كيف أصبحت فابرجيه أهم دار مجوهرات في القرن التاسع عشر

تتميز دار فابرجيه بتاريخ عريق يعود للقرن التاسع عشر، إذ كانت مجوهراتها الفاخرة وهداياها الثمينة، وخاصة بيضة فابرجيه الشهيرة، هي الهدية الأكثر شهرة في البلاط الإمبراطوري الروسي خلال هذه الحقبة التاريخية، كما حظي مؤسس الدار بيتر كارل فابرجيه بمكانة خاصة بعد أن أصبح الصائغ الرسمي للبلاط الروسي.
ويعود تأسيس دار فابرجيه إلى عام 1842، عندما أنشأها غوستاف فابرجيه في العاصمة القديمة لروسيا، سانت بطرسبرغ.
وعائلة فابرجيه فرنسية الأصل، حيث كان منزلها يقع في قرية لا بوتيل في منطقة بيكاردي في شمال شرق فرنسا، من ثمّ ذهب آل فابرجيه أولاً إلى شويدت آن دير أودر في ألمانيا الشرقية، ثم في عام 1800 إلى بيرناو في مقاطعة ليفونيا الروسية على بحر البلطيق، التي تُعد اليوم جزءًا من إستونيا.
وخلال المائة عام التي سبقت هذه الحقبة الزمنية، أدى تأثير القيصر بطرس الأكبر وخبرته العالمية إلى جعل روسيا بلدًا جذابًا للحرفيين، وقد استعانت إمبراطورة روسيا كاثرين العظيمة أثناء تشييد قصرها الشتوي في سان بطرسبرغ على ضفاف نهر نيفا، بأبرز وأجمل المبدعين في مختلف الفنون من جميع أنحاء العالم.

تأسيس دار فابرجيه في روسيا

كانت لغة البلاط الإمبراطوري هي الفرنسية، لذا أدت هذه الظروف الجيدة إلى وصول غوستاف فابريجيه الذي وُلد عام 1814، إلى العاصمة الروسية سان بطرسبرغ.
كان والد غوستاف "بيتر" صائغًا يمارس حرفته في فورتمبورغ تحت رعاية كاثرين العظيمة، وقد تم تدريب غوستاف على يد أندرياس فرديناند شبيجل.
وبعد التدريب المهني، انضم غوستاف إلى شركة كيبل الشهيرة بصياغة مجوهرات التاج الإمبراطوري الروسي في عام 1826، وفي عام 1841 تم تسجيله رسميًا بأنه صائغ محترف.
وفي العام التالي افتتح غوستاف أول متجر لفابرجيه في شارع بولشايا مورسكايا في سانت بطرسبرغ بروسيا، وفي نفس العام تزوج من شارلوت يونجستدت، وهي ابنة فنان دنماركي. بعد أربع سنوات من الزواج، وتحديدًا في عام 1846، وُلد الطفل الأول للزوجين "بيتر كارل فابرجيه"، وهو الابن الذي سيغير تاريخ العائلة.

بيتر كارل فابرجيه

ذهب بيتر كارل إلى المدرسة في سانت آن، وقد وُلد شقيقه أجاثون عام 1862 مع فارق 16 عامًا بين الشقيقين، حيث جاءت ولادة أجاثون في أعقاب تقاعد جوستاف عن عمر يناهز 46 عامًا، والذي ذهب للعيش في دريسدن تاركًا شركة العائلة في أيدي اثنين من المديرين، خاصة مع ثقته البالغة بتميز ابنه الأكبر بيتر كارل فابرجيه.
التحق كارل بمدرسة إدارة الأعمال في دريسدن وتدرب لدى صائغ في فرانكفورت، ثم سافر إلى إيطاليا وباريس وإنجلترا في عام 1864، حيث كانت هذه الجولة الكبرى في أوروبا لتلقى دروسًا من صائغين محترفين، كما حضر دورة دراسية في كلية شلوس التجارية في باريس، وشاهد القطع الموجودة في صالات عرض المتاحف الرائدة في أوروبا.
عاد كارل للعيش في سان بطرسبرغ وتولى العمل والمشاركة في إدارة دار فابرجيه في عام 1870، وكان عمره حينها 24 عامًا.
وعلى مدى السنوات العشر التالية، عمل مع هيسكياس بندين، مدير العمل الموثوق به لدى والده غوستاف، كمرشد ومعلم له.
وبعد وفاة هيسكياس بندين عام 1882، تولى كارل فابرجيه المسؤولية الكاملة لإدارة الشركة، كما حصل على لقب سيد غولدسميث، وهو اللقب الذي يعني الصائغ المحترف في تشكيل وتصميم الحلى والمجوهرات، مما سمح له باستخدام السمة المميزة الخاصة به بالإضافة إلى سمة الشركة لتقديم أفخم وأرقى قطع المجوهرات للدار.
في عام 1885 انضم شقيق كارل "أجاثون فابرجيه" إلى الشركة وأصبح المساعد الرئيسي لكارل فابرجيه في تصميم المجوهرات.
اشتهر بيتر كارل فابرجيه باستخدامه الرائع والفني للألوان، وتحقيق أقصى استفادة من الخصائص الفريدة لكل حجر كريم، مع تطوير لوحة من مينا نابضة بالحياة، لذلك اجتذبت سمعته العالمية الملوك والنبلاء وأباطرة الصناعة والمثقفين الفنيين، ليس فقط في باريس وموسكو ولندن، ولكن أيضًا في أمريكا والشرق الأقصى، ليصبح مُصمم الهدايا المثالي لأهم الشخصيات البارزة في الطبقات الاجتماعية الراقية.

