ثمَّة خيطٌ رفيعٌ، يفصلُ الديكورَ عن الموضة، فمصادرُ الإلهام، هي ذاتها، والمناخُ العامُّ المرتبطُ بالبيئةِ الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة، يرتبطُ أيضاً بالتصاميمِ بأشكالها المختلفة، فالمصمِّم ابن بيئته ومرآتها. وفي هذا الجانبِ، من الطبيعي أن تثمرَ حقبتَا الخمسينيات والستينيات عن تصاميمَ خاصَّةٍ بهما سواءً في عالمِ الأزياء، أو الهندسةِ الداخليَّة وديكورِ المنازل، بل وأن تنتقل إلى أجيالٍ لاحقةٍ، وهو ما نراه دارجاً عند مصمِّمي الديكورِ والأزياءِ المعاصرين، الذين يُترجمون هذا الإبداعَ في صناعةِ الموضةِ والديكورِ اليوم، ما يفسِّرُ العودةَ إلى تلك الحقبتَين كما رصدناه لكم فيما يلي.
حقبةُ الخمسينيات بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ، أعقبت الحربَ العالميَّة الثانية، وعُرِفَت بأزياءٍ، ركَّزت على الخصرِ الضيِّق، ومجَّدت قوامَ الساعةِ الرمليَّة. ويمكننا القولُ إن هذه الفترة، هي حقبةُ كريستيان ديورChristian Dior الذي أسَّس داره، معلناً بذلك انطلاقَ ما اشتُهر بـ New Look لجهةِ السترةِ المزوَّدة بحزامٍ ضيِّقٍ مع تنورةٍ «ميدي» منفوخةٍ. وهي أيضاً حقبةُ الأزياءِ والتصاميمِ التي تتبع الهرمَ المقلوب، ومنها انبثقت صيحةُ «نيو أوبليك» التي أطلقها الراحلُ كريستيان ديور، لتبدأ مرحلةُ الستينيات مع خلفه إيف سان لوران. تلك الحقبةُ، التي اتَّسمت بالتمرُّد Retro Revolution، طغت عليها تنانيرُ الـ «ميني»، والبدلاتُ الرجاليَّة للنساء، والتقت مع الخمسينيات في اعتمادِ الخطوطِ النظيفةِ والهندسيَّة، ولعل أبرز مصمِّمي الأزياءِ فيها ديور، وبالمان، وبالنسياغا، وماري كوانت، وإيف سان لوران. وسادت خاصَّةً في الستينيات الأزياءُ الميتاليكيَّة المستوحاةُ من الخيالِ العلمي، لا سيما لدى باكو رابان، وألكسندر مكوين Alexander Mcqueen، وبرادا Prada، وجورج شقرا Georges Chakra.
وعليه، من الطبيعي أن يتأثَّر عالمُ الديكورِ خلال تلك الفترةِ بمصمِّمي الأزياءِ فيها، وبهذا العصفِ الذهني من الأشكالِ الهندسيَّة، والألوانِ السائدة، والقصَّات التي حدَّدتها اتِّجاهاتُ الموضة، وأسلوبُ الحياة حيث بدأت تلتقطُ أنفاسها بعد ويلاتِ
الحروب.
لمتابعة جلسة التصوير على النسخة الديجيتال على هذا الرابط
لماذا نشهدُ اليوم عودةً إلى الخمسينيات في التصاميم؟
إذا قارنا، في تلك الظروفِ حيث كان العالمُ خارجاً من الحربِ العالميَّة الثانية ولم يُشفَ بعد من الأولى، شكلَ الاتجاه المينيمالي، الذي يركزُ على التصاميمِ المريحةِ مثل الأسودِ، والأبيضِ، والبني الخشبي مع ومضاتٍ من الألوانِ الحيويَّة مثل الأحمرِ، والبرتقالي، والأصفرِ من جهةٍ، وبين ما عاشه العالمُ أخيراً من فترةٍ عصيبةٍ نتيجةَ تداعياتِ جائحةِ كورونا والحجرِ الصحي، والعودة بالتالي إلى البحثِ عن الأساسيات، فسنكتشفُ سببَ عودةِ التصاميم، خاصَّةً في مجالِ الديكور، إلى جذورها، ليصبح الهدفُ الأوَّلُ من تأثيثِ المنزل وهندسته طلبُ الراحةِ لا المفاخرةُ أمام الناس عبر اعتمادِ ألوانٍ دافئةٍ. وقد استندت الموضةُ في العامِ الجاري، كما في عالمِ الهندسةِ الداخليَّة، إلى المعاييرِ التاليةِ المستوحاةِ من منتصفِ الخمسينيات إلى أواسطِ الستينيات، لتواكبَ المرحلةَ الجديدة، وتُترجمَ ظاهرةَ الألوانِ الحيويَّة بموجةِ التفاؤلُ التي تغمرُ العالمَ بعد انحسارِ الأزمات:
