بدون إفطار

بدون إفطار

جلس (الشحات) كعادته كل ليلة في رمضان أمام وجبة الإفطار، في انتظار انطلاق المدفع، هو ليس ككل الشباب الذين يفطرون الليلة وسط عائلاتهم، انطلق مدفع الإفطار، أشعل سيجارته وراح ينفث دخانها محاولاً أن ينفض به ما يلج في صدره من هم وضيق. بطريقة لا إرادية امتدت يده لتشعل السيجارة الثانية فالثالثة، أحس باحتراق أطراف أصابعه من السيجارة الأخيرة، فألقاها في المنفضة، هب واقفًا عازمًا على مغادرة هذه الغرفة القذرة، التي لا تحوي من الأثاث سوى سرير قديم؛ لينام عليه، وحصير من البردي، وتليفزيون انتهى عمره الافتراضي، وضعه على منضدة صنعها هو بنفسه من بقايا الأخشاب القديمة.

فتح باب الغرفة المطل على الشارع، ووقف لحظات يتأمل الشارع الخالي من المارة، وبدأ يسير متثاقل الخطى، توقف فجأة عندما جذبت انتباهه أمٌّ تحايل طفلها؛ لينهض ويتناول معهم الإفطار، فشعر بالغبطة لهذا الطفل الصغير.

لوح بيديه لسيارة، توقفت، سأله السائق إلى أين؟ لكنه لم يجد جوابًا، فلاذ بالصمت الثقيل، لم يكرر السائق سؤاله، والتفت إلى طريقه، وقف (الشحات) يتنقل ببصره بين المارة، وهو لا يدري إلى أين يذهب؛ قدمه تسير وحدها، حفظت طريقها اليومي، وجد نفسه جالسًا على المقهى الذي اعتاده يوميًا. منحه (الجرسون) بعض الحبات حمراء اللون، التهمها كالطفل الجائع، تراكمت الهموم على ذهنه؛ ذكريات أليمة تمر بخاطره، مآقيه تنهمر بالدموع، لا يشعر بأحد ممن حوله، والجميع ينظرون إليه متأملين متفحصين، ارتفع أذان الفجر، دعاه «الجرسون» للانصراف للصلاة، ذكريات أليمة تمر بخاطره من أيام الصبا، ذكريات لا تحمل سوى الهموم والأحزان، حتى تلك النسمة التي أضاءت حياته حرمه منها خاله، فبعد انفصال والديه تزوج أبوه وتزوجت أمه، واستقر به المقام في منزل خاله، وأحب ابنة خاله (نسمة)، لكن خاله رفض زواجهما، عاد إلى منزل والديه القديم المتهدم المهجور منذ انفصالهما، ذكريات مؤلمة تؤلم عقله، يبكي تارة، ويبتسم تارة.

عاد إلى قريته، وجموع المصلين قد خرجت بعد الصلاة. لا يدري لماذا هذه الجموع؟ لمح منزله من بعيد، فتح باب حجرته، يتجول بين أركانها ببصره، لفحت أنفه رائحة دخان السجائر، إنه يشعر بالجوع الشديد؛ لقد نسي أنه مازال بدون إفطار.

علي عفيفي

 

لاجــــئة

 

أود أن أملأ هذه الصفحات بالدموع. أود أن أملأ نفسي بالسم؛ ليحرق قلبي. كيف لي أن أسأل: لماذا؟ وهي إرادة من توجهت بسؤاله. لم كتبت الحروف لتقرأها العيون ووجد الحب؛ لكي تسرقه القلوب. لمَ يا قلبي هذه المنعطفات التي لا تعرف لها مخرجًا؟ لمَ يا قلبي نحب أشخاصًا ما كتب لنا أن نكون عناوين صفحاتهم، أو تفيض الكلمات وجدًا لمن غادر نفسي؟ أتدعي القوة والتماسك عنوة؟ لــــــماذا؟

مشردة أنا ولا تسعني أوطاني، رحلت بلا زاد، ومازالت أرض الكون لا تسعني. أشكو منك إليك، هكذا اعتدت، فأنت مرآتي ومشكاتي ودليل ضرير اختارك دون الدنيا ليراها فيك. 

