عرين حسن، مصمّمةُ وفنانةُ نسيجٍ فلسطينيةٌ شابة، تقيم حالياً في دبي، لطالما كانت ممارساتها الفنية متوافقةً بشكلٍ وثيقٍ مع المنسوجات من حيث الأشكال والمبادئ، إذ وجدت أن المنسوجات وسيلةٌ مرنةٌ، سمحت لها بجمع خيوطٍ مختلفةٍ معاً في قطعةٍ واحدةٍ، لتعكس من خلالها هويتها الثقافية. عُرضت أعمال عرين في عديدٍ من المعارض العربية والدولية، كما أقامت معارضها الخاصة لتأخذ جمهورها في رحلةٍ رائعةٍ إلى وطنها الأم، حيث تزخر كل قطعةٍ بقصصٍ ومشاعرَ وألوانٍ خاصةٍ بثقافتها.
إشراف وتنسيق: رنا الطوسي Rana Al Tousi
نص | عبير بو حمدان Abeer Bou Hamdan
مساعدة تنسيق: Icho Ducao Maestrado
تصوير: عبدالله رمال Abdulla Rammal
مكياج: لينا قادر Lina Qader
إرث تتناقله الأجيال
تقول عرين إنها منذ ثمانية أعوامٍ تقريباً وحتى اليوم، لم تخرج يوماً دون شالها الفلسطيني المطرز، وتضيف: «وإن لم أرتدِه، فهو يكون معي دوماً في حقيبتي بأي مكانٍ أكون فيه حتى خلال سفري، وأشعر دوماً بأنه يعبِّر عن هويتي، وعن ثقافتي، وعن وطني، وأشعر بنقصٍ ما إذا لم يكن معي». وتؤكِّد في سياق حديثها، أن كل فلسطيني وفلسطينيةٍ، حتى الجيل الجديد، ينشأ، ويكبر مع الفن و التطريز الفلسطيني، وتقول: «التطريز والثوب الفلسطيني جزءٌ لا يتجزَّأ من هويتنا، ونعدُّه إرثاً، ينتقل بين الأجيال، وليس فقط هذا الجيل، ومهمتنا بوصفنا فلسطينيين أن ندعم التطريز الفلسطيني بأكبر قدرٍ ممكنٍ، لينتقل إلى الجيل المقبل، وتكون له ثقافةٌ وتاريخٌ ومستقبلٌ».
يمكنك متابعة الموضوع على النسخة الديجيتال سلام لفلسطين.. وثوبها المطرز
ليست مجرد خيوط ملوَّنة
أوضحت عرين أن «التطريز، والخيوط الملوَّنة رمزٌ، يعكس هوية فلسطين، ويروي قصة فلسطين بأكملها، بثقافتها، وتراثها، وطبيعتها، وأرضها، وتاريخها. التطريز الفلسطيني ليس مجرد فنٍّ، أو حرفةٍ فقط، بل ولغة أيضاً، تحمل في طيَّاتها قصةً، رموزاً، ومعاني. في الماضي، كان في الإمكان التعرُّف على النساء الفلسطينيات، لا سيما نساء الريف والبدو، من أثوابهن، وكل منطقةٍ في فلسطين، كانت تتميَّز برموزها، نقوشها، زخارفها، وألوانها الخاصة. هذه العناصر ليست مجرَّد تزيين بصري فقط، بل ورموزاً بصريةً أيضاً، تعكس هوية المنطقة، فمن خلال ثوبها الذي ترتديه، يمكن التعرُّف على هويتها، منطقتها، ومركزها الاجتماعي».
ʼكل منطقةٍ في فلسطين تتميَّز برموزها، نقوشها، زخارفها، وألوانها الخاصةʻ
المصممة عرين حسن
ʼالتطريز والثوب الفلسطيني جزءٌ لا يتجزَّأ من هويتنا، ونعدُّه إرثاً ينتقل بين الأجيالʻ
المصممة عرين حسن
رموز التطريز المختلفة
ذكرت عرين حسن أن «الغرزة المصلَّبة واحدةٌ من أشهر وأكثر الغرز انتشاراً في فلسطين، وتمثِّل جزءاً لا يتجزَّأ من ثقافة البلاد، وتتميَّز كل منطقةٍ جغرافيةٍ في فلسطين بأسلوب تطريزٍ فريدٍ، يعكس تراثها الثقافي والتاريخي. في منطقة الجليل مثلاً، يُستخدم التطريز بشكلٍ رئيسٍ مع خيوط حريرٍ حمراء، ويتميَّز بالرموز الهندسية مثل المثلثات، والمربعات، والماسات والخطوط».
وأكملت عرين: «منطقة رام الله، تتميَّز بتطريز رمز النخل، الذي يسمَّى العليق في بعض الأحيان، وكانت النساء يرتدين الأثواب المطرَّزة بفخرٍ، ويحملن صينيةً مزيَّنةً بزهرة القرنبيط. وتشتهر أيضاً بأنماطٍ أخرى مثل التفاح، القوس، زوجة الفران، القرنفل، مكحلة، الزنابق، القمر، العنقود، زيتون فلسطيني وأشجار السرو».
