مع كل احتفال في المملكة، تظهر العرضة (رقصة السيف)، أيقونة التراث الشعبي، بإيقاع مليء بالحماس والفخر، تنطلق معها أهازيج؛ تروي قصص النجاح والتفوق، وتجسد لوحة حية تعكس تاريخ الشعب السعودي الأبيّ خلال المناسبات الاجتماعية والتاريخية المهمة، وتُعتبر العرضة، التي اشتقت تسميتها من كلمة "العرض" وهو "الجيش الضخم"، جزءاً أساسياً من التراث والثقافة الأصيلة للمملكة العربية السعودية؛ تتجلى فيها مشاعر الفخر والعزة وروح المجتمع الواحد، وتمثّل وسيلة لنقل التراث من جيل إلى جيل، وتعزيز الانتماء والفهم العميق لتاريخ البلاد.
انطلاقاً من هذه المكانة المهمة "للعرضة" في التراث الشعبي، وبهذه العبارات المحملة بالعزّ والفخر، قامت "تحدث العربية" بالتطرق في هذا الموضوع، الذي حمل عنوان "قصائد المرأة في عرضة الشموخ.. موضي الدهلاوي: إرث راسخ في ذاكرة التأسيس"، إلى أهمية العرضة ودور المرأة في دعم الوطن والدفاع عنه في مواجهة الاعتداءات الخارجية؛ من خلال نظمها للقصائد التي تفيض بمشاعر دافئة وأهازيج مليئة بالفخر.
كما أرفق الموضوع بفيديو؛ لتجسيد وتخليد أقدم قصائد العرضة في عهد الدولة السعودية الأولى، و"تحدث بالعربية" مركز ثقافي يعنى بإبراز ونشر الثقافة السعودية، والهوية واللغة العربية، وجعلها حاضرة ومفعلة في جميع جوانب حياة الشباب؛ لما للغة من أهمية ككنز قومي وتأثيرها على الهوية الثقافية لأفراد المجتمع.
وتُعد العرضة النجدية أشهر عرضة في المملكة، وكان يشارك فيها المحاربون قبل مواجهة أعدائهم في ساحة المعركة؛ لاستعراض أسلحتهم وروحهم القتالية، وهي رقصة مهيبة متزنة؛ تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الإيمان، وتبدأ العرضة عن طريق شاعر يمتلك صوتاً جهورياً يردد شطراً من الأبيات الشعرية الحماسية؛ ينادي فيه العارضين ليجتمعوا في صفين متقابلين؛ يمسك كل عارض منهم بيد الآخر، ويردد كل صف مجتمعين شطر البيت أو البيت كاملاً، ويتراقصون على وقع دق الطبول؛ بأداء يُحيي في النفوس مشاعر الشجاعة، لا سيّما شجاعة الفرسان.
على أوتار الفخر والنصر.. قصائد موضي الدهلاوي تروي ملاحم المرأة السعودية
وكما كان للرجال دورهم في الحروب كان للمرأة السعودية الحرة الأبية التي عرفت بقوتها وحكمتها ورجاحة عقلها وصبرها، دور حيوي في الحفاظ على الهوية الوطنية وشحذ الهمم ودعم الوطن والدفاع عنه في مواجهة الاعتداءات الخارجية، وإدارة كثير من الأزمات، ومواجهة التحديات التي عصفت بالدولة السعودية منذ نشأتها، وفي خضم تلك الظروف برز دور المرأة السعودية السياسي والإداري، وأحياناً العسكري، في مواجهة خصوم الدولة السعودية، وكان دائماً ما يتكلل دورها بالنجاح في أصعب الظروف، والأمثلة في تلك المواقف البطولية المشرفة للمرأة السعودية كثيرة ومتعددة، فقد أسهمت المرأة في تقديم الرعاية الصحية للرجال المشاركين في الحروب، كما شاركت في الجهود الإنسانية وتقديم المساعدات للمتضررين، وفي التوعية ونقل القيم والتراث الوطني إلى الأجيال الصاعدة، وقدمت دورًا بارزًا في الدعم النفسي والمعنوي للمحاربين سواء عند الاستعداد للمعارك أو بعد تحقيق الانتصار من خلال نظمها للقصائد التي تفيض بمشاعر دافئة وأهازيج مليئة بالفخر، تعبر عن عزة النفس وتشعل حماس الفرد وتروي نشوة النصر للدين والملك والوطن.