لجأت إلى قوقعتي؛ لأحتمي بها، فأنجو من ذكراك التي تساورني في كل لحظة وأخرى. لجأت لنفسي فوجدتها غادرتني راحلة إليك، وما فائدة جسد غادره القلب والروح؟ فها أنا ذا جثة هامدة متى ما حركتها الريح تحركت، ومتى ما تجاهلتها سكنت.. تضيع الحروف من بين يدي.. تضيع تعابيري اللاذعة في حضرتك.. فأجهل ما أكتب وماذا أقول.. وكيف أعبر عن كل لحظة عشق باتت لك؟ كيف أعبر عن حنين سكن دواخلي إليك؟ كيف أحتمي وأختبئ منك وأنت في كل أماكني؟. 

حرمتني الدنيا من كل سعادة وهبتها لي ولو لأيام.. بخلت علي حتى ولو لحظات.. لا أعلم من ألوم سوى نفسي.. كم أمقتك؛ فقد بت لاجئـة، وكل الأوطان لا تسعني، كم أمقتك يا قلبي؛ لإغلاقك أبواب مسرتي.. أمقت نفسي وبشدة؛ فهي مزقتني، حولتني إلى أشلاء، فبت بلا مأوى، بلا مــرسى، بلا أمـان.. أصول وأجول بلا عناوين.. فأنت صحف صباحي الباكر.. ووجه نهاري الباسم.. وقمر مسائي النافذ.. أنت أحلى وأغلى من أن تصفك كلمـاتي.. فمهما بعثرت الحروف ونثرتها فهي لن تجدي نفعًا.. فهي لن ترجعك إلى عالمي..

 سما اليوسف

 

 

بيض!

 

طبعًا الجميع يعرف البيض...والبعض يعاني من حساسية من أكله.. ومن لا يعرف البيض فليبحث عنه في (جوجل)؛ لأن هذا ما فعلته أنا بالتحديد!

قد تستغربون...فلماذا أبحث عن معنى البيض؟ لكن الحقيقة أني أردت أن أتحقق من سلامة عقلي وصحة مفرداتي... مؤخرًا جرى حديث بيني وبين إحدى طالباتي... قالت لي بيأس وحزن: نفسي أنتحر! حياتي صارت كلها بيض!

قاومت رغبتي في سؤالها عن موقع كلمة «بيض» من الإعراب فيما تقوله، وعن علاقة البيض برغبتها في الانتحار.. ترى هل هناك نوع معين من البيض يسبب هذه الأحاسيس الانتحارية؟ ثم ما لبثت مقاومتي أن انهارت عندما أخذت الفتاة تكرر كلمة «بيض» عشرات المرات على مسمعي!

«الإجازة بيض! الشوارع زحمة وبيض! إخوتي كل كلامهم بيض! كل يوم نذهب لنفس المكان البيض.. حتى درة العروس صارت بيض.. حتى المطاعم الجديدة كلها بيض..»

إلى هنا لم أستطع التحمل أكثر... سألتها: هل هذه المطاعم تقدم البيض فقط؟ أرجوكِ أخبريني ما معنى البيض! يبدو أن له معنى آخر في قاموسك!

قالت وهي تضحك وقد نسيت حالة (البيض) التي تمر بها: «بيض يعني ملل... يعني شيء أو شخص مقرف أو دمه ثقيل»!