ولعل أبرز ما خلد اسم دار فابرجيه في التاريخ، كانت أول بيضة إمبراطورية صممتها الدار، وتم تقديمها في عام 1885 كهدية يوم الفصح من القيصر ألكسندر الثالث لزوجته ماريا فيودوروفنا، وهي الهدية التي أسست تقليدًا جعل اسم فابرجيه أسطوريًا، فقد أسعدت هذه الهدية الثمينة زوجة القيصر كثيرًا لدرجة أن القيصر أمر بتعيين بيتر كارل فابرجيه في التاج الإمبراطوري في ذلك العام.
وسرعان ما كلف القيصر دار فابرجيه بصنع بيضة يوم الفصح كهدية لزوجته كل عام، وقدم طلبًا لشراء بيضة أخرى في العام التالي، وابتداءً من عام 1887، أعطى القيصر لكارل فابرجيه الحرية الكاملة فيما يتعلق بتصميمات البيض، والتي أصبحت فيما بعد أكثر تفصيلاً.

ووفقًا لتقاليد عائلة فابرجيه، لم يكن حتى القيصر يعرف الشكل الذي ستتخذه البيضة كل عام، ولكن كان الشرط الوحيد هو أن كل بيضة يجب أن تكون فريدة من نوعها، كما يجب أن تحتوي كل منها على مفاجأة.
ومع العمل داخل البلاط الإمبراطوري، أصبح كارل يستطيع الوصول إلى مجموعة متحف الأرميتاج الفنية الهامة، حيث كان قادرًا على دراستها وإيجاد الإلهام لتطوير أسلوبه الشخصي الفريد، متأثرًا بباقات المجوهرات المرصعة بالأحجار التي ابتكرها صائغو الذهب في القرن الثامن عشر "جان جاك دوفال" و"جيريمي باوزي".
وقد أعاد فابرجيه صياغة أفكار هذان الصائغان المميزان، وجمعها مع ملاحظاته الدقيقة وعشقه للفن الياباني، مما أدى إلى إحياء فن المينا والتركيز على ترصيع كل حجر كريم في القطعة لتحقيق أفضل ميزة بصرية.

وبعد وقت قصير من انضمام شقيق كارل الأصغر أجاثون إلى الشركة، قدمت دار فابرجيه أشياء فاخرة سحرت النبلاء والملوك والأمراء، حيث ضمت عناصر مرصعة بالذهب ومزينة بالمينا مثل الجرس الكهربائي وعلب السجائر وأدوات المائدة وغيرها من المقتنيات الفاخرة.
وعند وفاة ألكسندر الثالث، اتبع ابنه القيصر نيكولاس الثاني تقليد بيضة يوم الفصح، ولكنه أثرى التقليد بطلب بيضتين كل عام، واحدة لأمه، التي حصلت في النهاية على ما مجموعه 30 بيضة من فابرجيه، وواحدة لزوجته ألكسندرا التي حصلت على 20 بيضة فابرجيه بتقليد استمر حتى عام 1917.