هيه يا راكب حمرا ظهيرة تزعج الكور نابيه السنامي
سر وتلفى هل العوجا مسيرة ديرة الشيخ بلغها سلامي
ياهل الحزم يا نعم الذخيرة إن لفاكم من الباشة كلامي
انخو الله ولا تنخون غيره واعرفوا ما من الميته سلامي
في يديكم فرنجيى ذخيرة تقذفه مثل سيقان النعامي
الأبيات السابقة ربما ظن سامعها أن فارسًا فوق جواده يطير كالسهم يخوض المعركة، وهو ينشدها، وتعصف به موجة من التفاعل مع وضع يعيشه بشجاعة وإقدام، والواقع أن تلك الأبيات من القصيدة الحماسية التي ألقتها الشاعرة موضي بنت سعد بن عبدالله الدهلاوي، لتحفيز وحث المدافعين عن الرس على الصمود والتصدي للجيش الغازي ومواجهة حصار إبراهيم باشا سنة 1232هـ/1817م الذي استمر لأكثر من 3 أشهر واستعصت هذه المدينة عليه، حيث تعد موضي التي تنسب إليها أقدم الوثائق الشعرية في تاريخ العرضة من أوائل شعراء العرضة في الدولة السعودية الأولى، وتبرز كمثال للمرأة السعودية المناضلة المؤيدة المؤازرة لأبناء أمتها في مواجهة العدوان، بما تحمله من رموز القوة والشجاعة في وجه التحديات والمحن، وبما كان لشعرها من أثر كبير ووقع في نفوس الرجال المحاربين الذين أخذوا يرددون عباراتها الحماسية قبل وبعد الانتصارات بينما يؤدون العرضة.
عاشت موضي بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر من الهجرة (1165 – 1240 هـ تقريبا)، حيث كانت تنتمي إلى أسرة آل أبي الحصين من قبيلة العجمان، وكانت لأسرتها مكانة مرموقة، وتميزت بصفات من بينها الجمال والذكاء والشجاعة والتي جعلتها تحظى بمكانة عالية عند البادية والحاضرة، ودفع بكثير من شيوخ القبائل في تلك الفترة إلى الرغبة في الزواج منها؛ اختارت من بينهم الشيخ الأمير الفارس جديع بن منديل بن هذال بن عدينان والذي يُعد من أشهر زعماء قبيلة عنزة ومن الفرسان المعدودين في نجد في عصره، وتزوجته وكان زواجها منه نزولا عند رغبتها رغم معارضة أهلها وترددهم في قبوله، مما يدل على قوة شخصيتها وما كانت تحظى به من تقدير بالغ من أهلها الذين نزلوا على رغبتها لثقتهم في رجاحة عقلها وسداد رأيها، وعاشت موضي في حقبة شهدت خلالها منطقة وسط شبه الجزيرة العربية تغييرات سياسية ودينية حاسمة، تمثلت في تنامي قوة الدولة السعودية الأولى، وما أدى إليه ذلك من صراع مع القوى المناوئة لها، وتميزت موضي خلال تلك الفترة بقصائدها الحماسية التي يحفل كثير منها بمعانٍ تدل على الاعتزاز والولاء للدولة السعودية، والتي من بينها قصيدتها للمدافعين عن الرس التي ذكرناها، حيث يعدّ موقف موضي هذا جزءًا من الموقف البطولي لأهل الرس الذين تمكّنوا من فرض شروطهم التي نتج عنها الصلح، وليس بمستغرب ما فعلته المرأة السعودية المقاتلة والمحاربة عندما يتعلق الأمر بقضية تمسّ أرضها أو قبيلتها أو عشيرتها، كما كان ذائعًا بين نساء الجزيرة العربية حتى إنه في وقت من الأوقات عُرف من النساء من سميت العطافة أو العمارية، وهي فتاة تُختار في المعارك من بين بنات القبيلة تجلس في هودج تحثّ أبناء قبيلتها وتحمّسهم على القتال، وتشجعهم على التقدّم في حربهم، وتحذرهم من التراجع، ولعلّ ما كانت تقوم به موضي هو الأمر ذاته فقد كانت تشدو بشعرها تحمس الرجال وتقوي عزائمهم وتثبتهم وتذكرهم بتاريخهم الحافل بالملاحم والانتصارات، وكانت نموذجًا بطوليًا أدبيًا معبرًا عن ما كانت تحظى به المرأة في الدولة السعودية الأولى من ثقافة وتعليم ومعرفة، وكيف كانت عونًا للرجال في أوقات السلم والحرب.