وأشارت إلى أن «بيت لحم، كانت تُعرف بعاصمة الموضة، وتشتهر بالفستان الملكي الذي كان جزءاً أساسياً من تجهيز العروس، ويتمُّ تقديمه من قِبل العريس. أما أشهر رموز التطريز في بيت لحم، فهي التفاح، طائر الجنة، الأطفال، مفتاح القلب، قمر بيت لحم والساعات».
وتابعت عرين تعريفها برموز المناطق الفلسطينية، موضحةً أن «منطقة القدس، تتميَّز برموز شجرة التوت، الأعلام، بلاط الحرم، الذي يمثِّل بلاط المسجد الأقصى في القدس، شجرة الحب، شجرة الورد، الطيور، أسوار القدس، عرق التفاح والساعات كما هو الحال في بيت لحم».
وفيما يخصُّ منطقة الخليل، التي تشتهر بالعنب، فهي بحسب عرين، تتميَّز بتطريز نقشة ورق الكرم، والعنب الزمردي، وتُعرف أيضاً برموز القرنفل، حمص وزبيب، شجرة السرو، سنبلة الذرة، عين البقرة، مفتاح الخليل، طريق الأشجار السرو، مطحنة وبلاط دمشق.
ولفتت المصمّمة الفلسطينية إلى أن منطقة يافا، تشتهر بزراعة الحمضيات، الرمان، التين وشجر السرو، «أي أنها غنيةٌ بالزراعة، خاصةً الفاكهة، لذا يتميَّز تطريز يافا بشجرة السرو، والأزهار، والمثلثات التي تمثِّل هذه الشجرة مع البذور والجبال».
أما منطقة غزة، التي كانت مشهورةً بصناعة النسيج وإنتاج الأقمشة، فيتميَّز فيها التطريز، وفق عرين، بتكرار رمز شجرة السرو، وقالت: «يمزج التطريز الغزي غالباً بين التصاميم الهندسية التقليدية، والخطوط الناعمة، ويضيف في كثيرٍ من الأحيان نمط الزهرة. وتشمل بعض رموز التطريز المشهورة في غزة البقلاوة، الخرز، الشعلة، قلادة السرو، مفتاح هضبة الخليل، مطحنة وزهور الرمان».
وبالنسبة لمنطقة صحراء النقب، أوضحت أن «التطريز يمكن أن يلعب دوراً مهماً في فرص الزواج، إذ يمكن معرفة الحالة الاجتماعية للفتاة من خلال الثوب الذي ترتديه، فالفتاة غير المتزوجة، والأرملة، تلبس فستاناً مزيَّناً بتطريزٍ أزرقَ، وعندما ترغب الأرملة في الزواج مرةً أخرى، تضيف إلى ثوبها بعض التطريز الأحمر، أو الوردي بوصفه إشعاراً برغبتها في الزواج، وبعض السيدات يرتدين برقةً، مع تزيينها بكثيرٍ من المجوهرات، وعصابة الجبين المطرَّزة»، وقالت: «تعكس ألوان تطريزات النقب ألوان الصحراء، البني والأحمر والبرتقالي، وأشهر رموز التطريز في المنطقة عين الجمل، ثمرة التين، نخلة بلا ثمار، القمر وأشجار السرو».
ʼالتطريز وثيقةٌ لتاريخنا، قصتنا، جذورنا وقضيتنا.. والغرزة المصلَّبة واحدةٌ من أشهر وأكثر الغرز انتشاراً في فلسطينʻ
المصممة عرين حسن
فستان القدس الحضري
تفصيل من تطريزات فستان القدس الحَضَري/ 2 فستان القدس الحَضَري
فستان القدس الحضري عبارةٌ عن ستارةٍ مفاهيميةٍ، أصبحت قطعةً مميزةً، وتمَّ عرضه في دولٍ عدة، هي فلسطين، بولندا، ألمانيا، تركيا، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، ولبنان، وعشرة معارض.
ويدور مفهوم الفستان حول صورةٍ أيقونيةٍ، تصوِّر فكرة اللغة الأم، ويتمُّ استخدام الخيط لطمس الحدود بين البشر والأشياء في مجملها، ما يضفي حيويةً، وتناغمَ الإدراك البصري في بلاد الشام. إن اجتماع المواد، والألوان، والأشكال، والتوجُّهات، والأنماط، يمكِّن المشاهد من ملاحظة العمل باعتباره معنى متجسِّداً، يرمز إلى الحياة الروحية، والتواصل من دون مساحةٍ ماديةٍ. ويوضح النمط المطبوع فكرة تقاليد التطريز في منطقة بلاد الشام، ويتلاعب العمل بتقنيات الوسائط المتعددة، مثل فك التشابك والتطريز اليدوي، والطباعة بالشاشة الحريرية، لتجربة فكرة الشفافية، وعكس وظيفة النسيج. يأخذنا «القدس الحضري»، الذي يحمل اسم موطن عرين، في نزهةٍ عبر ذكرياتها عن وطنها الأم، ولوحة الألوان المستمدَّة من تقاليدها وثقافتها.
إذا كنت مهتمة بالاطلاع على المزيد من الأزياء التقليدية في المنطقة العربية، سيعجيك هذا الحوار مع الباحثة في التراث التقليدي السعودي الدكتورة ليلى البسام: ليلى البسام في لقاء خاص : تدشين كتاب الأزياء التقليدية حلمٌ كبيرٌ تحقق