عدت إلى مكتبي وأضفت هذه الكلمة الجديدة إلى قاموس المفردات الشبابية الذي أحتفظ به... أضفت كلمة (بيض) إلى كلمات أخرى مثل: (مرة يحمِس)... (من جدكم إنتو؟)... (شد عليّ سيفون)... و(مع نفسه!(

وإذا لم تعرفوا معنى هذه الكلمات فأنتم حقًا مساكين... لابد أن تسألوا عن معانيها؛ حتى تواكبوا روح العصر وتصبحوا «كوول».. اذهبوا واسألوا الشباب عن معانيها بدلاً من الحياة «البيض» التي تعيشونها!

مها نور إلهي

 

 

الحرية

الكتب المعاصرة اليوم مليئة بالعتب واللوم، مليئة بطرق ذكية لإرشادك كيف تعيش اللحظة، وتنسى الماضي، ولا تفكر بالمستقبل.. تعيش حياتك ولا تقلق.. لماذا القلق؟

لماذا العذاب؟ هل كل الحكماء أصبحوا حكماء دون تجارب؟ هل ذاقوا طعم الأسى والحزن والظلم والسجن؟ أم كانوا يعيشون على كوكب آخر... ورزقوا الحكمة مسبقًا... كتبوا كتبًا عن التفاهم والتسامح والصدق والصراحة.

قد تكون كتبهم تقنيات ذكية وألاعيب مدروسة، وقد يزين السجن ليصبح مثالاً للحرية... وقد يصور للفرد أنه عندما يكون على سجيته يفقد اللباقة الاجتماعية فما هي الحرية؟

لا أدري...

هناء الناصر – الإمارات

 

فوضى

لقد أردت بعض الفوضى

وها قد حصلت عليها

أنت مختلف عن كل ما أردته يومًا

أنت مزعج بغيض

أنت تحيا وأنا أموت

الفوضى، التبعثر، الضياع

أنت تلك الكلمات

تلك التصرفات التي لم أسمح لنفسي بها

لم أسمح أن أنقاد إليها

فأنا منظمة

أنا مرتبة

أنا الساعة التي يسري عليها مجرى الكون

وأنت كل شيء يعاكسني في الحياة

 أنت ريح الشتاء التي تعبث في خصلات شعري

أنت المد والجزر الذي يحاول أن يغرقني

أنا أسمع كل شيء وأنت تصنع كل شيء

وأنا أريد.. أريدك أنت.. أريد فوضاك.. أريد... عفويتك

وصعوبة انقيادك

فأنت ترى ما تريد، وتحصل على ما تريد

بلا مقدمات بلا حسابات

فمن هذا الذي يجرؤ أن يقول لعنفوان الشباب كلا

وأي باب هذا الذي سوف يقفل أمام محياك

كم أريد أن أصبح جزءًا من محيطك

الجزء الذي تحتاجه أكثر من الهواء والنور

أريد أن تحتاجني كما أحتاج إليك

وتشتاق لي حتى بعد أن يأتي ذلك الوقت الذي أعود فيه لحساب الثواني

وتخطيط الأماني

الوقت الذي تفرقنا فيه

اختلافك واختلافي عن التصور للشخص المثالي..

هديل طارق البار – السعودية

 

حلم عمود

انتشر شاعر في مقهى يجمع أفكاره، فتح سؤاله بعبارة، مفادها:

عمود الرخام هذا يذكرني ببلاد أهلها أصبحوا حلمًا (...)، المهانون ثابتون، المارقون قمم، حين هوت المفاهيم في تلك البلاد، تغيرت الأخلاق، النفوس قش يابس يسكنه الجفاف، تجرفه الرياح، لم يجد صدى لذاكرة المكان... لملم أوراقه زاحفًا ببطء خارج البلاد.

رحاب الصايغ – العراق

 

ردود سريعة:

إلى ساهرة العنيزي: شكرًا على مشاركتك «فلسفة الروح» وترقبي نشرها قريبًا، ننتظر منك المزيد.

إلى أروى الحبتور من الرياض: مشاركاتك تصلنا تباعًا وستدرج للنشر.