ما رأيك بالاطلاع على فعاليات يوم التأسيس السعودي رحلة الأجيال لماضي الأجداد
"تحدّث العربية" تستحضر موروث المرأة السعودية عبر تاريخ الوطن
"لنـجعـل مـن ُتـراثنــا وتدًا لثبات عروبتنا"، كان هذا الشعار دافعًا لقيام مبادرة "تحدث العربية" التي تولي اهتمامًا بالغًا باللغة والهوية العربية والثقافة الوطنية، بإعادة تجسيد أقدم الوثائق الشعرية في تاريخ العرضة والتي تعود إلى عصر الدولة السعودية الأولى معلنة فيها أول ظهور للمرأة في تاريخ العرضة، حيث أبرزت "تحدّث" هذا الفولكلور في فيديو بقالب فّني ملحمي يؤكد على دور المرأة السعودية في هذا الميدان، ويبعث برسالة مفادها أن العرضة إرث ثقافي ممتد من الدولة السعودية الأولى إلى الدولة السعودية الثالثة، وجاء هذا العمل بتضافر جهود جهات عدة تشاركت في هدف إعادة إحياء هذا التراث والكشف عن دور المرأة السعودية فيه، فجاء العمل بالتعاون مع شركة هودج للإنتاج، وبرعاية شركة تراكيب، وهي جهود حثيثة تعتز بوطنها وتفخر بالانتماء إليه وتمثل نموذجًا للالتزام الجاد بإحياء تراث المملكة الغني وتعزيز وعي البشرية به وإلهام الأجيال الحديثة بأصالتها، والتأكيد على الروابط القوية مع التراث الثقافي والتاريخ الغني، حيث تشير عالية المقرن- مدير تطوير أعمال شركة تحدث العربية- إلى أنه في عهد التأسيس كان للمرأة السعودية دور كبير وفعّال في بناء الهوية الوطنية وترسيخ قيم المجتمع السعودي، وبرز أثرها في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية والأدبية، والسياسية في بعض الأحيان، ولم تنظر القيادة السعودية للمرأة بمنظار ضيّق، بل كانت محل حفاوة منذ يوم التأسيس وحتى الآن، باعتبارها عنصرًا أصيلا في بناء الوطن، ومكوّنًا كامل الأهليّة، وهذا الدور الحيوي للمرأة أسهم بشكل كبير في تشكيل الواقع الاجتماعي والثقافي للمملكة، وفي ظل هذا الإرث التأسيسي، آثرنا تقديم شخصية موضي الدهلاوي كرمز للمرأة السعودية التي نالت مواقع مشرّفة، وكان التمكين ملمحًا بارزًا لها كونها شريكًا فاعلًا في رفعة الوطن ونمائه، حيث نرى اليوم نماذج لنساء سعوديات يتألقن بنجاحهنّ وإبداعهنّ في مختلف الميادين علميًا واقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وإلى ذات المعنى يشير عبدالاله الأنصاري- الرئيس التنفيذي لشركة تراكيب لصناعة المحتوى- بقوله:" نحن نولي اهتمامًا بالغًا في تراكيب بتسليط الضوء على الجوانب الفريدة والتاريخية للثقافة السعودية الغنية، وجاءت فكرة إعادة تجسيد أقدم الوثائق الشعرية في تاريخ العرضة والتي تعود إلى عصر الدولة السعودية الأولى تكريمًا للتراث وإيمانًا منّا بمسؤوليتنا في نقل تراث المملكة وتاريخها العريق بشكل مبتكر ومؤثر إلى الأجيال الجديدة والجمهور العالمي، حيث يعد ذلك جزءًا من واجبنا الوطني والقيمي، كما أن التركيز على قصص البطولات والإلهام يسهم في نقل صورة حقيقية ومتطورة عن المرأة السعودية في الماضي والحاضر ودورها الأساسي في صنع مستقبل هذه الأمة، نحن ملتزمون بذلك ونعد بالمزيد، فهذا التمسك بالتاريخ والتفاؤل نحو المستقبل يمثلان جوهر روح الوطن وتطلعات هذا الشعب العظيم.
يمكنك أيضًا الاطلاع على أجمل القصائد عن يوم التأسيس السعودي