تابعي المزيد عن الأسباب التي من خلالها تراجعت مبيعات دور الأزياء العالمية.. وماذا عن الماركات الأكثر نجاحاً لعام 2024؟
- الخطوطُ المحدَّدة أو Clean Cuts، وتتبعُ فيها القصَّاتُ خطوطاً هندسيَّةً، منها الأزياءُ المستقيمة، أو الهرميَّة، وبألوانٍ محدَّدةٍ، لا تحتملُ طابع Tye Dye المتدرِّج بألوانه، وحتى في طريقةِ تنسيقِ الديكور، لذا نرى الأريكةَ بأرجلٍ خشبيَّةٍ باللونِ الكاكي مع وسائدَ برتقاليَّةٍ فاقعةٍ. وقد ترجمَ مصمِّمو الأزياءِ هذه السمةَ عبر طابعِ «كولور بلوك»، منها دارُ فندي Fendi بقصَّاتِ الأزياءِ «الميدي»، وطابعِ الألوانِ المنسَّقة على شكلِ مربعاتٍ على الأزياءِ الصيفيَّة. وقد رأينا في مجموعاتِ صيف 2024 فساتينَ، تكرِّم الخصرَ مع تنانيرَ منفوخةٍ من وحي أسلوبِ «نيولوك» بنسخةٍ متطورةٍ، ووجدناها لدى كلٍّ من بالمان Balmain، وزيمرمان Zimmermann، وكارولينا هيريرا Carolina Herrera، كما طالعنا أسلوبَ الهرمِ المقلوبِ عند ألتوزارا Altuzarra.
- ألوانُ «الكاندي» المرحة، أي ألوانُ السكاكرِ والحلوى الزاهية من الوردي، والأصفرِ، والأخضرِ، والبنفسجي، والأزرقِ البترولي. لقد أغرمنا في مجموعاتِ صيف 2024 باللونِ الزهري الباهتِ الذي نفَّذته دار زيمرمان، ودرجةِ الباستيلِ الأزرق من فالنتينو، وصولاً إلى الجمبسوت الوردي من إيلي صعب، والأخضرِ النعناعي الذي سحرنا بفستانٍ من الحريرِ المصقولِ من فيكتوريا بيكهامVictoria Beckham .
- الطابعُ المينيمالي، الذي لا يحتملُ أي زخرفاتٍ فلونُ القماشِ فيه يتكلَّم، حيث رأينا فساتينَ، وجمبسوتاتٍ منفَّذةً من الحريرِ المونوكروم لدى كلٍّ من فندي Fendi، وتوم فورد Tom Ford. في حين اعتمدت بوتيجا فينيتا Bottega Veneta، وجورج شقرا Georges Chakra هذا الطابع عبر طرح فساتينَ حمراء بدرجةِ القرميدي، أو الكرزي الذي كان مُستخدماً في الأثاثِ المنزلي خلال تلك الحقبتين.
- طابعُ الفنتدج في الإكسسوارات المنزليَّة، سواءً باعتماد تلفزيونٍ قديمٍ، أو أوانٍ منزليَّةٍ، أو منضدةٍ للزينة بطابعِ «ريترو» متجددٍ Retro Renovation. نجدُ ترجمته في هذا الموسمِ لدى جورج شقرا بفساتينَ ذات ألوانٍ ثلجيَّةٍ، وأخرى لامعةٍ بإيحاءاتٍ مستقبليَّةٍ مع طابعِ «ريترو» متجدِّدٍ، ترك بصمةٍ في تسريحةِ الشعر، وياقةِ الزي، أو قصَّته المستقيمة.
- طابعُ Vinyl اللامع مثل الأثاثِ الجلدي، والطاولاتِ المصقولةِ التي تتميَّزُ بلونٍ أحمرَ قانٍ مع مادةِ الصلبِ المصقول الذي يقتربُ من الرصاصي.
- طابعُ الخطوطِ المتقاطعة Checkerboard، وتشبه شكلَ أحجارِ القرميد، وتحاكي لونه أحياناً، وفي أخرى تستوحي الموضةُ من هذه السمةِ الأزياءَ Duo tone باللونَين الأبيضِ والأسود. وقد تجلَّى هذا الطابعُ خاصَّةً لدى دار شانيل، إذ
رأينا الأزياءَ من تاييراتٍ، وفساتينَ، وبدلاتٍ متقاطعةٍ، سواءً باللونَين الزهري والأسود، أو الأسودِ والأبيض، مع أكتافٍ هندسيَّةٍ، وقصَّاتٍ مستقيمةٍ. ومن الدورِ التي برعت في الاستعانةِ بهذا الطابعِ بأسلوبٍ مرحٍ دارُ فيرساتشي التي صمَّمت فساتينَ «ميني»، وتاييراتٍ مربَّعةَ التقطيع بألوانِ الأزرقِ السكري، والأصفرِ الباستيل، والزهري الناعم.