هل ترغبين بمشاهدة المزيد من مجوهرات ملكية مرصعة بالياقوت من وحي ملكات العالم؟

فروع جديدة لفابرجيه في روسيا وانجلترا

بالعودة إلى تاريخ تأسيس دار فابرجيه، نجد أنه مع ازدهار الشركة العائلية، افتتح كارل فرعًا جديدًا للدار في موسكو، التي كانت تُعد ثاني أكبر مدينة في روسيا حينها، بينما قام آلان آرثر وتشارلز بو بإدارة فرع موسكو.
وأصبحت شركة فابرجيه أكبر شركة تجارة المجوهرات في البلاد، وأنتجت حوالي 150.000 إلى 200.000 قطعة من عام 1882 حتى عام 1917.
في عام 1893، توفي غوستاف فابرجيه، والد كارل، ثم توفي شقيقه الأصغر أجاثون عن عمر يناهز 33 عامًا في عام 1895، ولكن شركة فابرجيه استمرت في الازدهار.
وقد تم نقل المديران آرثر وبو من فرع موسكو، لفتح فرع في لندن عام 1904، وعندما انتهت الشراكة مع بو، أرسل كارل ابنه الأصغر نيكولاس للانضمام إلى هنري بينبريدج (أحد معارف بو) للمشاركة في افتتاح أول فرع في شارع دوفر مايفير عام 1906، ثم انتقل بعد ذلك إلى شارع بوند، وتم توجيه جميع تجارة فابرجيه خارج روسيا عبر فرع انجلترا.
وفي عام 1915، تم إغلاق متجر فابرجيه في إنجلترا.

مصير أبناء كارل فابرجيه

انتقل ابنا كارل الأول والثالث، يوجين وألكسندر، إلى فرنسا في عام 1924، قاما بتأسيس شركة Fabergé & Cie، التي كانت تتاجر وتعيد تخزين الأشياء التي صنعتها عائلة فابرجيه، بالإضافة إلى المجوهرات العامة والتحف الفنية، فيما كانت القطع التي صنعوها تحمل بوضوح علامة Fabergé, Paris لتجنب أي تشابه مع العناصر التي صنعتها الدار في روسيا.

الاستيلاء على اسم فابرجيه

في عام 1937، بدأ صموئيل روبين، وهو أمريكي من أصل روسي، تجارة العطور، وبناءً على اقتراح من صديقه الدكتور أرماند هامر، قام بتسمية عطوره باسم فابرجيه وأسس شركة فابرجيه، دون الحصول على إذن العائلة!
وبعد اكتشاف أنشطة روبن، قررت عائلة فابرجيه التسوية خارج المحكمة لتجنب الرسوم القانونية المرتفعة، ودفع روبن 25000 دولار أمريكي مقابل استخدام اسم فابرجيه في صناعة العطور فقط.
وفي عام 1964، باع صموئيل روبين شركة فابرجيه لشركة مستحضرات التجميل رايت التابعة لجورج باري مقابل 26 مليون دولار أمريكي، كانت الشركة المندمجة تسمى Rayette-Fabergé Inc، وفي عام 1971 عاد اسم الشركة إلى شركة Fabergé Inc.
وفي عام 1989، اشترت شركة يونيليفر شركة فابرجيه مقابل 1.55 مليار دولار أمريكي، مع ملاحظة أن سام روبين قد سجل اسم دار المجوهرات في عام 1946، حيث سجل اسم فابرجيه كعلامة تجارية عبر مجموعة واسعة من البضائع دوليًا ومنحت تراخيص لأطراف ثالثة لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات تحت اسم فابرجيه.

عودة دار فابرجيه

في أكتوبر 2007، أعلنت شركة Fabergé Limited أنها استحوذت على العلامات التجارية والتراخيص والحقوق المرتبطة باسم Fabergé من شركة Unilever، ليتم لم شمل اسم فابرجيه مع عائلة فابرجيه، حيث تم إنشاء مجلس تراث فابرجيه لتوجيه الشركة في سعيها لتحقيق تراث فابرجيه الأصلي المتمثل في التميز في الإبداع والتصميم والحرفية.
وفي الساعة 9 صباحًا يوم 9 سبتمبر 2009، تم إعادة إطلاق فابرجيه مع تقديم مجموعة المجوهرات الراقية "Les Fabuleuses"، وبحلول 31 ديسمبر 2012، كانت جميع التراخيص الممنوحة لأطراف ثالثة قد تم إنهاؤها ولم يعد الاسم يظهر على منتجات التنظيف الخاصة بشركة Unilever كما كان في السابق.
ربما يهمكِ أيضًا الاطلاع على أول تاج ارتدته الملكة إليزابيث