تميزت الأسواق خاصة في منطقة الشرق الأوسط بنوع من الاستقرار النسبي المصحوب بحالة من الترقب والحذر، خاصة من قِبَل صغار المستثمرين، والذين كانوا دومًا الحلقة الأضعف والضحية لكل انهيارات الأسواق، وقد صاحب هذا الاستقرار في نهاية العام الماضي 2009م نوع من الإقبال على العمل بالأسواق من جديد، ولكن مع بعض الحذر، والذي يعتبر دومًا في هذه السوق سلاحا ذا حدين، فهو من ناحية جيد؛ لأن الحذر مطلوب دومًا، وفي كل مناحي الحياة، ويفترض أن يُصاحب العمل، فهو مضاد للتهور واللاعقلانية في العمل، وهو من ناحية أخرى له جوانب سلبية، حيثُ إن أغلب المستثمرين يفرون بمجرد سماعهم أي أخبار سيئة عن الأسواق حتى لو كانت شائعات، مما يساعد ويسهم في تدهورها بشكل أكبر بكثير.
يقول الخبير الاقتصادي في أسواق المنطقة أسامة خيرالله: «إنّ ما عانت منه الأسواق في السابق وكان له أكبر الأثر على سلوكها هو ضعف الثقة بينها وبين المستثمر، وهو ما كان له الأثر الأكبر على هذا السلوك الضعيف، من الواضح أن الأسواق في المنطقة، خاصة في الربعين الأخيرين من العام الماضي بدأت بالتوجه ولو بشكل نسبي يختلف من سوق لأخرى نحو الاستقرار، مما يزيد من فرصة الارتفاع في أعداد المتوجهين والساعين لها».
تنويع الاستثمار.. أم تجميد الاستثمار؟
يقول خيرالله: «إن العنصر الأهم في العودة للاستثمار بالأسواق الخليجية هو أن تكون هذه العودة تدريجية مبدئيًّا، ولابد أيضًا أن تكون متحفظة، بمعنى أنها حذرة وحذرة جدًّا أيضًا، والأهم من ذلك كله أن تكون جزءًا من استثماراتك، وليست كل استثماراتك، أو على الأقل ألا تكون بكل رأس المال، بل بجزء منه لا يُجاوز النصف على أقصى تقدير، وقبل كل شيء لابد أيضًا أن يكون الاستثمار مبنيًّا على أسس علمية، ووفق دراسة وليس بشكل عبثي يعتمد فقط على الحظ، هكذا فقط نكون قد استفدنا من أخطاء الماضي، وتنويع الاستثمار مهم جدًّا أيضًا، خاصة عندما تقرر أو تقررين العمل في سوق مثل سوق الأسهم، فهو يعطيك فرصة كبيرة لإيقاف استثمارك في الأسهم متى وجدت أنه يجب عليك ذلك، فيما تبقى بقية استثماراتك الأخرى مستمرة وتحقق الدخل المطلوب منها، أو على الأقل لا تكوني قد جمَّدت كل رأس مالك في الأسهم، مما يضطرك لبيعها حتى ولو لم تحقق أرباحًا، بل وربما تضطرين لبيعها، وهي خاسرة وذلك لحاجتك الماسة للمال، وبالتالي فإن تنويع الاستثمارات بجانب الاستثمار بالأسهم يعطي فرصة كبيرة للمستثمر أن ينجح، حيثُ إنه يستطيع أن يعمل بحرية أكبر فينتظر متى وجب عليه الانتظار، أو يُوقف استثماراته في حال أن الظروف في السوق تستدعي ذلك، بينما لو كنت تستثمرين بكل رأس مالك أو كانت الأسهم هي استثمارك الوحيد؛ فأنت في هذه الحالة قد تضطرين للمضي بخطوات لم تكوني لتفعليها لو أنك مخيَّرة، وتملكين قرارك بشكل كامل.
إنّ أسواق الأسهم لم ولن تفقد أبدا بريقها اللامع والأخّاذ، فهذه الأسواق كانت دومًا حلم كل منْ يطمح بتحقيق أرباح كبيرة وثروات طائلة بأوقات سريعة وبدون أي مجهود يذكر، مما يجعلها دومًا محطَّ مراقبة الشباب الحالم بالثروة الكبيرة والسريعة، أستطيع أن أؤكد لكم من خبرتي في أسواق المال أن الإقبال عليها سيعود كما كان وربما أكثر بمجرد أن ترتفع وتحقق بعض الأرباح كما في السابق، وستعود الكرة مرارًا كما عادت في المرات السابقة حتى ولو كانت العودة بالتدريج، وهذا للأسف ما يحدث دومًا، فالكل يقول ربما يُسعفني الحظ هذه المرة وأحقق الربح الذي أحلم به، والغريب أنه حتى وإنْ حقق هذا الربح فهو لا يخرج وإنما يطمع بالمزيد والمزيد، وبالتالي يكون فريسة سهلة للخسارة وفقدان رأس المال، لذلك فمن الواجب أن يحاول كل مستثمر أن يرفع من نسب التحكم في نفسه قبل الدخول، وأن يعرف متى يخرج وما الذي يريده، أو ما الذي يرغب في تحقيقه، ويجب أيضًا كما قلنا بالسابق ألا يغامر بكل ما لديه، وأن يحاول أن يستثمر في مجالات أخرى، مما يساعده في زيادة نسبة التحكم في نفسه بشكل أفضل بكثير.
كنت ولا أزال أنا والكثيرون مِمن هم على اطلاع بأسواق المال نعارض تجميد الاستثمارات في أسواق المال، فأسواق الأسهم من الأسواق التي يمكنها أن تحقق أرباحًا حتى وهي منخفضة وبشكل يومي ومستمر، وهذا ما حدث وما يحدث حتى الآن، فهناك مستثمرون لا يزالون بالسوق ولا يزالون يحققون أرباحًا ولو كانت متواضعة، فالمضاربات السريعة اليومية يمكن لو كانت وفق إستراتيجية واضحة ومدروسة أن تحقق أرباحًا ربما تكون متواضعة ولكنها في النهاية أرباح، منْ خرج من السوق هو منْ تأثر بالشائعات، أو من اضطر أن يخرج ليحافظ على ما تبقى من رأس ماله أو منْ هو بحاجة لهذا المال، وبالتالي فكما قلنا بالسابق فالمهم أن نحاول أن نفتح أفاقًا جديدة للاستثمار قبل العودة لسوق الأسهم، وألا نعتمد عليه بشكل كلي بل نحاول أن نجعل أرباحه ودخله أرباحًا إضافية بجانب استثمارات أخرى، ونكون حينها غير مضطرين للخروج لاستعادة رأس المال أو ما تبقى منه مما يلحق بنا المزيد من الخسائر».