- الوردي الحالم او Mommy Pink، طابعُ الشطرنج والألعابِ الذكيَّة. نذكرُ من الدورِ التي اعتمدته دارُ فرساتشي التي تفنَّنت بهذا اللونِ بكافة تدريجاته الزاهيةِ والفاتحة. كذلك رأيناه لدى جورجيو أرماني بإيحاءاتٍ من الستينيات لجهةِ التركيز على طابعِ البحار، والقماشِ اللامع.
- الأحمرُ اللامع والأبيضُ معاً في ديكورِ المطابخ، وقد جسَّدت المصمِّمة سُكينة هذا الاتِّجاه، فنفَّذت تنانيرَ وفساتينَ، وكأنها مفارشُ للطاولاتِ مزخرفةٌ بالأحمرِ والأبيض، ومستوحاةٌ من منتصف الخمسينيات.
الطبعاتُ الاستوائيَّة المستوحاةُ من وحي أسلوبِ الحياة البسيطة، وطبعاتُ الزهورِ، وعالمِ البحار، وتجلَّت بأبهى صورةٍ لدى تصاميم أرماني بريفيه التي نفَّذت بدلاتٍ محَّددةَ الخصرِ من الأورغنزا، أو القماشِ المائي المستقبلي، واستوحتها من إكسسواراتٍ منزليَّةٍ مثل وسائدَ، توضعُ على أثاثٍ أبيضَ، أو ستائرَ، تبعثُ الحياةَ في الغرفةِ المونوكروم الهادئة.
- اللونُ الأصفر الذي يمتزجُ مع الكاكي، أو الرمادي الدخاني، وهو مستوحى من أسلوبِ حياةِ المدخنين الذي كان سائداً حينها مثل المقاعدِ الجلديَّة الوثيرة التي تتوسَّطُ الغرفة، وأجادت دارُ كلوي نقله على شكلِ فساتينَ بكتفٍ غير متجانسٍ باللونِ
الأصفر العسلي. وقد رأينا هذا الاتِّجاه في عالمِ الديكور لجهةِ الاستعانة بإكسسواراتٍ لكسرِ رتابةِ اللونِ الواحد مثل مصابيحِ الإنارةِ بتصميمها المستدير Curvy التي يتداخلُ فيها الكروم الرصاصي مع ألوانِ النيون الفاقعة.
أبرز مصممي الديكور في تلك الحقبة
Billy Baldwin
1903 - 1983
اشتُهر في الخمسينيات والستينيات لبراعته في مزجِ قطعِ الأثاث الفنتدج، وتقديمِ تصاميمَ عصريَّةٍ. وركز المصمِّم على الألوانِ القويَّة، والقماشِ القطني المطبَّع، وعدَّه بعضهم عميدَ مصمِّمي الديكور في تلك الفترة. كان بيلي بالدوين، يكره الساتان، ويغلبُ على قطعه القطن، والقماشُ المستوحى من «الروح الأمريكية»، وهو الأسلوبُ نفسه الذي اعتمده لاحقاً المصمِّم رالف لورين.
Zajac & Callahan
1934 - 2014
هما شريكان في العملِ، والحياةِ، ويجسِّدان فترةَ الستينيات بامتيازٍ لجهة اعتمادِ الألوانِ القويَّة، والقماشِ المطبَّع مع المزجِ بين القطعِ الأنتيكا، والمفروشاتِ الحديثةِ العصريَّة في توليفةٍ رائعةٍ، ترضي كلَّ أذواقِ الناس.
Dorothy Draper
1889 - 1969
مصمِّمة ديكورٍ أمريكيَّةٌ، عايشت تلك الفترة، وتوفيت في نهاية الستينيات. اشتُهرت بتصاميمها المطبَّعة بالألوانِ والتقليماتِ العريضةِ الأمرُ الذي فتح لها المجالَ لتصميم الهندسةِ الداخليَّة للفنادق. استوحت بعضَ أفكارها من أعمالِ الفنَّانِ المبدعِ
هنري ماتيس، كما تركت كتباً، وأسَّست إمبراطوريةً من المفروشاتِ لتلبية جميعِ الأذواق.
Jean Michel Frank
1895 - 1941
مصمِّمٌ فرنسي، عاشَ في تلك الحقبةِ، التي وُصِفت بـ Midcentury Style، وعُرِفَ بطابعه المينيمالي. لديه مقولةٌ، اشتُهر بها، وهي: «ارمِ، واستمر في التخلُّص من الأثاث والإكسسوار، فالأناقةُ تكمن في الرمي».
Geoffrey Bennison
1984 - 1921
مصمِّمُ ديكورٍ بريطاني، عُرِفَ بتصميمِ الأثاثِ والكراسي من قماشٍ قديمٍ، وبطابعٍ رومانسي لإغناء جوِّ الغرفةِ بلمسةِ فنتدج. تأثَّر بقطعِ الأنتيكا، إذ كان يعملُ في هذا المجالِ في بدايةِ حياته.
تابعي المزيد عن نجمات الخمسينيات واكتشفي في ذكرى وفاتها.. مارلين مونرو أيقونة الموضة التي عانقت الضوء واحترقت