنقصان حسب الحاجة وحسب الظروف المحيطة، والمقصود بالاستثمار ليس بالضرورة أن يكون هو المقصود بالمفهوم التقليدي المعروف كأن تقومي بتأسيس مشروع معين وأن تضعي رأس مالك فيه وتنتظري العوائد، فربما لا تكونين متفرغة لذلك وربما تكونين ربة أسرة ولا تمتلكين الوقت أو الإمكانات الشخصية التي تمكنك من هذا، ولكن المقصود بالاستثمار هنا أن تحاولي الإبقاء على رأس مالك كما هو، فباستطاعتك مثلاً أن تقومي بشراء قطعة أرض أو عقار معين أو غيرها من الاستثمارات التي لا تطلب منك أي مجهود يذكر وإنما في هذه الحالة فقط فأنت تحافظين على رأس مالك وتبقين قيمته الشرائية كما هي بحيث ترتفع قيمته مع ارتفاع السوق فتستطيعين أن تبيعيه في أي وقت لتبدئي مشروعك حتى ولو بعد عشرات السنين فما تستطيعين شراءه برأس مالك هذا الآن ستشترينه به في أي وقت دون أن تتأثري بأي عوامل خارجية, أو أن تنخفض قيمته الشرائية كما لو كان سيحدث لو أنّ المال ظل كما هو بدون أي استثمار أو استغلال.
رابعاً: الغاية من الهجوم
وكما قلنا بالسابق فالهجوم هو أن تفكري في الاستثمار حتى بالظروف التي لا تساعد عليه، والهدف هنا ليس الأرباح وإنما الحفاظ على رأس المال إلى أن تتحسن الظروف العالمية أو المحلية المالية, وتصبح مواتية للمتاجرة أو المخاطرة، ويمكنك أيضاً أن تعتبري استثمارك هذا هو الاستثمار المطلوب فكثير من العقارات تعتبر استثماراً ناجحاً جداً, وتحقق مكاسب لا تحققها العديد من المشاريع الأخرى، ومن ناحية ثانية فأنت حافظت على رأس مالك وعلى مالك بشكل عام وتجاوزت المرحلة الصعبة دون أي تأثير يذكر, وتملكين بيديك كل الخيارات الاستثمارية من جديد مفتوحة على مصرعيها، وفي جميع الحالات وحتى لو قررت أن تبدئي استثماراً ما فعليك وقبل كل شيء وفي ظل أي ظروف اقتصادية أن تفكري في عوامل الأمان وفي هامش المخاطرة, وتعملي على تقليل المخاطر قدر ما تستطيعين فالاستثمار كان ولا يزال ومهما كانت الظروف الاقتصادية جيدة يحمل في طياته الربح والخسارة وكلاهما وارد وبنفس الاحتمالية